جون ماكين.. عملاق السياسة الأمريكية يخسر معركته أمام السرطان

  • 8/27/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

واشنطن - نشأت الامام، (وكالات)توفي السيناتور الأمريكي جون ماكين، بطل الحرب السابق وأحد أعمدة السياسة الأمريكية، و"العملاق المتمرد" داخل الحزب الجمهوري، السبت عن عمر 81 عاماً بعد أن خسر معركته مع سرطان الدماغ.وعمل الجمهوري ماكين في مجال السياسة لمدة 35 عاماً عرف خلالها باستقلاليته في الرأي وكاد أن يفوز برئاسة البيت الأبيض أمام الرئيس السابق باراك أوباما.وماكين بطل الحرب الفيتنامية، والمرشح الجمهوري للرئاسة مرتين، معروف بشخصيته المؤثرة في الكونغرس عن ولاية أريزونا.وكانت حياة ماكين أشبه بشيء من أفلام هوليوود حيث كان ضابطًا بحريًا وطيارًا نفاثًا وبطل حرب وسياسيًا. ومع ذلك فقد حُرم في النهاية من حلمه في أن يصبح رئيسًا للولايات المتحدة الامريكية.وأعلن مكتب السيناتور الجمهوري مساء السبت في بيان أنه توفي "محاطاً بزوجته سيندي وعائلتهما".وأضاف البيان أن بطل الحرب السابق الذي يحظى باحترام كبير في بلاده "خدم الولايات المتحدة الأمريكية بإخلاص لمدة 60 عاماً".وتوفي عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا غداة إعلان عائلته أنه قرّر التوقّف عن تلقّي العلاج من الغليوبلاستوما، وهو نوع من سرطان الدماغ شديد الخطورة نسبة النجاة منه متدنية للغاية، كان يعالج منه منذ يوليو 2017.وفوق مبنى الكونغرس نكست الأعلام تكريماً لماكين. وسيسجى جثمانه في باحة مبنى الكونغرس قبل مراسم جنازته التي ستجري في كاتدرائية "ناشونال كاثيدرال"، بحسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، الأمريكية.وسيوارى في الأكاديمية الحربية في انابوليس بولاية ميرلاند. ولم يتم إعلان موعد الجنازة أو الدفن.كان ماكين "المتمرد" الشهير في الحزب الجمهوري يخوض معارك على مدار عقود داخل حزبه. وقد تميزت تلك الاستقلالية بمعركته الرئاسية الأولية ضد جورج دبليو بوش في عام 2000. وفي عام 2008، حصل على ترشيح الحزب الجمهوري لينال خسارة مضنية من المرشح الديمقراطي باراك أوباما. ومع اختياره لسارة بالين كمرشحه لمنصب نائب الرئيس في ذلك العام، ساهم ماكين في زرع بذور الجناح المتمرّد للحزب الجمهوري الذي أدى في النهاية إلى انتخاب دونالد ترامب.لكن "كانت صفاته المتمردة مثل العلامة التجارية"، كما ذكر المحلل السياسي إلياس جونسون لـ "الوطن"، الذي قال إن "صفات ماكين جعلت منه واحداً من أكثر الشخصيات شعبية داخل الكونغرس ومفضلة للصحافيين، الذين عرفوا أنهم يمكن أن يعتمدوا عليه دائما للحصول على تصريح جيد أو نكتة ساخرة جداً".وظهر ماكين في سبتمبر الماضي بعد إعلان إصابته بالسرطان، وأظهر جلداً واضحاً تجاه ذلك، معلناً أن "كل حياة يجب أن تنتهي بطريقة أو بأخرى". ورداً على سؤال حول كيف يريد أن يتذكره الناس، فأجاب حينها "لقد خدمت بلدي ولكني أعترف أنني ربما لم أكن دائماً على حق. ارتكبت الكثير من الأخطاء، لكنه خدمت بلدي. وآمل أني أنال الشرف بذلك".وأضاف جونسون أن "ماكين كان أحد أبرز الأصوات في البلاد على الساحة الدولية، فقد كان داعماً قوياً للتدخل العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان وحث على استجابة أمريكية للأزمات العالمية في جميع أنحاء العالم، من الحرب الأهلية في سوريا إلى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. وأكسبه هذا الموقف غضباً من الليبراليين والجمهوريين ذوي الميول التحررية الذين اعتبروه مثيرا للحرب، لكنه حصل أيضاً على احترام واسع من صقور الدفاع".في الوقت نفسه، كان ماكين بطلاً قيادياً لحقوق الإنسان، ونظم العديد من رحلات الكونغرس للقاء القادة الأجانب والمنشقين على حد سواء. وكان ضحية التعذيب خلال حرب فيتنام، وأصبح المدافع الأول في مجلس الشيوخ عن حقوق الإنسان، والمناهض للتعذيب، بالتعاون مع السيناتور ديان فاينشتاين، خاصة في مسألة حظر أساليب الاستجواب الوحشية التي استخدمتها وكالة المخابرات المركزية في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش.كما ساعد هو والسيناتور السابق جون كيري في إعادة تأسيس علاقات الولايات المتحدة مع فيتنام خلال التسعينيات. وكان الرجلان اللذان خدما في الحرب قد سافران إلى فيتنام في عام 1993، بما في ذلك القيام برحلة إلى "هانوي هيلتون"، السجن الذي كان يحتجز فيه ماكين. فقد أمضى ما يقرب من ست سنوات أسير حرب في عدة معسكرات.وكتبت سيندي زوجة ماكين على تويتر، "قلبي مكسور. أنا محظوظة لأنني عشت مغامرة حب هذا الرجل الرائع لمدة 38 عاماً. لقد عاش بالطريقة التي أرادها، وبشروطه الخاصة، وظل محاطاً بالشعب".وغرد الرئيس دونالد ترامب على "تويتر" معلقاً على وفاة ماكين، قائلاً "أعرب عن عميق تعاطفي واحترامي لذوي السيناتور جون ماكين. قلوبنا وصلواتنا معكم!"وقال الرئيس السابق باراك أوباما وزوجته ميشيل أوباما في بيان "قلة منا قد تم اختبارها على النحو الذي كان عليه جون في السابق، أو كان مطلوباً منه إظهار نوع الشجاعة الذي قام به.وأصدر زميله في مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا جيف فليك بياناً قال فيه، "لا يمكن للكلمات التعبير عن الحزن الذي أشعر به في وفاة جون ماكين. لقد فقد العالم بطلاً ورجل دولة. فقد صديقاً رائعاً".ولد جون سيدني ماكين في 29 أغسطس 1936 من عائلة بارزة في سلاح البحرية. كان والده وجده كلاهما من أمراء الأربعة نجوم. ونشأ ماكين في محطة كوكو سولو البحرية في منطقة قناة بنما، حيث كان والده يخدم، وعندما كان طفلاً، حضر ماكين 20 مدرسة بينما كانت عائلته تتبع مهنة والده البحرية في جميع أنحاء العالم.وفي عام 1954، دخل ماكين الأكاديمية البحرية الأمريكية، كما فعل والده وجده قبله.بعد تخرجه من الأكاديمية العسكرية في 1958، تم تجنيد ماكين والتحق بالطيران. في 1960 عمل طيارا وكان مرابطا على متن حاملة طائرات أمريكية في البحر الكاريبي وفي الشرق الأوسط. في 1967 تم إرساله إلى ليخوض حرب فيتنام، ليقود طائرات "إيه 4 سكاي هوك". عندما كان على متن حاملة طائرات في خليج تونكين نجا من الموت في كارثة أسفرت عن مقتل 134 جنديا آخر. نجمت هذه الكارثة عن إطلاق صاروخ على طائرة ماكين أو الطائرة المجاورة له خطأ، مما أدى إلى سلسلة من الانفجارات وحريق على متن حاملات الطائرات. تمكن ماكين من الخروج من طائرته وحاول مساعدة طيار آخر، ولكنه أصيب بجروح إثر أحد الانفجارات. كانت إصابته طفيفة فثم عاد إلى الخدمة بعد شفائه.وخلال سنوات وقوعه في الأسر تحول ماكين إلى بطل قومي، خاصة في ظل معاناته وبسبب أسرته العريقة المشهورة، لذا لم يتعجب كثيرون من أن تلقى سيرة ماكين الذاتية نجاحا كبيرا، وتساعده في حملته الانتخابية خلال عام 2000، حتى إن هوليود حولت سيرة ماكين الذاتية إلى أحد أفلامها.