يزداد الوضع تأزما في كيمنتس الواقعة بولاية ساكسونيا شرق ألمانيا، غداة المظاهرة الكبيرة التي نظمها اليمين المتطرف والشعبوي للمطالبة برحيل الأجانب من البلاد. وعلى ما يبدو فأن أخبار زائفة ساهمت في زيادة حدة التوتر. يواجه الصحفيون هذه الأيام في مدينة كيمنتس الواقعة في ولاية ساكسونيا تحديات جديدة في ظل حالة التوتر التي تسيطر على المدينة منذ انتشار خبر وفاة رجل إثر تعرضه للطعن بالسكين، وإعلان النيابة العامة القاء القبض على اثنين مشتبه بهما من أصول عربية. وفي الوقت التي تحقق فيه شرطة المدينة حول ملابسات الجريمة وما إذا كان الأمر يتعلق بالقتل العمد أو بعملية الدفاع عن النفس، انطلقت مظاهرات دعا لها اليمين المتطرف، وشاركت فيها مجموعات متطرفة عدة من بينها النازيون الجدد، رفعت فيها شعارات معادية للأجانب. وبعد انتشار خبر وفاة الرجل الذي قالت عنه الشرطة إنه ألماني ويبلغ من العمر 35 عاما، خلال احتفالات المدينة ليلة السبت/ الأحد (27 أغسطس/ آب 2017)، عجّت وسائل التواصل الاجتماعي بأنباء عن مقتل شخص آخر وعن محاولة اغتصاب فتاة ألمانية، وفي الحالتين معا قيل إن الجناة من المهاجرين، ليتضح فيما بعد أن هذه الأنباء باطلة وأن الأمر يتعلق بأخبار كاذبة فقط. الذاكرة تحتفظ بما تريد وفي حوار مع DW أقرّ الصحفي تورستن كليديتش الذي يشغل منصب مدير تحرير "فراين بريسه" (الصحافة الحرة) منذ تسع سنوات ومقرها كيمنتس، أن الصحفيين حاولوا جاهدا كشف الحقيقة، لكنهم فشلوا في ذلك، موضحا: "لم ننجح في هذه الحالة في نسف هذه الأخبار (الزائفة)، حتى العمل الصحفي المحترف يصل أحيانا إلى طريق مسدود، خاصة عندما يتعلق الأمر بتصحيح رواية نشرت في كل مكان". ويتابع كليديتش: "عندما تريد دحض شائعة ما عبر الحقائق، فإنك تقوم وبطريقة غير مباشرة بنشر هذه الشائعة أيضا. وفي النهاية لا تحتفظ الذاكرة إلا بالشائعة نفسها وليس بما يدحضها". هكذا حصل في كيمنتس، ومن غير المؤكد عما إذا كانت هذه الأخبار هي التي كانت سبب اشتعال فتيل الاحتجاجات في كيمنتس التي تشهد أصلا حضورا قويا لليمين المتطرف المعادي للأجانب، لكنها على الأقل أذكت التوترات، وخدمت أجندة اليمين المتطرف في إذكاء مزيد من الكراهية والدعوة للعنف ضد الأجانب. حضور مكثف لليمين المتطرف أما بداية القصة فكانت حين أصيب المواطن الألماني بجروح أودت بحياته إثر طعنات بسكين في شجار عنيف بين زوار من جنسيات مختلفة لمهرجان بمدينة كيمنتس. وفي أعقاب ذلك احتشد مئات الأشخاص من بينهم أتباع لجماعات يمينية في مسيرة عشوائية أول أمس الأحد. وظهر في مقاطع فيديو للمسيرة الطريقة التي تم بها تصيد أجانب ومهاجمتهم من وسط الحشود. ومساء أمس الاثنين، تجددت الاحتجاجات بين متظاهرين يمينيين ويساريين، بحضور مجموعات متطرفة عدة إلى جانب عناصر من أوساط المشجعين لكرة القدم، وفق مراسلة محطة "WDR" الإذاعية، وجميعهم حضروا بكثافة فاجأت حتى أجهزة الشرطة التي أقرت أنها لم تكن تتوقع كل هذا الحضور وبالتالي لم تستنفر العدد الكافي من القوات. مظاهرات متواصلة ونقلت تقارير إعلامية متطابقة أن عشرات الإصابات سجلت بين مؤيدي اليمين المتطرف ومؤيدي اليسار المتطرف الذين قاموا بمظاهرة موازية للتنديد باليمين المتطرف، بينما أكدت شرطة المدينة إصابة نحو 20 عنصر من قواتها. وتشير المعطيات إلى أن الأمور لن تقف عند مظاهرة الاثنين، وإنما هناك مظاهرة أخرى اليوم الثلاثاء تشهدها مدينة دريسدن، عاصمة الولاية، لأنصار اليمين المتطرف وأخرى مناهضة لها. وأعلنت إدارة المدينة أنه تم تسجيل مشاركة نحو مئة شخص في مظاهرة أمام البرلمان المحلي للولاية تحت شعار "الأمن الداخلي - احموا عائلاتنا!". وذكرت المدينة أنه من المقرر أن تستمر المظاهرة حتى ظهر غد الأربعاء. وبالتوازي، أبلغت منظمة "الشباب الأخضر في سكسونيا" عن تنظيم مظاهرة في وسط المدينة بمشاركة نحو 150 شخصا تحت شعار "لا مكان للتحريض اليميني". تحية هتلر وحسب مراسلة محطة "WDR" الإذاعية، فإن الملفت في مظاهرات الاثنين مستوى العداء الذي تمّ التعبير عنه عبر شعارات رفعت تطالب بطرد المهاجرين من ألمانيا. كما أدى بعض المشاركين تحية هتلر التي يعاقب عليه القانون الجنائي الألماني. على ضوء ذلك أعلن النائب عن حزب الخضر جيم أزدمير على موقعه الشخصي بتويتر أنه تمّ تقديم دعوى أمام المحكمة ضد هؤلاء المتظاهرين. وذكر في تغريدته أن "على ديمقراطيتنا القوية الوقوف بوجه التحريض والسعي إلى العدالة الذاتية بحزم. يجب استخدام جميع آليات دولة القانون". من جهتها، دانت المستشارة الألمانية انغلا ميركل أعمال العنف في كيمنتس واعتبرتها "غير مقبولة". وقالت زعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي ميركل "ما رأيناه لا مكان له في دولة القانون". وحول الانتقادات الواسعة للأجهزة الأمنية دافعت ميركل عن الشرطة مشددة أنها "قامت بكل ما يمكن فعله لإنهاء الأمور بشكل عقلاني". و.ب
مشاركة :