عندما تضيق بالناس السبل وتحاصرهم هموم المعيشة ومنغصات الحياة ويقع بعض الظلم عليهم، وعندما تعجز السلطة التشريعية في تبني قضايا الناس الوطنية والدفاع عن حقوقهم الدستورية ويضيق عليهم فضاء التعبير المباشر والمؤثر عبر الصحافة النزيهة ووسائل الإعلام الرسمية.. لا يجد الناس أمامهم سوى وسائل التواصل الاجتماعي من تسجيلات وفيديوهات كي يحملونها شكواهم وملاحظاتهم إلى الجهات الرسمية والى مكونات المجتمع من اجل الإحاطة بها علمًا، وتبنيها والتفاعل معها. لأن أدوات التواصل اليوم (من واتس وانستغرام وتويتر وغيرها..) هي الأسرع انتشارًا – عالميًا- والأشدّ تأثيرا. ولو كان هناك برلمان حقيقي مؤثر وأمين على تبني قضايا الناس والدفاع عن حقوقهم وجاد في تفعيل أدواته الدستورية من خلال الرقابة والتشريع، لما اتجه الناس إلى تسجيل المقاطع الصوتية أو الفيديوهات لبث همومهم المعيشية وشكواهم إلى المسؤولين. ومن الغرابة بمكان ان يتهم احد النواب الكرام مؤخرًا هؤلاء المواطنين الكرام بإثارة الفتنة (!!) عندما يُعبرون عن معاناتهم حول ظروفهم المعيشيّة والحياتيّة المُختلفة من عوزٍ أو بطالة أو (بهدلة) امام بعض الجهات الحكومية الخدميّة بما يتعلق بالسكن أو التعليم أو العلاج أو البحث عن وظيفة أو ضعف الراتب، أو الدفاع عن حقوقهم التأمينية، أو سعيهم للحفاظ على هويتهم وكرامتهم والمطالبة بتحسين معيشتهم. ثم يُمعِن هذا النائب المحترم بإهانة هؤلاء المساكين ويتهمهم بترويج البلبلة واتخاذ سبيل التذمر والتحلطم وإثارة الفتن نهجًا لهم، بحيث لم يتبّقَ أمام هذا النائب المحترم إلا ان يتهم المواطنين (بالتحريض على كراهية النظام)...!! ولا أودُّ في هذا المقام ان أكون قاسيًا على هذا النائب المحترم أو على النواب الكرام بشكلٍ عام. فتقييم أداء النواب خلال الفصل التشريعي الماضي موجودٌ في مضابط جلسات الأدوار التشريعية، وموجودٌ في ذاكرة الناس، وجزاء النوابِ مكتوبٌ عِندَ خالق الناس. ولكنني أود ان أهمس في إذن كلّ من يعنيه امر البحرين من نوابٍ ومسؤولين، انّ مجتمع البحرين أصبح اكثر وعيًا وحصافة بسبب معاناته وتجاربه، كما اصبح للناس اكثر مِن مِنبرٍ يُعبّرون فيه عن شؤونهم وشجونهم، وانّ الناس أصبحوا كذلك لا يخشونَ في الحقّ لومة لائم، بسبب ثقتهم في عدالة قضاياهم وتفهّم القيادة لمعاناتهم وانتمائهم الوطني. وانه إذا لم تقم السلطة التشريعية بدورها في حماية امن المجتمع وتفعيل أدواتها الدستورية في الرقابة والتشريع، وفتح آفاق الفضاء الواسع للحريات والتعبير عبر القنوات الرسمية والصحافة النزيهة، فإن سيل التسجيلات والفيديوهات التي تحمل معاناة المواطنين لن تتوقف. واخشى ان يتم استغلال هذه الأدوات ممن يضمرون شرًا للبحرين وأهلها من الأعداء ويخلطون الحابل بالنابل، سواءٌ كانوا من الأشرار التقليديين المعروفين، أو من المنافقين المُتنفّعين المُتدثرين برداء الوطنية والذين يعملون لتحقيق مصالحهم الخاصة عن طريق قمع الأصوات المطالبة بالحقوق، أو التدليس على المواطنين، أو طمس الحقائق أمام صاحب القرار. فكل هؤلاء أعداء للبحرين وعلى حدٍّ سواء من المكر والخباثة. حفظ الله البحرين وأهلها من كل سوء، والله خير الحافظين.
مشاركة :