بعد قمم الرياض التي وضعت إيران في مكانها الحقيقي دولة راعية للإرهاب بات واضحا بالنسبة للإيرانيين أن الأوضاع الإقليمية والدولية لا تشجع على ظهورهم العلني قوة إقليمية منافسة لقوتي الردع الأميركية والروسية. وهو ما دفعهم إلى إعادة النظر في خططهم للحفاظ على مصالحهم السياسية التي لا تخفي طابعها الطائفي بل تظهره أكثر مما يتحمل الواقع. ذلك لأن ما حققته إيران من اختراقات في المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية انتهى إلى قيام ميليشيات خارجة على القانون بسلاحها مثل حزب الله اللبناني من غير أن يؤدي إلى بناء كيانات سياسية يمكن التعويل عليها مستقلا. لا تزال تلك الميليشيات تعتاش على ما توفره لها طهران من أسباب حياة وقوة، وهو ما يعني أنها ستواجه مصيرها مفلسة وخاوية إذا ما انقطعت عنها سبل التمويل الإيراني المباشر. وكما يبدو فإن نظام الملالي في طهران لم يخطط في المراحل السابقة إلا لإنشاء قوى تابعة له، تكون بمثابة أدواته لنشر الفوضى في العالم العربي، يلجأ إلى تحريكها حين يضيق بأزماته الداخلية أو حين يتعرض لضغوط خارجية. وكما عبر مسؤولون في النظام الإيراني فإن تلك الجماعات الملحقة بالحرس الثوري هي الأذرع التي تقاتل إيران بها الآخرين. الأمر الذي يقود إلى حقيقة أن الإمبراطورية الفارسية التي تدين بالولاء للولي الفقيه هي اشبه بالاخطبوط. إيران هي الجسد اما الجماعات الموالية فما هي إلا أذرع ميتة لا تدب الحياة فيها إلا حين يحتاج ذلك الجسد للدفاع عن نفسه. وهكذا يكون النظام الإيراني قد نجح في مرحلة سابقة في إقامة منظومته الدفاعية على حساب إمكانية أن تقوم حياة طبيعية في جزء مهم من العالم العربي وهو الجزء الذي صار موضع اشتباك دولي، حاولت إيران أن تجد لها موقعا فيه من غير أن تحقق نتائج مؤكدة. اليوم تشعر إيران جديا بأن أذرعها مهددة بالقطع. وهو ما يجعلها تستعد للبدء في تنفيذ خطة، تتيح لها الاستمرار قوة إقليمية، لكن من خلال وصل ما يمكن أن ينقطع من خطوط بين جماعاتها المسلحة في المنطقة، بعضها بالبعض الآخر وهو ما يمكن أن نفهمه من تصريح أحد مسؤولي الحرس الثوري من أنهم يستعدون لاستعمال ميليشيات الحشد الشعبي العراقية في مهمات قتالية خارج العراق. ما هو ملح ومصيري في هذه المرحلة أن يتم تأمين طريق بغداد ـ دمشق أما طريق دمشق ــ بيروت فقد تم تأمينها عبر سنوات الحرب الماضية من خلال إطلاق يد حزب الله للإمساك بالأرض بعد معارك اتسم بعضها بسياسة الأرض المحروقة. تقضي الخطة الإيرانية أن يكمل الحشد الشعبي اليوم ما بدأ به حزب الله بالأمس. وهو خطة ولدت ميتة كما يُقال. ذلك لأن أية قوة محلية مهما أوتيت من قدرات لا يمكنها ان تضع يدها على الطريق التي تصل الحدود العراقية بالعاصمة السورية. فكيف إذا كانت تلك القوة ميليشيا كان قد جرى تلفيقها لأسباب طائفية انهارت فيه مقومات الوعي الوطني. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المنطقة التي تخترقها تلك الطريق نشهد سباقا محموما بين قوى كبرى، صارت تستشعر الخطر الذي يمثله استمرار الميليشيات التابعة لإيران في تلقي الدعم المادي من إيران، فمن خلال تلك الميليشيات لا يمكن الحديث عن مسألة تحجيم إيران واحتوائها وإنهاء دورها الضار في المنطقة. بناء على تلك المعطيات فإن الطريق إلى دمشق لن تكون سالكة أمام أية قوة تدفع بها إيران في مغامرة خاسرة. فالحرب هناك ليست نزهة، كما أن الحشد الشعبي الذي يعرف العسكريون الإيرانيون مدى هزاله أكثر من غيرهم انما يتألف من عاطلين عن العمل أجبرتهم ظروفهن المعيشية على الالتحاق بالميليشيات الطائفية فهم ليسوا سوى جنود شطرنج. قد يقاوم حزب الله نهايته بعض الوقت إذا ما أغلقت أمامه أبواب التمويل الإيراني. في تلك الأثناء سيكون كل شيء في طهران قد عاد إلى الصفر. فنهاية حزب الله تعني انطفاء الحلم الإيراني في اخضاع المنطقة لمزاج الولي الفقيه. فاروق يوسف
مشاركة :