من منا لا يتذكر المفكر الاميركي الراحل صاموئيل هنتنغتون، ونظريته المثيرة للجدل التي نشرها أولا في مجلة فورين افيرز عام ١٩٩٣، التي ملخصها أن الصراعات القادمة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية هي الموّلد الاساسي للصراع واعادة تشكيل النظام العالمي، ثم نشرها عام ١٩٩٦ في كتاب تحت عنوان «صراع الحضارات»، الذي أثار جدلاً وما زال. ولقد تلقف الحزب الجمهوري الاميركي، وبالاخص من يسمّون بالجمهوريين الجدد، هذه النظرية وبدأوا بتطبيقها في أفغانستان، فالعراق وغيرهما من الدول الشرقية، وجاءهم الرئيس بوش الابن ملهماً لخيالاتهم، فحققوا بعض ما يريدون، ولكنهم ووجهوا بعقبات كأداء.. وأوقف أحلامهم مجيء الرئيس الديموقراطي باراك أوباما، الذي آمن بأسلوب الحوار مع الآخرين وليس صراعهم. ولكن الزمن دار مرة أخرى لمصلحتهم بفوز الرئيس دونالد ترامب، ليواصل مع فريق ادارته المختارين بعناية إشعال الصراع مرة اخرى، وهذه المرة بشكل اكثر إثارة وانكشافاً. وهنا من المفترض ان يواجه بسياسيين مثقفين وحكماء، ليبنوا جسورا مع ثقافات الدول الاوروبية والآسيوية الأخرى في مواجهة طوفان الجمهوريين، الذين لن يكون امامهم اي محرّم سياسي ليصارعوا الآخرين ويهزموهم، لذا فإنهم لن يبالوا وإن عادوا العالم كله، بمن فيهم الاصدقاء السابقون للسياسة الاميركية.. وسيستخدمون كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق نظرية هنتنغتون السالفة الذكر. ولكن ومن حسن الصدف ان مصالح مثقفي العالم وسياسييه الحكماء لن تسمح للادارة الاميركية ببناء هيكل يتم من خلاله هدم حضارت انسانية وسلوك انساني وقواعد سياسية بنيت عليها أسس النظام الدولي المعاصر.. وهذا ما نجد ملامحه من وقوف اكثر من أربعة أخماس البشرية ضد ترامب وصراعاته ضد ثقافات العالم وعقائده.. وستكون الايام القادمة مخاضاً لإبطال توجيه العالم لصراعات ما قبل التمدن الإنساني، وقد يكون فرصة لدول الشرق التفاهم الايجابي مع دول الغرب، شعوبا وقبائل، في التفاهم ضد من يريد تمزيق الامن والسلام الانساني وثقافاته المتنوعة. عبدالمحسن يوسف جمال ajamal2@hotmail.com
مشاركة :