طفلي فوضوي.. فماذا أفعل؟

  • 8/26/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أن انتهيت من إلقاء ورقتي في واحدة من الندوات الأخيرة حول عمل الشباب التطوعي والتنمية المستدامة، وفي فترة الاستراحة تقدمت نحوي سيدة محترمة وسألتني: هل يمكنني أن أطرح عليك سؤالا؟ قلت لها: حول الورقة؟ قالت: لا، لكنه موضوع يؤرقني وسألت الكثيرين عنه لكنني لم أحظ بإجابة تشفي غليلي، ابتسمت وقلت لها: هاتِ ما عندك، وكما يقال «يضع سره في أقل أو أضعف خلقه». قالت: لأختي طفل فوضوي يرتكب الحماقات، ويرمي كل أغراضه هنا وهناك.. حاجياته مبعثرة في كل مكان.. غرفته فوضى عارمة، ولا يعرف أين وضع هذا أو ذاك، أدواته المدرسية غير منظمة ولا يؤدي واجباته بانتظام، في الإجازات ينام جزءًا طويلا من اليوم، وعندما يستيقظ يحوّل المنزل إلى أرض معركة مع إخوته الذين يصغرونه، وكذلك الذين يكبرونه في السن، وأختي عاجزة ولا تعرف كيف تتعامل معه، فما رأيك؟ قلت لها: أنا لست خبيرًا في السلوكيات التربوية، ولا أعمل في هذا المجال، وليست لي علاقة بالموضوع، لكن إن منحتني فرصة، ربما يمكنني مساعدتك؟ قالت: لا بأس. رجعت إلى مكتبي ومكتبتي، وكتبي، وخلوتي، وبدأت أسترجع الحديث الذي دار بيني وبين تلك السيدة، وبدأت أتخيل صورة هذا الطفل أو ذلك الشاب الصغير.. أتخيل تصرفاته وشقاوته، وفوضويته، وكل ما يتعلق به، وبدأت في رسم صورة له، وصورة أخرى لغرفته وحياته وجوانب حياته، ثم بدأت بالبحث بين صفحات مكتبتي المنزلية وبقايا الكتب، ثم ولجت إلى الشبكة العنكبوتية لعلها تشفي غليلي أنا حتى أتعرف على هذا النوع من السلوكيات التربوية الخاصة بالأطفال، وبعد بحث مضنٍ كتبت بحثًا قصيرًا عن الطفل الفوضوي، وكيفية التعامل مع هذه النوعية من الأطفال من عدة صفحات، وأرسلتها إلى السيدة عبر البريد الإلكتروني. وهنا في هذا المقال، نحاول أن نلخص هذا البحث في هذه السطور القليلة لعلها تفيد العديد من ربات الأسر. «الفوضى» كما قال ابن منظور في لسان العرب: هي الاختلاط بلا نظام، ويقال: «قوم فوضى»؛ أي لا رئيس لهم، ويقال أموالهم فوضى بينهم؛ أي هم شركاء متساوون فيها، ولا تباين في الحصص بينهم، وصار الناس فوضى؛ أي متفرقين، وكذلك جاء القوم فوضى؛ أي أمرهم مختلط. وفي بعض الأدلة الاجتماعية، فإن الفوضى هي: مجموعة من الاضطرابات التي تشكل نمطًا من الفوضى في المواقف الاجتماعية، ويتميز الفوضوي بالتمرد، كما أنه يصطدم بشكل جوهري مع المحيط الاجتماعي، ويعتدي على أنشطة وحقوق الآخرين، ومن هذا المنظور، فإن اضطراب السلوك الفوضوي يوصف بأنه مزعج للآخرين، فهو اقتحام أو تطفل. وتشير دراسة بعنوان (السلوك الفوضوي لدى طلبة كلية التربية في جامعة القادسية) إلى أن « السلوك الفوضوي بأبعاده المتنوعة يؤثر في مجموعة من الجوانب التي تشكل الممارسات الشخصية للفرد في مجالات عدة، ولأن السلوك الفوضوي كممارسة سلوكية تدفع الفرد إلى التصرف الخاطئ، ومن ثم تتعدد الآثار الناتجة عن هذا السلوك، فهناك مشاكل ترتبط بالسلوك الفوضوي منها: مشاكل متعلقة بالجوانب الاجتماعية، وأخرى متعلقة بالجوانب التحصيلية، وثالثة بالجوانب العائلية، الأمر الذي يؤكد المدى الذي تنتشر فيه الآثار المعوقة في بناء شخصية الفرد، وخاصة أن مرحلة المراهقة مرحلة مهمة في بناء الشخصية». ويمكن تلخيص النمط السلوكي، أو النتائج السلوكية الناجمة عن الفوضى، والطفل أو الشاب الفوضوي في مصطلح واحد هو (عدم الانضباط)، هذا إن كنا لا نتحدث عن مرض نفسي، بل عن بعض الاضطرابات السلوكية فقط، وعدم الانضباط يمكن أن يسري على كل جوانب حياة