تونس - لم يجد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي برئاسة فائز السراج، سوى مفردات الإدانة لمواجهة سطوة الميليشيات المُسلحة في أعقاب انهيار الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس نتيجة الاشتباكات التي أعادت المشهد في ليبيا إلى مربع الاقتتال المحكوم بحسابات المصالح الشخصية والأجندات الإقليمية والدولية. وتأتي هذه الاشتباكات لتعيق الحراك الإقليمي والدولي الهادف إلى التقدم بالحل السياسي وإخراج البلاد من مربع الفوضى. واستنكر المجلس في بيان له الاشتباكات المسلحة التي قال إنها تسببت في ترويع المدنيين الآمنين، لافتا في نفس الوقت إلى أن “المتورطين ستطالهم يد العدالة والعقوبات الدولية حسب قرارات مجلس الأمن الدولي”. وفيما بدا المجلس الرئاسي الليبي في بيانه الذي صدر بعد وصول فائز السراج إلى طرابلس قادما من العاصمة البريطانية لندن، شديد الحذر في توجيه الانتقادات لمن يقفون وراء تلك الاشتباكات، اكتفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برئاسة غسان سلامة بالتعبير عن قلقها الشديد إزاء استخدام النيران العشوائية والأسلحة الثقيلة في المناطق السكنية. عبدالحكيم فنوش: أخشى أن يكون الحراك العسكري توطئة لحل يفرض من الخارج عبدالحكيم فنوش: أخشى أن يكون الحراك العسكري توطئة لحل يفرض من الخارج وحذرت في بيان لها من أن تزايد المجموعات المسلحة والأعمال العدائية ينذر بخطر حدوث “مواجهة عسكرية واسعة النطاق”، وذلك في إشارة واضحة إلى سطوة الميليشيات المُسلحة التي يُجمع المراقبون على وصفها بـ”القنبلة الموقوتة” التي تُهدد استقرار ليبيا. وتجددت، الثلاثاء، الاشتباكات المُسلحة بشكل مُتقطع في محيط العاصمة طرابلس، حيث أفاد شهود عيان بأن أفراد تلك الميليشيات تبادلوا إطلاق النار بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وذلك رغم إعلان وزير الداخلية المفوّض بحكومة الوفاق، العميد عبدالسلام عاشور، مساء الاثنين، عن التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الميليشيات المُتصارعة. وعرفت العاصمة طرابلس خلال اليومين الماضيين اشتباكات عنيفة شارك فيها “اللواء السابع مشاة” من مدينة ترهونة الموالي لحكومة الوفاق الوطني، وميليشيات من طرابلس تابعة لوزارة الداخلية بالحكومة نفسها. وبدأت تلك الاشتباكات إثر هجوم شنه أفراد من “اللواء السابع مشاة” على العاصمة طرابلس، تمكنوا خلاله من السيطرة على معسكرات ومقرات كانت تابعة لميليشيات أخرى في المدينة. ودارت تلك الاشتباكات بين “اللواء السابع مشاة”، و”كتيبة ثوار طرابلس″، و”كتيبة النواصي”، واشتدت بعد تمكّن أفراد “اللواء السابع مشاة” من السيطرة على معسكر اليرموك جنوب طرابلس وإخراج أفراد القوات التابعة لوزارة الداخلية منه. وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها العاصمة طرابلس اشتباكات بين الميليشيات المُسلحة التي تُحاصرها من كل مكان، لكنها تبدو الأعنف هذه المرة من حيث نوعية السلاح المُستخدم، ومساحة الاشتباك التي تجاوزت أحياء صلاح الدين، وعين زارة، وخلة الفرجان، إلى مناطق أخرى بجنوب وجنوب شرق العاصمة طرابلس. واقتربت تلك الاشتباكات كثيرا من محيط القاعدة البحرية العسكرية “أبوستة” التي يتخذها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق مقرا له، حيث ترددت أنباء عن مغادرة أعضاء المجلس الرئاسي القاعدة العسكرية بحثا عن مكان آمن. وتباينت التقديرات والمواقف حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الاشتباكات، حيث أرجعها عضو مجلس النواب فتحي باشاغا، إلى ما وصفه بـ”السلسلة اللامتناهية من العبث والفشل اللذين تسببا في ضياع مقدرات الدولة ومصالح الوطن وأديا إلى معاناة الشعب الليبي بشكل غير مسبوق”. وكتب في تدوينة نشرها في صفحته الرسمية على فيسبوك أن “ما نراه اليوم من انهيار الوضع الأمني في العاصمة طرابلس هو حلقة من سلسلة فشل السلطات الحاكمة صوريّا والخاضعة لهيمنة الميليشيات وتقويض دور مؤسستي الجيش والشرطة”. وحذر باشاغا من أن الوضع “مُقبل على المزيد من الفوضى في حال لم تتكاتف القوى الوطنية الصادقة بمختلف توجهاتها السياسية ووضع حد لهذا الاستهتار بمصير الوطن قبل أن يتسع الخرق”. ويجد هذا التحذير صدى له لدى غالبية المراقبين الذين رأوا في هذه التطوّرات مُقدمة لعودة ليبيا إلى مربع الاقتتال بعد فشل الجهود الرامية إلى إيجاد مخرج سياسي للأزمة الراهنة التي استفحلت فيها الأدوار المشبوهة التي تقوم بها الميليشيات المُسلحة التي تواصل سطوتها على مُجمل مفاصل الدولة الليبية وسيطرتها على العاصمة طرابلس، وسط تجاهل إقليمي ودولي. وفي هذا السياق، اعتبر الباحث والسياسي الليبي المقيم في باريس، عبدالحكيم فنوش، أن ما يجري في طرابلس هو ترجمة لانعدام إنتاج حل سياسي متوازن يُخرج البلاد من أزمتها. وقال في اتصال هاتفي مع “العرب”، إن “عجز الفرقاء الليبيين والمجتمع الدولي عن إنتاج هذا الحل، يُترجم الآن بالسلاح بعد أن نجحت الميليشيات المُسلحة في ابتزاز حكومة السراج ومن معه، وتحويل السلطة إلى غنيمة، ما دفع بقية الأطراف إلى محاولة الدخول إلى العاصمة طرابلس لأخذ نصيبها”. وحذر فنوش قائلا “أخشى أن يكون هذا الحراك العسكري توطئة لحل جديد سيُفرض على ليبيا من جهات خارجية، يتم عبره فرض تصور جديد للسلطة لا يأخذ بعين الاعتبار موازين القوى على الأرض، ما يعني إدخال ليبيا في دوامة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات”. وبهذه الخشية التي تُغذيها تطورات المشهد الليبي المُتدحرجة تصعيدا وتسخينا، تسعى الميليشيات المُسلحة إلى إثارة المزيد من الزوابع السياسية بأدوات عسكرية، وذلك لتوجيه رسائل متواترة لإشغال الفرقاء الليبيين والفاعلين الإقليميين والدوليين بالمزيد من التعقيدات، في إطار محاولة مكشوفة لتغيير موازين القوى ليتسنى لها ملء الفراغ الناشئ عن تعثر الحل السياسي.
مشاركة :