تشدِّد دراسة جديدة على أهمية استهلاك خضراوات مثل الملفوف والبروكولي والكرنب لحماية صحة الأمعاء. اكتشف باحثون من معهد فرانسيس كريك في لندن أن إعطاء الفئران حمية غنية بعنصر الإندول-3-كربينول الذي يشتق من تلك الخضراوات يمنع أمعاء الحيوانات من الالتهاب وتطوير سرطان القولون. نشر الباحثون دراستهم في مجلة «المناعة». ينتج الجهاز الهضمي عنصر الإندول-3-كربينول حين نأكل الخضراوات المشتقة من فئات واسعة ومتنوعة من النباتات المنتمية إلى فئة البراسيكا، وتشمل الأخيرة على سبيل المثال لا الحصر: البروكولي، واللفت، والملفوف، والسلق، وبراعم بروكسل، والزهرة، والكرنب، واللفت الألماني، وبوك تشوي... يبدأ سرطان القولون على شكل نتوء أو ورم حميد في بطانة القولون أو الأمعاء الغليظة وقد لا يتخذ ذلك الورم شكلاً سرطانياً قبل مرور سنوات عدة، ولا يصبح بعض الأورام الحميدة سرطانياً. يُعتبر سرطان القولون أو المستقيم ثالث أبرز سرطان يصيب النساء والرجال معاً في الولايات المتحدة إذا استثنينا سرطان الجلد. أدلة ملموسة رغم وفرة الأدلة المتعلقة بمنافع الحمية الغنية بالخضراوات بالنسبة إلى الجهاز الهضمي، فإن غالبية جوانب علم الأحياء الخلوي الكامن لا تزال مجهولة. شكّلت الاكتشافات الجديدة أولى المراجع التي تطرح «أدلة ملموسة» حول ما يفعله عنصر الإندول -3- كربينول الغذائي لحماية الأمعاء من الالتهاب والسرطان، وذلك عبر أثره في البروتينات الخلوية المعروفة بمستقبلات الهيدروكربون أريل. تؤدي مستقبلات الهيدروكربون أريل أدواراً متعددة، وكي تعمل بشكل سليم لا بد من تنشيطها تحت تأثير عنصر يتّصل بها حصراً. ويُعتبر الإندول -3- كربينول نوعاً من تلك العناصر المؤثرة. تقضي إحدى مهام مستقبلات الهيدروكربون أريل في الأمعاء برصد الإشارات البيئية وتمريرها إلى الخلايا المناعية وغيرها من خلايا موجودة في البطانة. تُعتبر تلك الإشارات ضرورية لحماية الجهاز الهضمي من الإشارات الالتهابية التي تشتق من «تريليونات الجراثيم» التي تعيش فيه. تؤدي مستقبلات الهيدروكربون أريل دوراً مهماً آخر يقضي بمساعدة الخلايا الجذعية على التحول إلى خلايا متخصصة في بطانة الأمعاء من شأنها أن تنتج مخاطاً واقياً وتسهم في استخلاص المغذيات من الطعام. حين تغيب مستقبلات الهيدروكربون أريل أو لا تعمل بشكلٍ سليم، لن تتحوّل الخلايا الجذعية إلى خلايا نشيطة في بطانة الأمعاء بل ستنقسم بوتيرة خارجة عن السيطرة. قد يؤدي انقسام الخلايا عشوائياً إلى نشوء نتوءات غير طبيعية تصبح خبيثة أو سرطانية. أهمية المنتجات النباتية تقول المشرفة الأساسية على الدراسة بريجيتا ستوكينغر، رئيسة المجموعة البحثية في معهد فرانسيس كريك: «كان رصد الأثر العميق الذي تعطيه الحمية الغذائية في التهاب الأمعاء وسرطان القولون صادماً جداً». لاحظت ستوكينغر وزملاؤها أن الفئران المخبرية الطبيعية التي التزمت بـ«حميات مرجعية