أكد مثقفون أن الرواية النسائية السعودية شهدت مؤخرا صعودا لافتا، تجسد في دور المرأة الفاعل في المطالبة والمناقشة والدفاع عن كينونتها، وأن هناك بشائر يبثها الواقع في محاولة إنعاشها لتستعيد الحياة، وينعكس على إبداعها، في محاولة جادة لإعادة صياغة الإنتاج الروائي بما يتناسب مع الواقع والفكر. وكانت «الحياة» تساءلت حول الواقع الجديد للمرأة السعودية، وكيف سيسهم ذلك في تغيير الصورة النمطية عن المرأة في الرواية السعودية؟ ويقول الدكتور صغير العنزي وكيل كلية التربية والآداب للدراسات العليا بجامعة الحدود الشمالية في حديث لـ «الحياة»: ما يميّز الواقع الجديد أنّ المرأة جزء أصيل من صناعته، لا من تلقّيه وتقبّله فحسب، ومن هنا فلم تعد المرأة مفعولا به، بل أثبتت دورها الفاعل في المطالبة والمناقشة والدفاع عن كينونتها، الأمر الذي انعكست أصداؤه في سياسة الدولة وأجهزتها الداخلية والخارجية، ولا شكّ أن تغيرًا كهذا سيلقي بظلاله على الإنتاج الروائيّ السعوديّ بشكل عام، وما يخصّ المرأة منه بشكل خاص، بوصف المنجَز الروائي عاكسًا، بنحو أو بآخر، للبيئة التي أنتجته وتدور أحداثه فيها». وأضاف العنزي أنه لم يعد نشازا «أن نرى المرأة في الرواية مسكونة بالنضال والدفاع عن هويتها، وأن نستمع إلى حوارات أرحب مدى وأكثر عمقًا على لسانها، وأن يحدث تنويعا في أدوار المرأة لم يكن معهودًا في السابق، على أن ذلك لا يعني غياب الصورة النمطية للمرأة في الرواية غيابًا مطلقا، فالتغيرات الاجتماعية لا تعني اجتثاث ما ترسخ في الثقافة بشكل جذري، فمصر التي سبقتنا بزمن طويل في تمكين المرأة لا تزال صور المرأة النمطية الدونية تتسلل في الروايات دون أن يقصدها الكاتب، فالأنساق الثقافية السارقة ذكية وخبيثة، وهذا ما يمكنها من أن تحتفظ بغير قليل من الصور السلبية برموزها ودلالاتها، ولا تزال عبارة «أمّال يشكمها إزاي» تتردد على ألسنة الممثلين، والشكم من خصائص الحيوان، ولا تزال الذهنية رغم كل التقدم تستعير هيئة الشكم والترويض الحيواني للمرأة، وغير هذا كثير». ميل إلى الجدية بدورها ترى الدكتورة مريم غبان أستاذ مشارك في النقد والأدب الحديث أن الرواية النسائية السعودية «شهدت في الفترة الأخيرة صعودا لافتا، جاء ضمن تجارب سردية عديدة، كان وجودها تثبيت قدم للسرد النسوي؛ ليضطلع بطور مهم في التجريب والميل إلى الجدية والابتكار وانفتاح الأفق. وكان عطاؤها المميز يسير وفق معايير جديدة، تؤسس لرؤى فلسفية عن طريق استدعاء الأسطورة واستلهام التراث ووقائع الفنتازيا إلى غير ذلك من معايير التجديد والتطور. وقد استمرار هذا السرد في التطور السريع والملحوظ، حتى وصل إلى جائزة البوكر للرواية العربية عام 2011 عبر رواية «طوق الحمام» لرجاء عالم. وبما أن التجريب والحداثة وجهان لعملة واحدة، فلا بد من توقع تأثر سرد المرأة بالمستجدات الراهنة، وفق ما تخطط له رؤية 2030، والمتوقع أن يتبع هذه التطورات، محاولة جادة لإعادة صياغة المعمار الروائي بما يتناسب مع الواقع والفكر»، مشيرة إلى أن الرواية النسائية، ربما تمر «بحالات جديدة من التشظي والقلق والرغبة في إيجاد عالم متوازن، نتيجة لما طال المجتمع من تغيرات أخيرة. وهذا مسلك طبيعي في سياق البحث عن اليقين والحكمة الضائعة، لأن الكتابة الإبداعية، هي رحلة النفس البشرية في البحث عن ذاتها ومصيرها. لكنها «الرواية النسوية» ستتمكن من تعزيز حضور قوي في المشهد الثقافي، والحراك الاجتماعي، لتصل في النهاية إلى ترسية جمالية جديدة، لأنها ستخوض مغامرات جريئة في التحديث والتجريب». وقالت غبان: «بوسعنا طرح أسئلة افتراضية حول إمكانية تتبلور مفاهيمي في سرد المرأة، هل التغيرات المتوقعة ستطال الشكل أم بالمضمون؟ وهل ستخوض رواية المرأة رحلة تشظ جديدة، وتعبر عن قلق مرتقب لتؤكد لنا أن توقعات الروائي لا تقل اهمية عن تكهنات الفيلسوف؟ كل ذلك مدعاة إلى التفكير والبحث والترقب والنظر إلى الأمور في جو يسوده ضبابية وانزياح فكري على وشك الظهور». أما الأكاديمية والناقدة الدكتورة أسماء الأحمدي فقالت: «حين نسأل عن الرواية النسائية السعودية بصفتها رؤية استشرافية، قد يقودنا ذلك لابتسامة تعجبية، أي رواية تلك التي نلاحقها، ونكشف وجودها من عدمه، لكنّها على الأغلب موجودة في مكان ما، ومنزلة ارتضاها لها كتابها، على اختلاف مراتبها، وإن كنّا نقر بأنّ بعضا منها لم يختطّ لنفسه مسارًا واضحًا، أو امتدادًا لخط سيره. والرّواية الّنسائيَّة أتت لكسر الصّورة النَّمطيّة التي ألفناها واقعًا، فتجاوزت حاجز الصَّمت؛ للبحث عن مجالات الحياة المغيَّبة والتَّفتيش عن الحقوق المسلوبة. هنا اتّخذت الكتابة سبيلًا لكسر مرحلة الاستتباب الظّاهري والصّراع الدّاخلي، عبر لغةٍ صامدةٍ اخترقت التوقّعات، ولكنّها مثَّلت الصَّحوة المتأخرة والنّزف الذي أوشك على الفناء؛ محاولة استرداد الأنفاس وتصحيح مسار الانحراف نحو الهاوية واللا هُويّة، فما كان يُرى طبعيًّا وعليها امتثاله، هو في الحقيقة مأزق الفقد للكينونة والتّفرّد والذّاتيّة، مسار أخرجها من دائرة التّاريخ والزّمن». الرواية النسائية سجل للأوجاع وأكدت الأحمدي أن الرِّواية النِّسائية سجل لأوجاع الإنسان والمرأة بشكلٍ خاص؛ إذ لم تتحرّر ولم تتخلَّص بعد من إشكاليَّاتها، فالرِّواية تعمد للكشف والفضح والتَّعرية، وإن كانت تظهر أقل ممَّا هو في الواقع، مع التزام أسلوب فنّيٍّ دون فضائحيَّة؛ أي قتل الذَّوات التي يُعتدى عليها دون محاسبةٍ أو مراقبةِ. وأضافت ان الإشكالية التي ينبغي معرفتها أنّ الخلاص لا يأتي دفعة واحدة ما لم يمر ذلك بمراحل فرديَّة تمهِّد الطَّريق للتَّحرر الجماعي فيما بعد، حينها يكون حقًّا مؤكدًا، تُؤكّده الأنظمة لا الجماعات. السَّرد يخرج من دائرة البحث عن الذَّات الفرديّة إلى الذَّات بشكلها الجماعي المُتَّفِق أو الآخر المختلف، وهذا يجعلنا نتأمَّل الفارق بين الرِّواية فنًّا سرديًّا يلتزم مساحات كبيرة للبوح والشِّعر بوصفه مساحةً مُقننة تلتف فيها الذّات وكينونتها. المعبر عن أنينها في خصيصة قد تظهر البون الكبير بين الذَّات وغيرها من الذَّوات. أمَّا الرِّواية فتحمل همًّا جماعيًّا متلوِّنًا وممتزجًا بتجارب مختلفة. وقد يأتي سؤال (ماذا بعد؟)