جاسر الجاسر حين أطلق وليد جنبلاط دعوته الغرائبية «لزرع الحشيش وإلغاء مذكرات التوقيف بحق المطلوبين في هذا الحقل» كانت الصدمة أنها الدعوة الأولى، عربياً، ليس لإخراج الحشيش من دائرة الممنوعات فقط، بل تبجيله رسمياً ووضعه ضمن مصادر الدخل وتحسين الاقتصاد. ربما كان جنبلاط يستقرئ تجربة الأوروغواي التي كانت أول دولة تجيز زرعه وتجارته رسمياً، ثم أقامت منتصف الشهر معرضاً لبيع بذوره وشرح طرق استخدامه. وربما قرأ عن أرباح ولاية كولورادو الأميركية التي تضيف إلى خزينتها نحو مليون دولار يومياً بعد إجازتها حيازة الحشيش (الماريوانا) وتعاطيه بغرض الترفيه. لم يكن جنبلاط شذوذاً في هذا الشأن فلقد حفل العام بدعوات تقترب أو تبتعد عن مضمون مطالبته، لكنها تصب جميعاً في مصلحة ترويج الحشيش وإخراجه من دائرة المحرمات أو على الأقل التعامل معه بليونة. الرئيس التونسي الباجي السبسي دعا في إحدى حملاته الترشيحية إلى مراجعة قانون استهلاك الحشيش (الزطلة) بالتعبير التونسي، لحماية مستقبل الشباب خصوصاً إذا كان المتعاطي يستخدمه للمرة الأولى أو كان على مقاعد الدراسة. في المغرب طرحت بعض أطراف المعارضة دعوة لسنّ قانون ينظم زرع الحشيش وبيعه من أجل الاستخدامات الطبية والصناعية على أن تكون المــزارع في شكل تعاونيات تشتري الدولة منتوجها. في تقرير لصحيفة «السياسة» الكويتية أن مرشد إيران أجاز لحزب الله العمل في تجارة وتهريب المخدرات بهدف تمويل نشاطات الحزب، كما أن الحكومة الإيرانية سمحت في آب (أغسطس) الماضي، للنساء بتعاطي الحشيش من أجل الرشاقة! في أفغانستان ظهرت فتاوى شرعية من جماعات جهادية تبرر لعناصرها تعاطي الحشيش وتجارته منذ الغزو السوفياتي رداً على استنكار كثير من المشاركين في العمليات الجهادية والإغاثية لشيوع الحشيش بين الأفغان. في المقابل تماماً من جنبلاط، تقف السعودية الأكثر شراسة في الحرب على المخدرات، حتى أنها تحكم على المروجين بالقتل تعزيراً كما أن جميع الدول الإسلامية تحاربه بدرجات مختلفة وفق قدراتها. ولم يسبق لأية دولة أن تراخت، على الأقل، في لهجتها في مواجهة الحشيش وملاحقة المروجين والمتعاطين، فما الذي تغير هذا العام لتتوالى المطالبات والقوانين التي تغض النظر عنه جزئياً وتمهد لفتح باب المشروعية له؟ جنبلاط انطلق من رؤية استثمارية، لكن قبولها يعني أن لا شيء محرماً في الاقتصاد، فتكون النتيجة شيوع المخدرات وضياع الشباب ولا يستفيد سوى زارعيه ومروجيه. السبسي يريد حماية الشباب من أخطائهم الأولى، لكن، من يضمن أن ذلك لن يورط الشاب لأنه سيخوض التجربة الابتدائية فلا يخرج من نفقها أبداً. إيران تطوعه لمصالحها وضروراتها فتجعل المنع مزاجياً ومرحلياً وجزئياً ما يعني القناعة أن لا ضرر في المخدرات، وأن لا صلابة في تحريمها. كل هذه المبررات ليست سوى انكسار أخلاقي، والبحث عن حلول يائسة أو ارتباك حاد في القيم يخلخل المبادئ الثابتة ويجعل كل الأمور نسبية وقابلة للتداول. المخدرات حرب تنخر كل مجتمع وتنسف طاقاته فلا يكون أمل بإصلاحه وإعادة تقويمه، والتراخي معها، لأي سبب كان، يعني أن المهرّب سيصبح تاجراً والمستهلك مدمناً، خصوصاً أن الحشيش يعتبر البوابة الأساس لأنواع المخدرات الأخرى فإن بدأ الشاب بسيجارة منه انتهى إلى حقنة أو شمة قاتلة. الإرهاب ليس أسوأ صور عام 2014، بل هذه الموجة من التقارب مع المخدرات ومحاولة تبرئتها. الحياة
مشاركة :