القاهرة: «الخليج» العلاقات الإشكالية بين الآباء والأبناء، بين الرجال والنساء، والإعجاب بثقافة القرون الوسطى المسيحية للدول الإسكندنافية، والصراع النفسي داخل الإنسان ومشكلاته، واعتماد الكاثوليكية مرجعية للأفكار والمجتمع، تلك أبرز وأهم الأفكار التي تدور حولها روايات وأعمال الكاتبة النرويجية سيجريد أوندست (1882 - 1949) التي عرفت أيضا بكتاباتها عن نمط الحياة في الدول الإسكندنافية خلال العصور الوسطى، وكانت بداية انطلاقتها في كتابة الرواية تتركز حول مشاكل النساء اللواتي يعشن في المدن، كما أن أغلب بطلات رواياتها يواجهن عواقب وخيمة، حين يكن غير مخلصات لحقيقة ذاتهن.يقول أحد النقاد إن سيجريد أوندست وشخصياتها الروائية، مثل النرويج نفسها، نصف روحها ينتمي إلى الفايكنج، والنصف الثاني يتمزق بين مغامرات جريئة ورفض الذات بشدة، وتعكس أعمالها جمال وشفافية الشعر للنرويج القديمة، كما أن الوعي المجازي للطقوس الكاثوليكية يهيمن عليها بشدة، فهي تلخص في جملتها الأخيرة، في رواية «الأساطير الأرثورية» قصصاً حول الملك أرثور، تقول: «بالنسبة للعادات والأخلاق فهي دائما تحت قيد التغير بمرور الوقت، كما أن معتقدات الناس تتغير، كطريقة تفكيرهم حول الأشياء، لكن قلوب الناس تبقى كما هي لا تتغير، عبر كل الأيام وإلى الأبد».كانت تكره أن تتحدث عن نفسها، رغم أنها حصلت على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1928 بعد النجاح الكبير لروايتها «أولاف أودنسن» واكتوت بنار السياسة، وقامت بالتبرع بقيمة الجائزة لدعم المجهود الحربي لفنلندا عام 1940 بعد غزو الاتحاد السوفييتي لها، فيما عرف بحرب الشتاء، ثم أُجبرت على الهروب بعد غزو ألمانيا للنرويج في نفس العام، فاتجهت إلى السويد وأمريكا، ومنذ العام 1930 قامت النازية بحظر مؤلفاتها، ومات ابنها البكر وهو في السابعة والعشرين في اشتباك مع القوات الألمانية، وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية عادت من أمريكا إلى النرويج بعد التحرير عام 1945 وتوفيت بعد أربع سنوات، وحظيت بالتكريم اللائق، ووضعت صورتها على العُملة النرويجية فئة 500 كرونة، وقامت السويد بوضع صورتها أيضا على طوابع البريد عام 1998.ولدت سيجريد أوندست في الدنمارك، لكن عائلتها انتقلت إلى النرويج عام 1924 وعاشت في مناخ عائلي يسوده القلق، وكان لوالدها تأثير كبير عليها، فقد وجهها نحو أساطير التاريخ الإسكندنافي، وشكل موته وهي صغيرة صدمة كبيرة لها، وأثّر سلباً على الوضع الاقتصادي للعائلة، ما دفعها إلى التخلي عن استكمال التعليم الجامعي، وفي سن السادسة عشرة، حصلت على وظيفة سكرتيرة في إحدى الشركات لتساعد عائلتها.كتبت أوندست أولى رواياتها عن العصور الوسطى للدنمارك، لكن دور النشر رفضتها، وبعد عامين كتبت رواية أخرى تصف حياة امرأة واقعية، وقد رفضها الناشرون في بداية الأمر، ثم تحمس لها أحدهم، ووافق على طباعتها، هذه الرواية هي «السيدة مارتا أولي» وكانت الجملة الافتتاحية فيها على لسان بطلة الرواية: «كنت خائنة لزوجي» هذه الجملة الصادمة أثارت زوبعة في المجتمع النرويجي، وحققت شهرة واسعة للكاتبة وهي في الخامسة والعشرين، وأصبحت قادرة على العيش من كتاباتها. استقرت أوندست في روما لبعض الوقت، وهناك تعرفت على مجموعة من الأصدقاء، وأحبت رساما نرويجيا ثم تزوجته، وشكلت تلك الفترة ملامح وخلفية روايتها «جيني» التي صدرت عام 1911 كان زوجها يمارس الرسم، وكانت هي تربي أطفالها الخمسة، والرواية بمثابة سيرة ذاتية، تتحدث فِيها عن رحلتها إلى إيطاليا، وقصة الحب التي جمعتها بالرسام الذي تزوجته وانفصلت عنه فيما بعد كي تتفرغ لكتاباتها وتربية أطفالها.كتبت أوندست آنذاك روايتها «كريستين لافرانسداتر» وتقع في ثلاثة أجزاء وتتابع فيها مسيرة حياة البطلة «كريستين» وما مر بها من أحداث، لترجح الكاتبة في النهاية كفة الفضيلة على الرذيلة، وتضع القارئ أمام أبواب مفتوحة على تساؤلات متشعبة حول العلاقات بين الزوج والزوجة، بين الأنا والآخر، بين الأنا ومعرفة الذات.أثرت هذه الرواية بشكل مباشر على الحياة الشخصية للكاتبة، إِذ إنها اعتنقت الكاثوليكية عام 1924 بعد كتابة الرواية، ما فاقم غربتها، لأن الغالبية الساحقة من سكان النرويج من البروتستانت، ويعود نجاح أوندست التي أطلق عليها النقاد لقب «زولا العصور الوسطى» لتعاملها مع الرواية والقصة القصيرة برؤية واقعية مثل المبدع الفرنسي إميل زولا، وإلى قدرتها على تقديم صورة حقيقية للتاريخ.
مشاركة :