تحوّلت خشبة المسرح في «مهرجانات صيدا الدولية» إلى باخرة فنية تشقّ بحر مينائها القديم على وقع صوت الفنانة كارول سماحة مفتتحة أولى ليالي برنامجها للعام الحالي. وتحت عنوان «سفر» أخذت سماحة الحضور في رحلة فنون منوعة ضمن استعراض غنائي تلوّن بمواهبها التمثيلية والراقصة والغنائية مجتمعة لتؤكد مرة أخرى أنّها قادرة على إحداث الفرق. ومع أغنية «يا مسافر وحدك» للرّاحل محمد عبد الوهاب التي رافقتها مشهدية غنية بحركة بحارة يجدفون مراكبهم في بحر أزرق ترتديه كارول سماحة على شكل فستان غطى جميع أرجاء المسرح بقماشه الهفهاف استهلت الحفلة. فالقصة رومانسية وتحكي عن شابة ضاع منها حبيبها بعدما تركها وسافر. وانطلاقاً من رمزية ميناء مدينة صيدا القديمة حاضنة المهرجان تقرر الشابة شد رحالها للبحث عنه. وبذلك يتحول المكان إلى كرة أرضية تجول سماحة في بقاعها لتقطف من كل بلد فيها أغنية تحكي من خلالها قصتها العاطفية وتبدأها بأغنية «مجنونة»٠ «من شاطئ صيدا سنترافق في رحلة فنية وموسيقية هي كناية عن مغامرة نخوضها معا، فأتمنّى أن تنال إعجابكم». مع هذه الكلمات توجهت سماحة إلى الجمهور تشكرهم على حضورهم الذي تقدمه سياسيون أمثال النائبة بهية الحريري، ورئيس الدولة السابق فؤاد السنيورة، إضافة إلى وزير السياحة أفيديس كيدانيان الذي راح يلتقط صوراً تذكارية مع أهل صيدا لدى وصوله المكان. كما لوحظ حضور عدد من الفنانين وبينهم الممثلة المصرية إلهام شاهين، وزميلتها اللبنانية كارلا بطرس. وبـ«إحساس كبير» كما تقول أغنيتها المعروفة، نثرت خلاله كارول سماحة طاقتها الإيجابية فصدح صوتها يغني بالعربية والأجنبية «خليك بحالك» و«انس همومك» و«يا رب» و«هافانا» فرسمت معها كارول رؤياها الفنية المعروفة فيها بمواكبتها حداثة العصر الحالي مقرونة بأصالة الزمن الجميل. قدمت سماحة لوحات غنائية استعراضية استوحت غالبية خطوطها العريضة من مسارح عالمية تأثّرت بها مثل «برودواي» و«لاس فيغاس» اللذين تحدّثت أكثر من مرة عن انبهارها باستعراضاتهما. ومع مظلّات ملونة حينا وسيارة سبور كلاسيكية حمراء حينا آخر، تزيّنت بكوكب الأرض الذي راح يدور على أنغام وصلة غنائية على شاشة عملاقة تتوسط المسرح في مشهدية ثالثة لها، تألفت إكسسوارات عمل مسرحي غنائي خارج عن المألوف يشبه صاحبته برقيّه وأناقته وحضوره الطّاغي. بدّلت كارول سماحة ملابسها ثلاث مرات خلال الحفل فتنوعت فساتينها بين الأزرق المطرّز والفضي المشنشل والذهبي البرّاق لتأخذ في كل واحدة منها موقع نجمة تشعّ موهبة وأداءً فنياً شاملاً من دون أن تسهو عن تكملتها بأزياء تناسب الحدث. لم تفوت كارول سماحة في لوحاتها الغنائية المطبوعة بأجواء اليونان تارة وإيطاليا وأميركا وغيرها تارة أخرى، المرور على وطن الأرز بثقافته وتقاليده وعادات أهله، ملونة بعض لوحاتها الغنائية بمشهدية «الكباش» هذه الرياضة القديمة التي كان يعتمدها أهل الجبل لإبراز قواهم الجسدية. كما استخدمت في مطارح أخرى الدبكة اللبنانية مستذكرة عنصراً مشهوراً من الفولكلور اللبناني الأصيل. فحركة الراقصين على المسرح الذين شكّلت معهم كارول سلسلة بشرية تبث الفرح على أرض الأجداد طيلة وقت الحفل أبهرت الحضور المتعطش لفن إلا بداع. ولعل انخطاف الجمهور بما تقدمه كارول سماحة بمستوى فني رفيع آخر تفاعله معها إلى حين بلوغه ذروة الحماس مع أغانيها «غالي علي» و«أضواء الشهرة» (من قديمها) و«سالمة يا سلامة» للراحلة داليدا بحيث اشتعل المكان تصفيقاً وصراخاً حتى ختام الحفل. ومع بالونات حمراء طُبعت عليها عبارة «كارول نحبك»، سبقها إضاءة شموع على مدخل مكان الحفل (الملعب البلدي في صيدا)، وبأغان أنشدها معجبوها أمام كاميرات التصوير للتعبير عن حماسهم للمشاركة بالحفل ترجموا مشاعرهم تجاه فنانتهم المفضلة. وجّهت كارول خلال الحفل تحية لابنتها تالا في مناسبة عيد ميلادها الذي صادف موعد الحفل وإلى زوجها رجل الأعمال المصري وليد مصطفى، متمنية أن تبقى محاطة بدفء هذه العائلة الصغيرة. ومع «سهرانين» و«تطلع فيي هيك» و«وحشاني بلادي» في القسم الأخير من السّهرة لم يتعب الحضور من ترداد كلمات هذه الأغاني ومرافقة النّجمة اللبنانية رقصاً وإيقاعاً بمشهدية حماسية لافتة. وجاء ذلك على الرّغم من نسبة رطوبة مرتفعة سادت طقس صيدا ودفعت بكارول إلى إبداء انزعاجها منها «شو بدنا نعمل بهالرطوبة؟» كما خصّت جمهورها في الختام بوصلة طربية للرّاحل وديع الصافي «يا قطعة سما» التي قلّما يتجرأ فنان على أدائها للطبقات الصوتية الصعبة التي تتطلبها من صاحبها. ومن ثمّ ألقت تحية وطنية لصيدا على طريقتها منشدة «سيف البوادي» فهاج الحضور تناغما معها وراح يقفز من على مقاعده ولمشاركة كارول الغناء عن قرب.
مشاركة :