بغداد - حمل الكشف عن تسليح إيران لميليشيات شيعية تابعة لها في العراق بصواريخ باليستية، تطوّرا خطرا في السياسات الإيرانية بالمنطقة في اتجاه تحويل الأراضي العراقية إلى ساحة مواجهة عسكرية متقدّمة ضدّ خصوم إيران الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الساعية لمحاصرة النظام الإيراني، ليس فقط عبر العقوبات الاقتصادية، ولكن أيضا بإقامة حاجز عسكري بشرق سوريا وغرب العراق لقطع الممر الواصل بين طهران وبيروت عبر أراضي البلدين. ويقول خبراء ومحللون إن الولايات المتحدة، بدأت فعليا بالتحضير لمواجهة محدودة مع الأذرع المسلّحة التي تتحكم فيها إيران بالعراق وسوريا. ويربط هؤلاء الكشف عن ملف الصواريخ الباليستية التي نقلتها إيران إلى ميليشيات عراقية بأزمة تشكيل الحكومة العراقية والصراع العلني بين واشنطن وطهران بشأن من يتولى تشكيلها، ما يمثل إنذارا خطيرا بإمكانية الانزلاق إلى مواجهة أميركية إيرانية على الأراضي العراقية. ونقلت وكالة رويترز عن مصادر إيرانية وعراقية وغربية قولها إن طهران قدّمت صواريخ باليستية لجماعات شيعية تقاتل بالوكالة عنها في العراق، وإنّها تطوّر القدرة على صنع المزيد من الصواريخ هناك لدرء الهجمات المحتملة على مصالحها في الشرق الأوسط ولامتلاك وسيلة تمكّنها من ضرب خصومها في المنطقة. وقال ثلاثة مسؤولين إيرانيين ومصدران بالمخابرات العراقية ومصدران بمخابرات غربية، إن إيران نقلت صواريخ باليستية قصيرة المدى لحلفاء لها بالعراق خلال الأشهر القليلة الماضية. وقال خمسة من المسؤولين إنها تساعد تلك الجماعات على البدء في صنع صواريخ. والصواريخ المعنية، وهي صواريخ زلزال وفاتح 110 وذو الفقار، يتراوح مداها بين نحو 200 و700 كيلومتر، مما يضع عواصم إقليمية على مسافة تتيح ضربها إن تم نشر هذه الصواريخ في جنوب العراق أو غربه. ولفيلق القدس، ذراع العمليات الخارجية بالحرس الثوري الإيراني، قواعد في هاتين المنطقتين. وقالت ثلاثة من المصادر إن قائد فيلق القدس قاسم سليماني يشرف على البرنامج. وقال المصدر الغربي إن الغرض من عمليات نقل الصواريخ إلى العراق إرسال إشارة للولايات المتحدة وإسرائيل وخاصة بعد الغارات الجوية على قوات إيرانية في سوريا. وأضاف “يبدو أن إيران تحوّل العراق إلى قاعدة صواريخ أمامية”. كتائب حزب الله العراق وحركة النجباء مرشحة للدخول في مواجهة عسكرية ضد الولايات المتحدة على الأراضي العراقية وذكرت المصادر الإيرانية ومصدر بالمخابرات العراقية أن قرارا اتخذ قبل نحو 18 شهرا بالاستعانة بفصائل مسلّحة لإنتاج صواريخ في العراق، لكن النشاط زاد في الأشهر القليلة الماضية بما في ذلك وصول قاذفات صواريخ. وقال قائد كبير بالحرس الثوري الإيراني خدم خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات “لدينا قواعد كهذه في أماكـن كثيرة من بينها العراق، فإن هاجمتنا أميركا هاجم أصدقاؤنا مصالحها وحلفاءها بالمنطقة”. وقال المصدر الغربي والمصدر العراقي إن المصانع المستخدمة في تطوير صواريخ بالعراق توجد في الزعفرانية شرقي بغداد وجرف الصخر شمالي كربلاء. وقال مصدر إيراني إنه يوجد مصنع أيضا في كردستان العراق. وتسيطر على بعض هذه المناطق فصائل شيعية منها كتائب حزب الله، وهي واحدة من أقرب الجماعات إلى إيران. وذكرت ثلاثة مصادر أن عراقيين تدربوا في إيران على كيفية استخدام الصواريخ. وقال المصدر بالمخابرات العراقية إن مصنع الزعفرانية أنتج رؤوسا حربية ومادة السيراميك المستخدمة في صنع قوالب الصواريخ في عهد الرئيس الراحل صدام حسين. وأضاف أن جماعات شيعية محلية جددت نشاط المصنع عام 2016 بمساعدة إيرانية. وتابع المصدر قائلا إنه تمت الاستعانة بفريق من المهندسين الشيعة ممن عملوا في المنشأة في عهد صدام، بعد فحص سجلاّتهم، لتشغيل المصنع. وقال إنه جرى اختبار الصواريخ قرب جرف الصخر. وجرف الصخر منطقة بساتين ومزارع تقع جنوبي العاصمة بغداد غزاها تنظيم داعش سنة 2014 وخاضت الميليشيات الشيعية حربا شرسة لطرده منها، لكنّها استولت عليها بعد طرد سكّانها من أبناء الطائفة السنية وتغيير اسمها إلى “جرف النصر”، وما تزال إلى اليوم تمنعهم من العودة إلى ديارهم وتوجّه إلى كثير منهم تهمة التواطؤ مع التنظيم المتشدّد. وتأتي هذه المعلومات بعد يوم واحد من نشر صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، مقتطفات من محاضر تحقيق مع زعيم حركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، خلال مرحلة احتجازه من قبل الجيش الأميركي، حيث تحدث عن خطط التدريب والتسليح الإيرانية التي نفّذتها إيران لصالح ميليشيات مسلحة تنشط في العراق. ويقول مراقبون إن “ملامح التحضير لمواجهة بين طهران وواشنطن في بغداد، تتضح كثيرا”. وترفض السلطات العراقية المختصة التعليق على هذه التطورات. لكن مصادر “العرب”، أكدت صدور أوامر عراقية للقوات المسلحة بالتأهب. ويقول مراقبون، إن “الحديث عن صواريخ باليستية إيرانية في العراق، سيثير غضب الولايات المتحدة، وربّما يدفعها إلى رد استباقي عنيف”. وعلى غرار ما حدث في سوريا بشكل متقطع، يتحدث المراقبون عن إمكانية شن غارات أميركيـة على مواقـع تابعة لميليشيات إيرانية داخل الأراضي العراقية، ولا سيما قرب الحدود الغربية للبلاد، حيث يملك حلفاء طهران معسكرات كبيرة للتدريب وتمويل العمليات داخل الأراضي السورية. وتشير تقديرات محلية إلى أن اثنتين على الأقل، من الميليشيات العراقية الموالية لإيران، يمكن لهما التورط في مواجهة مسلّحة مباشرة مع القوات الأميركية المتواجدة في العراق، هما كتائب حزب الله العراق وحركة النجباء. وتقول التقديرات، إن حركة عصائب أهل الحق، بزعامة الخزعلي، وهي إحدى أقوى الميليشيات الشيعية العراقية “لا يمكنها المشاركة علنا في مواجهة مع الولايات المتحدة، نظرا لأن لديها تمثيلا سياسيا في البرلمان العراقي”.
مشاركة :