السيرة الذاتية السابقة جعلت ماكين أحد أشهر الساسة الأمريكيين على الإطلاق وأكثرهم نفوذا، كما أكسبته احترام الكثير من الديمقراطيين والمستقلين، حتى يشاع أن ماكين كان اختيار السيناتور الديمقراطي جون كيري الأول نائباً له في انتخابات عام 2004 الرئاسية في مواجهة جورج بوش وديك تشيني، ولما رفض ماكين عرض كيري تحول الأخير إلى جون إدواردز.وفي تلك الفترة خرج ماكين للجماهير ليعلن مساندته لجورج دبليو بوش ولسياساته، ما رفع أسهم ماكين في أوساط الحزب الجمهوري وأسهم أيضاً في حشد الدعم خلف حملة جورج دبليو بوش الرئاسية في 2004.ويرى مراقبون أن علاقة ماكين السلبية بقادة اليمين المسيحي المتدين الذي ارتمى بوش في أحضانه وتحدث إليه بلغته على أنه واحد منه كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وأسهمت في فوز بوش وهزيمة ماكين في انتخابات عام 2000 بعد أن كان ماكين متقدما على بوش في أوائل الانتخابات بحكم أن الولايات التي شهدت انتخابات تمهيدية في بداية السباق الرئاسي كانت ليبرالية إلى حد ما وسمحت بتصويت الليبراليين والمستقلين لصالح ماكين.وتوالت ردود فعل الطبقة السياسية الأمريكية، تكريماً لذكرى ماكين الذي كان من ركائز الحزب الجمهوري والذي أغضب كثيرين ينتمي بعضهم إلى دائرته السياسية، ولكنه لم يخسر يوماً تقدير الأمريكيين لإخلاصه الوطني.وقال الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما الذي هزم ماكين في الانتخابات الرئاسية في 2008 "جون وأنا كنا ننتمي إلى جيلين مختلفين، كانت لدينا أصول مختلفة تماماً، وتواجَهنا على أعلى مستوى في السياسة، لكننا تَشاركنا، على الرغم من اختلافاتنا، ولاءََ لما هو أسمى، للمُثل التي ناضلت وضحّت من أجلها أجيال كاملة من الأمريكيين والمهاجرين".ودعا زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إلى إطلاق اسم جون ماكين على مبنى في الكونغرس حيث كان مكتبه.أما الرئيس دونالد ترامب الذي كان على خصام علني مع ماكين، فاكتفى بتقديم تعازيه في تغريدة مقتضبة لم يذكر فيها بتاتاً حياة ماكين أو مساره السياسي.وكتب ترامب "أقدم تعازيّ وأصدق احترامي لعائلة السيناتور جون ماكين. قلوبنا وصلواتنا معكم!".وأعلن ماكين أنه لا يرغب في أن يشارك ترامب في جنازته، بحسب الإعلام الأمريكي.بالمقابل، أصدر معظم أفراد الطبقة السياسية، من حاليين وسابقين، بعد دقائق من إعلان وفاة ماكين، بيانات عدّدوا فيها بعضاً من مآثره، فأشاد الرئيس الجمهوري الاسبق جورج بوش الابن خصوصا بـ"رجل ذي قناعة عميقة ووطني لأعلى درجة".واعتبر الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون أن ماكين "غالباً ما وضع الانتماء الحزبي جانباً" من أجل خدمة البلاد.كذلك قال آل غور، نائب الرئيس في عهد كلينتون "لطالما قدّرت واحترمت جون" لأنه كان دوما يعمل "في سبيل إيجاد أرضية تفاهم مهما كان ذلك صعباً".أما السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام فقال إن "أمريكا والحرية خسرتا واحداً من أعظم أبطالهما".ومن خارج الولايات المتحدة قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن "حياة ماكين وخدمته العامة.. شكلتا مصدر الهام للكثيرين".