إرث جون ماكين المعقد في الشرق الأوسط

  • 8/28/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

واشنطن – أحيانا لا تنتهي حياة أو سيرة شخص ما بوفاته، بل تبدأ معها قصة أخرى، وقد تحوّل هذه الوفاة مسار أحداث وحتى سياسات، وفي مثال على ذلك، السناتور الأميركي الجمهوري جون ماكين. فهذا السياسي الأميركي الذي توفي السبت عن عمر 81 عاما إثر إصابته بالسرطان، وطلب ألا يحضر الرئيس الأميركي دونالد ترامب جنازته، ترك إرثا معقدا، خصوصا في ما يتعلق بملفات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويقول متابعون إن الجدل الدائر حول الكيفية التي يجب أن نتذكر بها السناتور ماكين، هو في الحقيقة، ليس جدلا حول ذكرى رجل، ولكنه يدور حول مفهوم “أميركا” نفسها. وأعرب أحد المعلقين عبر “تويتر” عن ذلك بالقول إن “وفاة ماكين تبدو وكأنها نهاية حقبة في السياسة الأميركية لم تكن مثالية أبدا لكنها كانت أكثر استقرارا وتحضرا”. قد لا يكون من المفاجئ أن جون ماكين، الرجل الذي طالما اختلفت عليه الآراء كثيرا في حياته، يستمر أيضا في عمل ذلك بعد وفاته. وبينما أثنت جميع الطوائف السياسية على السناتور الجمهوري، الذي توفي مساء السبت 25 أغسطس 2018، كانت ردود الفعل المعاكسة أيضا على نفس القدر من القوة والتأثير. وكتب أوز كاترجي تحليلا في مجلة نيو ستايتسمان عن ذكرى جون ماكين المحيرة، مشيرا إلى أن تاريخ ماكين في دعمه استخدام القوة العسكرية الأميركية حول العالم أكسبه سمعة كونه ينتمي بشدة إلى حزب المحافظين، لكنه كان رجلا معقدا. ماكين والقضايا العربية يتذكّر كثيرون في عالم السياسة الأميركية الآخذ بالجنوح نحو الصدام جون سيدني ماكين الثالث، مشيرين إلى أنه لم يكن له إلا ربّ عمل واحد على مدى مسيرته المهنية البارزة والمضطربة، وهو الولايات المتحدة الأميركية. ويتذكّر المتابعون العرب ماكين، الذي يدعم بيع السلاح الأميركي للسعودية لشرعية حربها في اليمن، وفي نفس الوقت يدافع عن القصف الإسرائيلي لغزة، بمواقف عديدة مثيرة للجدل والاستهجان والرفض: تأييده الشديد لغزو العراق، الذي اعترف بعد سنوات كثيرة أن ما فعلته بلاده فيه، وتسليمه لإيران، كان خطأ فظيعا؛ وإيمانه بمخطط إدارة منافسه في الانتخابات الرئاسية باراك أوباما، لتجربة تمكين الإسلاميين من الحكم في دول الربيع العربي. وبدا واضحا أن الغضب العربي لم يهدأ من هذا الدعم، حتى بعد أن تغيرت سياسة الأميركيين تجاه الإسلاميين، فبينما انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي المصرية عنوان “وفاة سناتور الإخوان”، تبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة شهيرة لماكين خلال زياراته المتعددة لتونس، بعد سقوط النظام في 2011، آخرها كانت في سنة 2015، وفي كل زياراته يلتقي بقيادات حركة النهضة. وكانت آخر زيارة لماكين في تونس، سنة 2015، مترئسا وفدا من أعضاء الكونغرس الأميركي. أشاد حينها بـ”النموذج التونسي” الذي سيصبح وفق تعبيره مثالا يحتذى به في المنطقة. وبينما يبدو واضحا موقف التونسيين والمصريين من ماكين، ينقسم موقف السوريين، وإن مال أغلبهم نحو الثناء عليه لـ”دعمه الثابت للثورة السورية”. ويتذكر السوريون أنه في الوقت الذي كانوا يعيشون فيه تحت القصف اليومي لقوات النظام، وبينما كانوا ينتظرون دعم كبار السياسيين الدوليين، اتخذ جون ماكين قرارا غير مسبوق بزيارة قوات الجيش السوري الحر في سوريا في عام 2013. وفيما يرى البعض أن موقفه يأتي في سياق دعم الإسلاميين (والجيش الحر لم يخل منهم)، لبعض السوريين المؤيدين لماكين وجهة نظر مختلفة، حيث يعتبرون أن موقفه من الثورة السورية هو بمثابة “تكفير” عن إحساسه بالمسؤولية في حرب العراق. ويقول الناشط السوري محمد غانم، في تصريحه لمجلة نيو ستايتسمان، “في عام 2016، “بينما كانت حلب تتعرض لقصف شديد، تواصل ماكين مع الناشطين السوريين لمحاولة الدخول إلى المدينة”. ويضيف “في محادثته مع الناشطين السوريين، قاموا بتحذيره من المخاطر التي من الممكن أن يتعرض لها أثناء زيارته، ووصف غانم ردة فعل ماكين “أشعر بالخجل من تقاعس بلدي عن