مُعقّمة» أصيبت بأورام في القولون خلال 10 أسابيع، بينما لم تُصَب المجموعة التي التزمت بحمية نموذجية تحتوي على الحبوب ومقادير أخرى بأي ورم. تخضع الحميات المرجعية المُعقمة لمراقبة مشددة وتشمل كميات محددة من البروتينات والدهون والكربوهيدرات والألياف والمعادن والفيتامينات. هذه الحمية مصمّمة كي تلبي الحاجات الغذائية بدقة من دون أن تشمل الجراثيم ومسببات الحساسية وغيرها من عناصر قادرة على إضافة متغيرات زائفة إلى التجارب. تذكر الدراسة الجديدة أن الحميات المرجعية المُعقّمة تشمل عدداً أقل من المركّبات التي تُنشّط مستقبلات الهيدروكربون أريل مقارنةً بالحميات الغذائية النموذجية أو تلك المُدعّمة بعنصر الإندول -3- كربينول لأن كمية المنتجات النباتية تتراجع فيها. يلفت الدكتور كريس شيرينغ من جامعة «إمبريال كوليدج لندن» إلى أن الحمية المجرّدة من المنتجات النباتية قد تؤدي إلى سرطان القولون، وذلك رغم غياب عوامل الخطر الوراثية. تراجع الأورام بدرجة ملحوظة استعمل الباحثون في تجاربهم مجموعة من الفئران والكائنات المخبرية (أو «أمعاء مصغّرة») تشتق من خلايا الفئران الجذعية. كشفت هذه التجارب أن قدرة الخلايا الظهارية المعوية على إشباع نفسها وإصلاح بطانة الأمعاء بعد التقاط عدوى أو حصول تضرر كيماوي كانت تتأثر بشدة بمستقبلات الهيدروكربون أريل. اكتشف فريق البحث أيضاً أن الفئران التي كانت مُهندَسة وراثياً وتفتقر خلاياها الظهارية المعوية إلى مستقبلات الهيدروكربون أريل (أو تعجز عن تنشيط البروتين) فشلت في السيطرة على العدوى المشتقة من جراثيم معوية اسمها «سيتروباكتر رودنتيوم». أصيبت الحيوانات بالتهاب معوي ثم بسرطان القولون. لكن أوضحت المشرفة الرئيسة على الدراسة أمينة ميتيجدي التي تعمل بدورها في معهد فرانسيس كريك: «حين أعطينا الفئران حمية غنية بعنصر الإندول -3- كربينول، لم تُصَب بأي التهاب أو سرطان». كذلك، قالت ميتيجدي إنهم اكتشفوا أن نقل الفئران التي بدأت تُصاب بسرطان القولون إلى حمية غنية بعنصر الإندول -3- كربينول جعل الأورام لدى تلك الحيوانات تتراجع بدرجة ملحوظة ولم تكن هذه الأورام في معظمها خبيثة. عندما ناقش الباحثون نتائجهم، تساءلوا عما إذا كان ارتفاع نسبة الدهون أو تراجع استهلاك الخضراوات في الحميات الغنية بالدهون يفسّر الرابط مع سرطان القولون. يتوقع العلماء الآن أن يتابعوا أبحاثهم عن الإندول-3-كربينول ومستقبلات الهيدروكربون أريل من خلال استخلاص الكائنات المخبرية التي تنشأ في الأنسجة المعوية البشرية في الخزعات. في نهاية المطاف، يتوقع الباحثون أن يؤدي بحثهم إلى إطلاق تجارب على البشر. تقول بريجيتا ستوكينغر: «هذه النتائج تدعو إلى التفاؤل. صحيح أننا نعجز عن تغيير العوامل الوراثية التي تزيد خطر الإصابة بالسرطان، لكننا نستطيع على الأرجح أن نقلّص حجم تلك المخاطر من خلال تبنّي حمية مناسبة وغنية بالخضراوات».
مشاركة :