الفرد، إذ يمكن أن يُرى ذلك جليًا في المجال المدرسي التعليمي أو المنزلي أو الاجتماعي، حتى الجوانب الانفعالية، وربما العاطفية أيضا، ومن الطبيعي أن ينعكس كل ذلك على المرء عندما يشغل مهنة ما، إن هذا الشخص يصعب عليه أن يتقيد بالنظام والترتيب؛ لذلك يمكنك أن ترى الفوضى في كل جوانب حياته. لكن من حسن الحظ أن هذه الظاهرة يمكن أن تعالج في سن مبكرة، بل يفضل أن تعالج في سن مبكرة، لأنها إن استشرت في جوف الإنسان تصبح جزءًا من دماغه وحياته، حينئذ لا يمكنه الفكاك منها، حتى إن رغب في ذلك. ومن أهم طرق التخلص من الفوضوية الطرق التالية، وهي موجهة للوالدين بالتحديد: 1. اربط العمل بالمتعة؛ ليصبح وقعه على النفس أفضل، وهذا ينطبق على الترتيب والنظام، فإذا شعر الطفل بأهميته، وأنه عمل ممتع، فإنه يتبناه أيضًا، فأحرص دائمًا على أن يراك الطفل مستمتعًا بترتيب أوراقك في غرفتك، أو ترتيب غرفة النوم والجلوس، وما إلى ذلك، لكن اعلم أن ما قد يبدو لك غير منظم، قد يعتبره الطفل منظمًا ومرتبًا، فلا تنتقده دائمًا، حتى لا تفقده ثقته بنفسه، بل شجعه وعلمه، وأشعره بالفخر بما يقوم به، فكلما تقدم في العمر تمكن من هذه المهارة. 2. حوّل عملية الترتيب إلى جدول زمني مكتوب بطريقة سهلة وجزء من منهجية حياة؛ فعندما تكون الأم هي المسؤولة الوحيدة عن ترتيب المنزل، فهي تحتاج إلى أطفال أكثر نظامًا، وهذا ما يمكن أن تحصل عليه، إذا كتبت لأطفالها مثل: أ‌. ترتيب السرير كل يوم. ب‌. وضع الكتب على الأرفف. ت‌. وضع الملابس المستخدمة في سلة الغسيل. ث‌. وضع الملابس النظيفة في أماكنها. ويمكن استخدام الصور بدلا من الكلام في عمل الجدول. 3. ترتيب خزانة الطفل؛ يعتبر من الأمور التي إن تمت، فإنها ستوفر عليك وعلى الطفل الكثير من الوقت، ومن أجل هذا قم بترتيب دوري للخزانة بمصاحبة الطفل، اسأله في أثناء الترتيب عن طريقة الترتيب التي يرغب في أن تكون عليها خزانته، ابدأ بنظرة فاحصة للخزانة، فإذا كانت مفتوحة فأخرج منها الأشياء التي تحجب رؤيتك لقاع الخزانة، تخلص من الأشياء أو الملابس أو الألعاب غير المستعملة، بالتبرع بها للجهات الخيرية، شجع ابنك على فعل هذا؛ لتعلمه حب العطاء إلى جانب الترتيب، ثم تأتي المرحلة التي تقرران فيها معًا ما الأشياء التي يجب أن تعلق؟ وهل تعلق على الأرفف أم توضع في السلة داخل الخزانة؟ 4. أعط أطفالك تعليمات واضحة فإنهم يحتاجون إلى معرفة ما يجب عليهم القيام به، فعندما تقول: «أريد الغرفة مرتبة» قد لا يعرف الطفل ماذا تعني، فتدرج معه خطوة خطوة، حتى يتمكن من القيام بما تريده منه. 5. يجب أن يتم اتفاق الوالدين على النظام؛ فلا يجوز أن تتسامح الأم في موضوع معين، ثم يأتي الأب ويناقضها كليًا، أو العكس، إن الأبوين اللذين يشكلان جبهة موحدة فيما يخص الانضباط هما اللذان يحققان أفضل النتائج التربوية. إن النظام الأمثل هو أن ندع الطرف الموجود مع الطفل سواء الأب أو الأم عند إساءة السلوك يعالج الأمر كما يتراءى له، فإن عهد «انتظر حتى يعود والدك» يجب أن يكون قد انقضى منذ زمن بعيد؛ لأن مثل هذه العبارات تصور الأب على أنه «الرجل الشرير»، بالإضافة إلى أن هذا التهديد يخلق نوعًا من القلق غير المبرر لدى الطفل الذي كان من الأفضل أن ترد عليه الأم بشكل فوري قائلة: «قلت لك ألا تضرب أخاك، لكنك ضربته ثانية، تعال واجلس معي، واتركه يلعب وحده في سلام». 