بتاريخ (16 أغسطس 2018م) جرى اتصالٌ هاتفيّ بين وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي (الشيخ صباح الخالد)، وتمّ نشر خبر الاتصال على كافة وسائل الإعلام، وقد يمرّ مثل هذا الخبر (العادي) دون التفاتة ولا يحظى بأيّ اهتمام، إلا أن القراءة الفاحصة المتمعّنة للفقرة الأخيرة وغير العادية منه وهي: (..وتناول الجانبان خلال الاتصال (سبل) تعزيز العلاقات الثنائية الوطيدة والشراكة الاستراتيجية (القوية) التي تربط البلدين وبحث أُطر تنميتها في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة)، تجعل منه خبراً مهماً يستدعي الوقوف عنده بالتحليل الموضوعي الدقيق، وهذا ما سأتناوله في مقال اليوم. إن الاتصال جرى خلال فترة حسَّاسة جداً تمرّ بها المنطقة، خصوصاً بعد إعلان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر عن تقديمه لمساعدات فورية بقيمة (15 مليار دولار) لإنقاذ الاقتصاد التركي المنهار، وذلك خلال الزيارة التي قام بها إلى تركيا في (15 أغسطس 2018م)، ولهذا الأمر أبعاد متعددة وأهمية خاصة وانعكاسات واضحة على (العلاقات الكويتية الأمريكية)، و(العلاقات الكويتية القطرية)، وذلك على النحو الآتي: أولاً: العلاقات الكويتية الأمريكية: وهي علاقات قارب عمرها (70 عاماً)، وتمثِّل محوراً مهماً يستمد قوته من عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين التي تشهد نمواً مطّرداً، سيّما بعد قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي للتحالف الدولي غير المسبوق لتحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم، والتي تمّ على إثرها تأسيس علاقات استراتيجية عميقة بين الجانبين، أدت في مجملها وعلى مدى سنوات إلى تنسيق الجهود والعمليات العسكرية المشتركة في مكافحة الإرهاب والتطرف لتعزيز الأمن الإقليمي في المنطقة، والاتفاق على استضافة أراضي الكويت عدد من القواعد العسكرية الأمريكية، لتصبح بحلول عام (2022م) المقر الرئيسي للقوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط بدلاً عن قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، وذلك بسبب تردّي العلاقات الأمريكية التركية خصوصاً في الفترة الأخيرة. إلا أن الشراكة الاستراتيجية التاريخية بين البلدين أمام مفترق طريق خطير الآن، يمكن تلخيص أسبابه في الآتي: • التحركات الدبلوماسية الأمريكية من أجل إنشاء (تحالف أمريكي عربي) ضد إيران، مقابل علاقات قطر الحميمة مع إيران التي تُعَدّ الداعم الأول لنظام الحمدين، والحليف الثاني لقطر في الأزمة التي تفجَّرت في (يونيو 2017م)، فما هو الموقف الكويتي من ذلك؟ • التطورات الأخيرة التي يشهدها (التحالف التركي القطري)، خاصة بعد التهاوي الخطير لسعر الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي، والدعم القطري السخي لإنقاذ الاقتصاد التركي من الانهيار، والذي يعدّه الكثيرون تصرفاً معادياً للولايات المتحدة الأمريكية، فما هو الموقف الكويتي من ذلك؟ • الثقة الدولية بالمبادرة الدبلوماسية التي يقودها صاحب السمو أمير دولة الكويت لرأب الصدع الخليجي ومساعيه الملحوظة لحفظ استقرار المنطقة وجعلها أكثر أماناً واستقراراً، فماذا كان رَدّ الوزير الكويتي على الوزير الأمريكي حول هذا الشأن؟ إن قراءة وربط الأحداث بشكل دقيق والنظر إليها من مختلف الزوايا يُؤكِّد أن هناك تحركات تجري خلف الكواليس، وتحولات مهمة مرتقبة في الموقف الكويتي ستُكشف تفاصيلها خلال القمة الكويتية الأمريكية المزمعة في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر القادم، وهو موقف لا شك أنه سيكون مختلفًا عن الموقف السابق، وسيعكس نبض الشارع الكويتي المتوافق مع جانب (المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين) التي عانت ومازالت تعاني من السياسات القطرية العبثية وتهورها وعدم وفائها بالتعهدات والالتزامات المتَّفق عليها خليجياً، وإن غداً لناظره قريب! ثانياً: العلاقات الكويتية القطرية: شهدت العلاقات الكويتية القطرية تحولاً دراماتيكياً غريباً بدأ عام (2013م)، وازدادت إثارة منذ عام (2017م)، وهو ما شجَّع قطر على المكابرة وتصلَّب موقفها من الأزمة، ويمكن إيجاز صور العلاقة الحميمة بين البلدين في الآتي: • حاولت دولة قطر ودولة الكويت مناقشة وتعديل اتفاق الرياض التكميلي عام (2014م)، لولا رفض المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وإصراره على التوقيع على الاتفاق أو رفضه، وكان ذلك في الاجتماع السريع الذي عُقد في قصر البحر في جدة، فكانتا آخر الدول الموقعة على الاتفاق بعد تعديلات طفيفة جداً أجراها أمير قطر عليه. • النصيحة التي قدمتها دولة الكويت لدولة قطر بعدم الانسحاب من عضوية مجلس التعاون الذي كان متوقعاً أن يعلنه أمير قطر في خطابه الذي ألقاه مساء (21 يوليو 2017م) -والذي تأجَّل بثّه عبر وسائل الإعلام القطرية حتى اللحظة الأخيرة- ردَّاً على شروط الدول المقاطِعة، وقد استجابت قطر لتلك النصيحة. • شعور دولة الكويت بتجاهلها لعدم تشاور الدول المقاطِعة مع صاحب السمو أمير الكويت -الذي كانت بلاده ترأس القمة الخليجية آنذاك- على الشروط (13) لإنهاء المقاطعة التي كانت نتاج تخطيط القيادة القطرية للإطاحة بالأنظمة الخليجية الحاكمة وإنهائها. لم تبدِ الدول المقاطِعة أدنى ارتياح لمساعي الكويت لحلّ الأزمة بعد المؤتمر الصحفي الذي جمع صاحب السمو أمير دولة الكويت والرئيس الأمريكي في واشنطن بتاريخ (7 سبتمبر 2017م)، وذكر فيه بأن بلاده (تمكَّنت من تجنب العمل العسكري)، والذي فسَّرته قطر بأنه وقوف إلى جانبها، وهو ما أدى إلى تعقّد الوضع وتسبَّب في تصدّع ملحوظ وردود أفعال سلبية واضحة انعكست على القمة الخليجية التي عُقدت في الكويت في (ديسمبر 2017م)، حيث وصل تمثيل الدول المقاطِعة فيها إلى مستوى وزراء الخارجية، فيما عدا مملكة البحرين التي مثَّلها سمو نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة. كما تضرَّرت العلاقات الأخوية السعودية الكويتية تحديداً بعد نشر تصريحات وتغريدات كويتية تدَّعي بأن قرارات مجلس الأمن الدولي هي التي حرَّرت دولة الكويت، نافية الدور السعودي المحوري تحت قيادة المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود. ورغم كل ذلك، فإن الدول المقاطِعة تركت الأبواب مفتوحة أمام المساعي الكويتية لحل الأزمة القطرية، التي كانت تأمل المملكة العربية السعودية بأن تُثمر جهود صاحب السمو أمير دولة الكويت عن نتائج إيجابية لتسويتها وتعزيز تماسك ووحدة دول مجلس التعاون، إلا أن ذلك لم يحدث للأسف، بعد تعنّت القيادة القطرية، ومكابرتها وتفعيلها لاتفاقها الدفاعي مع تركيا الذي أرسلت بموجبه أنقرة قوات عسكرية تركية الى الدوحة فور تفجّر الأزمة، وتعزيزها لعلاقاتها الأمنية مع إيران بدعوتها لقوات من الحرس الثوري الإيراني لحماية أمن عدد من الشخصيات القطرية المهمة والأجهزة والمؤسسات الحيوية في قطر وذلك وفق ما أكَّدته بعض المصادر. يبدو أن الأزمة القطرية آخذة في التصاعد والتعقيد الذي يفوق كل التوقعات، ولم يعد ممكناً التوصل إلى حلٍّ لها في القريب المنظور، خصوصاً مع تباعد المسافات واتساع هوّة الخلافات بين الأشقاء وتحويلها إلى (حرب إعلامية) بالدرجة الأولى من قبل الجانبين. فحل هذه الأزمة المعقّدة يستلزم وجود رغبة فعلية وجادة لخلق حالة من الهدوء في الساحة الخليجية، وذلك بإيقاف الحملات الإعلامية الشرسة التي تبارت في بثّ روح الكراهية والحقد في قلوب الشعوب باستخدام أبشع العبارات وأكثرها بذاءة، وعقد اجتماعات رسمية بعيدة عن الصخب الإعلامى لبحث الأزمة من خلال تحرّك الوساطة الكويتية بقيادة صاحب السمو الأمير (الضامن الأول) لإعادة ثقة الدول المقاطِعة للجلوس على طاولة المفاوضات، وبوجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (الضامن الثاني) أو نائبه، وذلك لبحث المطالب (13) التي قدمتها الدول المقاطِعة إبَّان تفجّر الأزمة، ووضع جدول زمني بتعهد قطري مكتوب لتنفيذها، والنظر في المطالب التي تدّعي قطر بأنها تمسّ سيادتها الوطنية وفيها إملاءات وتدخل في شؤونها الداخلية. إن الحالة المقلقة التي تمرّ بها منظومة مجلس التعاون يجب أن تنتهي فوراً، فتفكّك المجلس وانهياره، ورضوخ قطر لحماية القوات الأجنبية (التركية والإيرانية)، وإشعال الفوضى الأمنية والسياسية في المنطقة عموماً، ينصبّ مباشرةً في مصلحة إيران التي يشهد الواقع على أنها العدو الأكبر للعرب، والساعية على مدى التاريخ إلى بسط سيطرتها على المنطقة باستخدام كافة الوسائل وبالتعاون والتنسيق مع كافة القوى المتوافقة معها في الأهداف والمصالح. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :