(رسالة إلى عمر الخيام) هو ديوان شعر صادر عام 1433هــ عن (دار المفردات) للنشر والتوزيع بالرياض، بالاشتراك مع نادي (حائل الأدبي) للشاعر سليمان عبد العزيز العتيق. وعلى الرغم من الخصوصية التي اتسم بها عنوان هذا الديوان أو مسماه، إلا أن من يتصفحه سيجد أن محتواه أشمل وأعم من تلك الرسالة الشعرية المطولة التي خص بها شاعره (عمر الخيام) كرمز شعري له مكانته الشعرية المعروفة في ذاكرة أدبنا العربي -بقديمه وحديثه- وخاصة لدى أولئك المهتمين بحقل الآداب المقارنة، وعلاقة الأدب العربي بالأدب الفارسي تحديداً أو العكس، وتأثير كل منهما أو تأثره بالآخر. وعلى أي حال لم يكن (الخيام) غير جزئية واحدة واقعة ضمن جزئيات متعددة تضمنها هذا الديوان، وتناولها من وجوه مختلفة عن بعضها، واختلف باختلافها، المضمون عن المسمى. ومهما يكن، تظل مسألة اختيار العنوان أو المسمى المناسب لأي عمل إبداعي مكتوب أو مطبوع أو منشور بأي وسيلة إعلامية كانت مسألة متروكة لصاحب العمل ليتصرف بها حسب ما يتوافق مع رؤيته كمبدع، فضلاً عن انها مسألة ثانوية لا ينبغي أن تشغل بالنا كثيراً، لا بالنسبة لنا كمبدعين، ولا بالنسبة لنا كقراء أو متلقين للإبداع، بقدر ما يهمنا تماماً التركيز على ما وراء العناوين، أي الولوج إلى النص، وفتح مغاليقه، واكتشاف مواطن الجمال المتوارية بين ثناياه، والتي لا يقدر على اكتشافها واستقرائها إلا من يمتلك الأدوات الفنية اللازمة للتعامل مع (حيثيات) النص الأدبي، ابتداء من الكلمة المفردة كوحدة أساسية في بناء هذا النص أو ذاك، وقبل أن تدخل في تركيب أو بناء جملة من الجمل، أو في عبارة من العبارات، ومروراً بتطورها حين تخرج من جزئية المدلول الى شموليته، لتكون طرفاً فاعلاً ومؤثراً في تكوين الصورة المبتغاة، والتي لن تكون -بدورها- سوى حلقة في سلسلة صورية هي البنية الكلية المتكاملة للنص ككل في نهاية الأمر!! لقد كان من الواضح لمتصفح هذا الديوان أن (العتيق) ليس شاعراً فحسب، وهذا مما لا نختلف عليه، وإنما كان أيضاً مثقفاً وقارئاً، ومطلعاً على آداب الشعوب الأخرى، وثقافاتها، بدليل وجود كثير من نماذج (التناص) مع الآخر، وتلك (التهميشات) التي أثرى بها ديوانه، والتي اقتطفها من أعمال أدبية أو مقولات معروفة -قديمة وحديثة- لثلة من أدباء اللغات العالمية الأخرى أو مثقفيها ومفكريها بعد ترجمتها للعربية، وهي جميعها لأسماء بارزة حلقت في سماء الأدب العالمي من أمثال (على عزت بيجوفتش) و(ريلكه) و(إليوت) و( طاغور) و(داوتشين) وغيرهم. ولكن يبقى الجانب الإنساني الأكثر بروزاً في الديوان، وأكثر تأثيراً في قارئه هو ذلك الجانب المتعلق برثاء الشاعر لزوجته -رحمها الله- وهو الجانب الوحيد الذي ظل حاضراً منذ الصفحات الأولي للديوان، وفيما تلا ذلك من صفحاته حتى نهايتها. ومن أبرز تلك النصوص التي رثى بها زوجته ما جاء تحت عنوان (ثلاث مرثيات لزوجتي) إذ يقول من ضمنها: أبوح بوهج الشوق والحب والوجد... إذا ما ذرفت الدمع منفرداً وحدي ويغمرني وجدي بأرض خلية... أنادي بأعلى الصوت: ياعزوتي ردي وأعلم أن الموت قد حال بيننا.. ورفعي لصوتي بالمناداة لا يجدي. (1) إن شجاعة الحب والإخلاص والوفاء لشريك الحياة سواء كان رجلاً أو امرأة هي ما جعلت (العتيق) في قلوب من يقرأونه وعيونهم اكثر من مجرد شاعر، أو مثقف أو أديب، بل إنه إنسان في المقام الأول، قبل أن يكون أي شيء آخر. ويتجلى ذلك في حبه الشديد لرفيقة دربه في هذه الحياة، وحزنه عليها حزناً شديداً، ترجمه إلى شعر ينبض بالأسى واللوعة والحسرة البالغة لفقدانه لها! ومن هذا الجانب الإنساني الشعري يمكن ان نقول إن (العتيق) قد اعاد لذاكرتنا وذائقتنا (أدب الأزواج) أو (رثاء الزوجات) من جديد بعد ان كدنا نفتقده من مشهدنا الشعري العربي الحالي، وخاصة في مجتمع محافظ جداً كمجتمعنا، تتحاشى ثقافته وعاداته وتقاليده الصارمة ذكر العلاقات الإنسانية القائمة بين الأزواج وزوجاتهم في بيت الزوجية، وكأنها قد أصبحت من المحرمات أو الممنوعات التي ينظر عامة المجتمع إلى من يتحدث عنها بعين الازدراء أو السخرية. وهذا ما أشار إليه الشاعر بقوله في (توطئة) افتتح بها مرثياته لزوجته حيث ورد قوله: (رثاء لزوجتي رحمها الله، ذلك القلب الذي افتقدته.... جرير يستحي أن يزور قبر زوجته وأنا أجد نفسي عندما أرثيك). (2) (1) الديوان، ص 119 (2) الديوان، ص 107
مشاركة :