6. التعامل معه كصديق، كما يجب احترام مشاعره، وعدم استفزازه، ويفضل التعامل معه بهدوء وتسامح إلى حد كبير –طبعًا في حدود المعقول–في تساوٍ بينه وبين إخوانه في النظرة والحنان وطريقة التعامل، فقد يكون كل ما يقوم به بدافع الغيرة من إخوته، والاهتمام بهم أكثر منه، لأنهم أكثر هدوءًا وذكاء ونظافة وما إلى ذلك. 7. نم في الطفل حس تحمل المسؤولية، وخاصة عن الأعمال الخاطئة التي يقوم بها؛ فبعد أن تتحدث معه وتخبره عن سبب غضبك، اشرح له السبب الذي جعلك تطلب منه شيئًا معينًا، والعواقب الحقيقية التي قد تنجم عن أي فعل يقوم به، بدلا من أن تخبره عن الطريقة التي ستعاقبه بها، أفهمه – مثلاً – أنك لن تتمكن من إزالة آثار القلم الذي أحدثه على الجدار، لأن عليه هو أن يزيل تلك الآثار. 8. من المناسب أحيانًا أن نترك الطفل يكتشف بنفسه مساوئ عدم تطبيق النظام؛ ليفهم من ذلك أهمية تطبيقه، فمثلا، إذا كنت تعاني من أن أطفالك لا يعيدون الأشياء إلى أماكنها، فدعهم يبحثون عنها بأنفسهم، وأعلمهم أن هذا الوقت الذي يضيع في البحث سيقتطع من وقت لعبهم وليس من وقت دراستهم. 9. اكتسب– أنت –مهارة التنظيم في كل الأعمال، فالنظام لا يعني فقط غرفة مرتبة، وخزانة نظيفة، لكنه يعني أيضًا، التفكير بنظام، والاستفادة من الوقت بنظام، وكل هذا يكتسبه الطفل بالممارسة، والصبر من قبل الوالدين، فإن الطفل منذ ولادته يكون في حاجة إلى أن نعلمه النظام، فهناك نظام غذائي يُتبع لإطعامه، وهناك نظام لنومه، ونظام لأداء واجبه، ولا تنس أنك القدوة في البيت. 10. استخدام طريقة الباب مفتوح أو مغلق؛ يمكن استخدام هذه الطريقة مع طفل واحد أو أكثر يشتركون في غرفة نوم واحدة، حيث يتم تفحص الغرفة في وقت متفق عليه مع الأطفال، إذا كان وضعها مرضيًا، فأبق باب الغرفة مفتوحًا، أما إذا لم يكن مرضيًا، فقم بإغلاق الباب، والباب المغلق يعني أن الغرفة بحاجة إلى ترتيب وعدم السماح للطفل بالخروج للعب إلا إذا كان الباب مفتوحًا. ومن الجدير بالذكر أن هذه الطريقة عملية، ويمكن استخدامها مع الأطفال، فإذا كان الباب مغلقًا فإن على الأطفال تنظيف الغرفة قبل خروجهم للعب، أو مشاهدة التلفزيون أو ما إلى ذلك، وهذا النوع من الترتيب يؤدي إلى تجنب النقد اللفظي من قبل الأبوين والجدال الدفاعي من قبل الطفل. 11. لا بد من تكرار متابعتنا للطفل؛ لأنه يحتاج إلى التنبيه والتكرار عليه مرات عديدة لكي يفهم ويدرك ويتعود، فقد ورد في الأثر في معرض توجيه لسلوك الآباء نحو أبنائهم: «عودوهم الخير فإن الخير عادة». 12. تحديد موعد معين للدراسة؛ من الضروري ونحن نعلم أبناءنا التخلص من الفوضى أن نعودهم على أن هناك وقتًا معينًا محجوزا للدراسة والقيام بالواجبات المنزلية كل يوم. وأفضل وقت عادةً، بعد العودة من المدرسة والاسترخاء قليلا، ومن الأفضل مشاورة الطفل في هذا القرار حتى إن لم تكن لديه واجبات منزلية، فإنه يجب أن يستغل الوقت في مراجعة دروسه السابقة والقراءة، ويجب ألا نتهاون في هذا الوقت. كما يجب أن يكون واضحًا ومعلومًا أن هذه العملية ليست سهلة التطبيق، بل من الطبيعي أن نجد مقاومة شديدة من الطفل للأوامر والقرارات المتخذة، ويقول الدكتور شافع النيادي المختص في الإدارة التربوية: «إن إلقاء الأوامر طوال اليوم يعمل على توليد المقاومة عند الطفل، لكن عندما تعطي الطفل سببًا منطقيًا لتعاونه، فمن المحتمل أن يتعاون أكثر، فبدلا من أن تقول للطفل: «اجمع ألعابك»، قل: «يجب أن تعيد ألعابك مكانها، وإلا ستضيع الأجزاء أو تنكسر»، وإذا رفض الطفل فقل له: «هيا نجمعها معًا»، وبذلك تتحول المهمة إلى لعبة. وعلى الرغم من ذلك، فإن المهمة لن تكون سهلة، بل ستحتاج من الوالدين إلى صبر كبير، إذ إنها تربية وبناء لشخصية الطفل، وهذا يستغرق جهدا كبيرا. Zkhunji@hotmail.com

مشاركة :