التدخل في سوريا. وإذا كان هذا هو ما يتطلبه الأمر بالنسبة لبلدي للاستيقاظ والاعتراف بخطورة تهديد بوتين والقيام بشيء ما لوقف تلك المذبحة التي تنال من المدنيين السوريين، فأنا لا أمانع أن أموت مقتولا على يد طائرة روسية في سوريا”. سيتم تذكّر العديد من عيوب وأخطاء ماكين، لكن أيضا سيذكره العالم بالتزامه العميق بخطاب العدالة والتحضر، مع انتشار الصراعات السياسية التي لا تنتهي والإهانات العلنية والتصريحات الشعبوية. وذكّر كاترجي بمقطع فيديو يصور امرأة من أنصاره، تقول إنه لا يمكنها الوثوق بباراك أوباما لأنه “عربي”، فيرد عليها ماكين مصححا لها بتهذيب إنما بحزم فقال “كلا سيدتي”، ووصف أوباما بأنه “رب أسرة محترم ومواطن شاءت الظروف ألا أتفق معه على قضايا جوهرية”. خطاب المتحضر انتشر التسجيل المصور على الإنترنت وبدا بمثابة تذكير في عالم السياسة اليوم الذي تهيمن عليه المواجهات الضارية، بأنه بإمكان الخصوم الاختلاف بشراسة في السياسة مع المحافظة على اللباقة والزمالة وحتى الود، وهو الشيء الذي باتت اليوم السياسة الأميركية تفتقده بشكل كبير. سيتم تذكر العديد من عيوب وأخطاء ماكين، لكن أيضا سيذكره العالم بالتزامه العميق بخطاب العدالة والتحضر مع انتشار الصراعات السياسية التي لا تنتهي والإهانات العلنية والتصريحات الشعبوية ويشير مدير مركز السياسات في جامعة فيرجينيا لاري ساباتو إلى ماكين قائلا “بينما كان يصوت في معظم الأحيان مع باقي الجمهوريين إلا أنه لم يتردد لحظة في العمل مع الديمقراطيين”. وتابع أن “جزءا كبيرا من التحضر يكمن في القدرة على الاعتراف بالخطأ (…) وماكين لم يتوان يوما عن القيام بذلك”. وأقر ماكين في مذكراته التي نشرت مؤخرا تحت عنوان “الموجة التي لا تهدأ” بأنه اختلف أحيانا بشدة مع جميع الرؤساء الستة الذين عمل معهم، لكنه أضاف أنه إذا فقد الأميركيون التواضع “فسنمزق مجتمعنا”. ويؤثر الخطاب الحالي الذي تزداد حدته على المشهد السياسي الأميركي، والعالمي عموما. وكان ترامب أكثر من اختبر حدود تحضر ماكين. وقال في إحدى المرات إن ماكين يعتبر بطل حرب فقط “لأنه أُسر”. وقلل ترامب لاحقا من أهمية تعرض ماكين إلى كسور في عظامه وإلى الطعن بعدما أُسقطت مقاتلته الحربية التابعة للبحرية الأميركية فوق فيتنام. وتجاهل ماكين الإهانة لكنه أشار إلى أن على ترامب الاعتذار إلى عائلات الجنود الأميركيين الذين قتلوا أو تعرضوا إلى الأسر، بينما علق على استفادة الرئيس عندما كان شابا أيام حرب فيتنام من تأجيلات متتالية أعفته من الخدمة في الجيش بسبب “نتوء عظمي” في كاحله. لكن استياء السناتور الراحل من ترامب تجلى بشكل تام على خلفية القمة التي جمعت الرئيس الأميركي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي في يوليو. وكان ماكين أكّد في مذكراته أن الذنب في عدم التحضر يتخطى حدود واشنطن. وقال إن الأمر يعود للناخبين في اختيار أشخاص يتسمون بالنزاهة. وكتب “إذا كنتم تريدون أن تكون السياسة أكثر تحضرا وإذا كنتم تريدون أن تخف حدة النقاش وأن يتم إنجاز المزيد، فشاركوا في الانتخابات. التمثيل مهم”. ترامب يرفض إصدار بيان تأبين لماكين واشنطن – رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب نشر بيان أعده مساعدوه يشيد بالسناتور الراحل جون ماكين، بحسب صحيفة واشنطن بوست. وفيما توالت التعازي التي تشيد بتاريخ وحياة السناتور الجمهوري، اكتفى ترامب بكتابة تغريدة مقتضبة على تويتر السبت أعرب فيها عن “أعمق المشاعر والاحترام” لعائلة الراحل دون أن يقول كلمة عن ماكين. وتم إعداد التصريح وأعطي لترامب للموافقة عليه، ولكن وطبقا للصحيفة فقد قال الرئيس لمساعديه إنه يفضل كتابة تغريدة بدلا من ذلك. وتعود جذور العداوة بين الرجلين إلى الوقت الذي أعلن فيه ترامب ترشحه للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في يونيو 2015، وأشار إلى أن العديد من المهاجرين المكسيكيين مجرمون “ومغتصبون”. ودانه ماكين لاستخدامه لغة قال إنها “ستحفز المجانين” بينما قال ترامب إن ماكين “غبي” تمكّن بصعوبة من التخرج من الأكاديمية البحرية.

مشاركة :