جون ماكين السياسي المتمرد لأجل "القيم الأميركية"

  • 8/27/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

واشنطن - لم يكن لجون سيدني ماكين الثالث إلا ربّ عمل واحد على مدى مسيرته المهنية البارزة والمضطربة في الولايات المتحدة الأميركية. ويبدو أنه تقليد عائلي إذ إن ماكين هو سليل مباشر كما يقول لقائد في جيش جورج واشنطن خلال حرب الاستقلال الأميركية. وعلى غرار والده وجدّه قبله، وهما أدميرالان بأربعة نجوم يحملان كذلك اسم جون ماكين، عاش في خدمة بلاده - كطيار حربي في البحرية الأميركية ومن ثم كنائب في الكونغرس حتى وفاته السبت عن عمر 81 عاما بعدما تم تشخيصه بسرطان الدماغ في صيف العام 2017. وكان ليصبح هو كذلك أدميرالا لو أن صاروخ أرض-جو سوفياتي الصنع لم يضرب طائرته من طراز “إيه-4 سكاي هوك” أثناء تحليقه فوق هانوي في 26 أكتوبر 1967. ونجا ماكين بنفسه حيث هبط بمظلة في بحيرة صغيرة وسط المدينة لتستقبله عصابة غاضبة كانت على وشك قتله. وتعرض ذراعاه وركبته اليمنى إلى كسور شديدة. ونظراً لكون والده قائد جميع القوات الأميركية في المحيط الهادئ، بقي ماكين أسير حرب لأكثر من خمس سنوات. وأطلق سراحه عام 1973 بعد اتفاقية باريس للسلام. لكن العواقب الجسدية للكسور التي لم تُعالج بشكل جيد عن قصد خلال أسره والتعذيب الذي تعرض له، كلفته مسيرته المهنية كطيار. وقال في مقابلة من العام 1989 “لسبب ما لم تكن تلك الفترة هي فترتي، وأعتقد أنه لهذا السبب، كان مقدر لي أن أفعل شيئا ما”. هزيمة من قبل أوباما Thumbnail اتضح لاحقا أن هذا الشيء هو السياسة. فبعد عدة سنوات من عمله كمنسق خاص للبحرية في مجلس الشيوخ، انتقل ماكين إلى أريزونا، التي تنتمي إليها زوجته الثانية، ليفوز بمقعد في مجلس النواب الأميركي عام 1982. وكبرت طموحاته منذ ذلك الحين فصعد سريعا إلى مجلس الشيوخ - الهيئة التي تملك أعلى سلطة في الولايات المتحدة - ليمكث فيه 30 عاما. ولطالما برز ماكين بصورة الجمهوري المتمرد حيث تحدى حزبه بشأن قضايا تتراوح من إصلاح تمويل الحملات الانتخابية إلى الهجرة. ولم يؤمن كثيرا بالانضباط الحزبي، وهو موقف عززته خبراته السابقة في التمرد - كطالب عنيد في الأكاديمية البحرية الأميركية أو كسجين متهور يستفز سجانيه الفيتناميين. وفي مذكرات تعود للعام 1999 تحت عنوان “عقيدة آبائي”، كتب ماكين “عزز نجاتي من الأسر الذي تعرضت له ثقتي بنفسي. وعلمني رفضي للإفراج المبكر عني أن أثق بأحكامي”. وكان ماكين غير التقليدي والمزدري للسلطة والمتعجرف أحيانا هو ذاته الذي قرر خوض انتخابات العام 2000 الرئاسية. ومقدما نفسه على أنه مرشح يتحدث بشكل “صريح”، عرض على الأميركيين رؤيته اليمينية المعتدلة مبتعداً عن المسيحيين المحافظين الذين نجح خصمه جورج بوش الابن آنذاك في جذبهم. وفشل ماكين عندها إلا أنه استعاد صلابته وانتزع في النهاية الشعلة الجمهورية من بوش الذي تراجعت شعبيته بشكل كبير. وفي العام 2008، تصالح مع المؤسسة الحزبية وفاز أخيرا بالترشح للرئاسة. ومع اقترابه من البيت الأبيض، اتخذ قرارا عفويا ومثيرا للجدل. فلن يغفر له الكثير من شركائه اختياره حاكمة الاسكا التي لم يكن يعرف عنها الكثير ساره بالين كنائب رئيس خلال الانتخابات. وسمح القرار ببروز “حزب الشاي (تي بارتي)” وصعود الشعبوية التي تجسدت لاحقا بالرئيس الحالي دونالد ترامب. وهيمن الديمقراطي باراك أوباما آنذاك على المشهد في الانتخابات ليخسر ماكين للمرة الثانية. استياء من ترامب تنكيس الأعلام تنكيس الأعلام امتلك ماكين قدرة على تحريك الحشود. وفي واشنطن، اجتمع الصحافيون حوله في قاعات الكونغرس حيث بدا حاد اللسان وقليل الصبر. وفي إحدى المرات، قال لأحد الصحافيين “هذا سؤال غبي”. وفي حالات أخرى، تحولت نبرته النزقة إلى انتقاص من الذات حيث قال في إحدى المرات “لا أعتقد أنني شخص ذكي جدا”. وقد يكون كذلك سريع الانفعال خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا تعني له الكثير على غرار القوات المسلحة والاستثناء الأميركي وفي سنوات لاحقة - التهديد الذي يشكله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصفه ماكين بأنه “قاتل ومجرم”. ولطالما سخر الجمهوريون من مواقف ماكين المؤيدة للتدخل العسكري حيث أشاروا إلى أنه لا يقول لا إطلاقا على الحرب. وحتى النهاية، بقي ماكين على قناعة بضرورة مشاركة القيم الأميركية والدفاع عنها حول العالم. وكان كثيرا ما يتوجه إلى بغداد أو كابول أو تايبيه أو كييف أثناء انتفاضتها، ليحظى باستقبال رئيس أكثر منه كنائب. وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، أدرجت موسكو اسمه على قائمة سوداء أعدتها للرد على العقوبات التي قادتها الولايات المتحدة. وعلق هو على ذلك بالقول “أعتقد أن هذا يعني أنني لن أتمكن من قضاء عطلة الربيع في صربيا”. وعلا صوت ماكين عندما تعلق الأمر بروسيا وسوريا. لكنه كان في الواقع جنرالا لا يملك جيشا. وبدا أن انتخاب ترامب ضرب عرض الحائط بكفاح ومبادئ السناتور الجمهوري المخضرم الذي لم يخف استياءه من نزعة رجل الأعمال الملياردير القومية والحمائية إلى جانب مغازلته لبوتين واستخفافه الجلي بكرامة منصب الرئاسة. وعلق كذلك على استفادة ترامب أيام حرب فيتنام من تأجيلات متتالية أعفته من الخدمة في الجيش بسبب “نتوء عظمي” في كاحله. لكن لم يدفع أي من ذلك ماكين إلى التقاعد. فلربما كان يفكر في جدّه الذي توفي بعد أيام فقط من عودته إلى الولايات المتحدة عقب استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، فسعى ماكين إلى البقاء في مجلس الشيوخ لأطول فترة ممكنة حتى عندما تم تشخيصه بنوع من سرطان الدماغ شديد الخطورة. لكنه ابتعد منذ ديسمبر عن مجلس الشيوخ حيث كان يتلقى العلاج في أريزونا بينما استقبل في مزرعته الأصدقاء والزملاء الذين قدموا لوداعه بعيدا عن أنظار وسائل الإعلام. وليلة وفاته، أعلنت عائلته أنه قرر التوقف عن العلاج. وفي مذكراته التي نشرت في مايو تحت عنوان “الموجة التي لا تهدأ”، أكد أنه يرغب بأن بتم دفنه في ماريلاند قرب صديقه القديم من البحرية تشاك لارسون. ولدى ماكين سبعة أطفال، أربعة منهم من زوجته الحالية سيندي وثلاثة من زواج سابق.

مشاركة :