، سؤال البحث عن الهُويّة أو قلق الكينونة، محاولة الخروج من الشرنقة، والتّحرّر من القيد الذي أوقعت ووقعت به، لكن الواقع يبث بشائر رؤية الخلاص، أو محاولة إنعاشها لتستعيد الحياة، وفي ذلك انعكاس على إبداعها، ونصّها المنسوج بأحرفها، والمتلبّس فكرها؛ لتتحرّر من ذاتها، وقضاياها، وتكتب الإنسان والحيا». ويقول الروائي محمد العرفج: «سرح سؤالك بي للتفكير بعيدا جدا عن واقع الأمر الماضي والحاضر والمستقبل وتوظيفه في الرواية السعودية، فقد تساءلت ما مصير الروايات القديمة التي وظفت إسقاطاتها أكثر من اللازم حول وضع المرأة السعودية حتى في الروايات النسوية الكثيرة التي كتبت، وبعضها أغرقت في ذاتية مفرطة، خصوصا أن الواقع الجديد للمرأة السعودية تغير جذريا وفِي سنة واحدة فقط. مضيفا: هل ستختفي وتذهب تلك الروايات أدراج الرياح، أم ستكون وثيقة للرجوع إليها من قبل الباحثين والدارسين لهذا الفن. بالتأكيد جميعنا يعرف أن الروائي ابن عصره وبيئته، وهو كائن اجتماعي مثله مثل غيره، وكذلك يكتب ما يحسه وما يبنيه عبر نصه المتراكم مثل الشاعر وغيره، وما سينقله عبر السرديات المطولة سيكون له توافق جميل ورائع مع متطلبات العصر الحديث والعهد الجديد والحقبة الجديدة من خلال الجمع بين الواقع والمأمول في المستقبل وتوظيفهما روائيا عبر تصوره وأدواته السردية المتعددة، لكني كما ذكرت أفكر بالباحث والمؤرخ والدارس للرواية حين ينتقل في سنة واحدة فقط بين ماضي وحاضر مختلفين جذريا. ومن مناح أخرى وتصورات يمكن التنبؤ بها، خاصة مع معرفتنا بأن الرواية ما زالت مؤثرة محليا وعربيا ودوليا، ومع إنشاء وزارة الثقافة ضمن رؤية ٢٠٣٠ ومن خلال الكتابة المكثفة والأقلام المتعددة في السرد وما نأمل من مصاحبتها للترجمة لمختلف اللغات في العالم، يمكننا أن ندرك أن الرواية ستسهم بشكل فعال ومكثف في تصور الأجيال اللاحقة تصورا بما لا يدع المجال للشك، في تغير صورة المرأة السعودية في ذهنية المتلقي عبر أرجاء العالم، وتنحى تلك الصورة النمطية التي وصلت إليه بطريقة أو أخرى». لا يوجد تغيير إيجابي بينما تعتقد الروائية حسنة القرني أن لا شيء «سيؤثر إيجابيا على إنتاج صورة مغايرة للمرأة في الرواية السعودية، ما لم يتغير الوعي لدى الكاتب نفسه ويصبح أكثر ثقافة ونضجا وعمقا وجودة في اختيار الموضوع مع قدرة إبداعية في الطرح سواء كان الكاتب امرأة أو رجلا. بناء على ذلك فلا أرى أن الصورة النمطية السائدة الآن عن المرأة السعودية في الرواية ستختلف تبعا للمتغير كثيرا بل ستستمر على ما هي عليه، فلا أتوقع تغييرا حقيقيا في الموضوع السائد ولا في طريقة التناول لا سيما إذا اتفقنا على أن هناك استسهالا في الكتابة الروائية بشكل خاص والكتابة الإبداعية بشكل عام». وأضافت: أتوقع مثلا أن قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة كمكتسب وواقع جديد للمرأة السعودية سيبقى يطرح كصراع سطحي بين قبول ورفض الأسرة والمجتمع ما يستلزم استمرارية طرح صورة المرأة النضالية والحقوقية السابقة فيما يتصل بالبديهيات الحقوقية لها كإنسان والتي من المفترض أن نكون تجاوزناها الآن»، مشيرة إلى أن الرواية أو القصة «بعقدة الصراع هذه تكون تطرح واقعا معاشا لا نستطيع إنكاره ولكني حقيقة لا أراهن كثيرا في ظل السطحية الراهنة التي تطرح بها الحقوق والضعف الفني الحاصل في العمل الإبداعي أن هناك صورة أخرى متجاوزة ستنتج بعمق»، مشددة على أن الصورة النمطية للمرأة السعودية الموجودة الآن «لا أراها فكرة سيئة تماما لكن تحتاج في كثير من الأعمال الروائية إلى الحرفية في الكتابة، فمسألة حقوق المرأة موضوع جدلي لم تنته عالميا.
مشاركة :