وأشاد به رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وقال إنه "مواطن أمريكي رائع.. لم يتغير دعمه لإسرائيل أبداً".وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ ان ماكين سيُذكر بأنه "مؤيد للتقارب الأطلسي" وداعم للحلف، بينما قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن ماكين "مثل أمريكا يمكن الاعتماد عليها.. يتولى المسؤولية عن الآخرين انطلاقاً من القوة ويدافع عن القيم والمبادئ".كما وصفته صحيفة "تشاينا ديلي" بأنه "عملاق السياسة الأمريكية.. وضمير الحزب الجمهوري".وكتبت ابنة السيناتور الراحل ميغان ماكين في حسابها على "تويتر" أنها "بقيت بجانب والدها حتى النهاية مثلما كان بجانبي في بداياتي".وكان ماكين يتلقى العلاج في ولايته أريزونا، حيث كان يزوره أصدقاؤه وزملاؤه بشكل متواصل منذ شهور، مدركين أن النهاية باتت قريبة.وبالرغم من علاجه الذي حتم عليه التغيب عن واشنطن منذ ديسمبر الماضي، بقي ناشطا سياسيا بشكل نسبي. وفي صيف 2017، تحدى ترامب إذ صوت في موقف لافت ضد إصلاحه لنظام الضمان الصحي.وكان ينتقد علناً الرئيس من غير أن يخفي يوماً ازدراءه لسلوكه وأفكاره، فيصفه بأنه "نزق" و"غير مطلع".وفي مذكراته الصادرة في مايو 2018، ندد مرة جديدة بتودد ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي جبهه ماكين من مقعده في مجلس الشيوخ.واستُهدف السناتور نفسه بالعقوبات التي فرضتها روسيا رداً على عقوبات واشنطن، وهو ما شكل بالنسبة له مصدر اعتزاز غالباً ما كان يتباهى به ممازحاً.وبدأ ماكين الآتي من عائلة من العسكريين حيث كان والده وجده أميرالين في البحرية الأمريكية، حياته العسكرية كطيار حربي شارك في حرب فيتنام حيث أصيب ووقع في الأسر لأكثر من خمس سنوات.وتعرض ماكين للتعذيب في فيتنام، وأصبح لاحقاً طوال حياته السياسية من أشد معارضي التعذيب، منتقداً بشدة وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه" لعمليات الاستجواب "المشددة" التي أجرتها في عهد جورج بوش الابن.وبعد عودته إلى الولايات المتحدة عند انتهاء حرب فيتنام، انتخب في مجلس النواب ثم عام 1986 في مجلس الشيوخ حيث احتفظ بمقعده منذ ذلك الحين. وواجه أصعب انتخابات تشريعية في نوفمبر 2016 إذ لم يغفر له قسم من الناخبين المحافظين انتقاداته لدونالد ترامب.وخسر ماكين الذي عرف بصورة جمهوري مستقل يبدي آراءه بصراحة، في الانتخابات التمهيدية لحزبه عام 2000 أمام جورج بوش، ثم عاد وفاز بالترشيح الجمهوري للانتخابات الرئاسية عام 2008، لكنه هزم أمام باراك أوباما.وبقي بعد ذلك في مجلس الشيوخ حيث قضى 30 عاماً.وكان ماكين يعتبر من أنصار نهج التدخل في السياسة الخارجية، مقتنعاً بأن من واجب أمريكا الدفاع عن قيمها في العالم، وكان من أشد مؤيدي حرب العراق، ومن الدعاة لدور عسكري أمريكي قوي في الخارج.وأدت هذه المواقف إلى تهميشه عاماً بعد عام في حزب جمهوري بات يرغب في إعادة تركيز عمله على الأولويات الداخلية، وشهد بقلق خلال العقد الجاري صعود حركة "حزب الشاي" "تي بارتي".وكان يدعو باستمرار إلى زيادة الميزانية العسكرية وترأس حتى وفاته لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.ودافع عن كثير من القضايا خلال حياته، أبرزها إصلاح نظام الهجرة وقانون التمويل الانتخابي.

مشاركة :