حنا مينه... مبدع الزمن الجميل

  • 8/30/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أرى أن جميع المثقفين والأدباء العرب، لديهم قناعة تامة بأن الروائي السوري الراحل حنا مينه، كان حالة استثنائية لأديب فطن جيداً لمسألة أن تكون روح المبدع متوافقة تماما مع كتاباته، وهذه الفطنة، لم تكن مصنوعة من اجل التباهي - كما نرى بعض الكتاب - الذين يظهرون أمام الشاشات وفي الملأ في صور البسطاء المتواضعين، وحينما يختلون بأنفسهم، أو يوجدون في محيط ضيق مع الجمهور، تظهر عليهم علامات التعالي والكبر، والإحساس بالنخبوية والتميز.إن مينه... لم يكن كذلك قط، ولم يفعل إلا ما هو عليه في السر والعلن، لذا جاءت كل كتاباته معبرة عن البسطاء، ومنحازة لأحلامهم، ومتتبعة لآلامهم وأوجاعهم، وهذا ما وجدناه وأبصرناه وشعرنا به في كل كتاب قرأناه له.وهذا التميز الذي حصل عليه مينه من خلال رأي الجمهور والنقاد... جعل الكثيرين من محبيه يعبرون عن فقدهم لهم، من خلال المقالات، أو الكتابات التي عجت بها مواقع التواصل الاجتماعي... رغم وصيته، التي حذر فيها من فعل ذلك، فقد أراد أن يكون تأبينه والحزن عليه بصمت، مثلما يكون الحزن على المتوفى البسيط، وأراد أن يكون خبر وفاته عادياً كما اعتاد الناس على أخبار المتوفين من الذين لا ينتبه لموتهم أحد.وأرى أن خرق وصية مينه من قبل محبيه، هو خرق محمود وليس مذموماً، لأن الكل يعرف مطمح الراحل من وصيته، وهو مطمح سيظل شاهداً على روعة أخلاق ونفس هذا الرجل، وضميره الذي يوجعه بسبب ما شاهد من آلام يتعرض لها البسطاء الذين لا ظهير أو سنيد لهم، في حياة تحكمها المصالح بشكل كبير.لا أريد أن اكرر ما قاله المؤبّنون وهم يستذكرون مناقب ونفائس مينه إبداعاً وخلقاً، ولا أريد أن أتحدث عن أعماله الروائية التي تربى على جمالها أجيال وأجيال، وتأثر بها أدباء وكتاب، ولكني أريد أن أظهر حزني على هذا العملاق، الذي رحل عن عالمنا عن طيب خاطر، ولم يرهبه الموت، لدرجة أنه كتب وصيته، وهو في كامل حيويته، وفي أرقى حالاته الذهنية.إنه مينه... ابن مدينة اللاذقية السورية، الذي عرك الحياة وعركته... عمل حلاقاً وحمالاً وبحاراً، وموظفاً حكومياً وكاتب مسلسلات، وصولاً إلى أن أصبح الروائي الكبير.كي يمتعنا بأروع الروايات «المصابيح الزرق»، «المستنقع»، «المرفأ البعيد»، والكثير من الأعمال الروائية الواقعية، التي كان البحر فيها هو الملحمة الحقيقية لأحداثها.نحن بفقد مينه، نكون قد فقدنا رجلاً مبدعاً عاش من أجل الإنسان الذي في داخله، وتنازل طواعية عن الكثير من مباهج الحياة، ليظل وفياً لنفسه وحريصاً على مبادئه، التي جعلها كلها في متناول الحب والسلام.تحية مخلصة لأديبنا الراحل الذي أعطى أكثر مما أخذ، وعاش على الوفاء، ومات كريماً محبوباً عند كل من عرفه، وقرأ له وتأثر به... لنقول إن مينه - بصدق - هو مبدع الزمن الجميل.*كاتب وأكاديمي كويتي

مشاركة :