وردت عدة أحاديث من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على فضيلة إنظار المعسر وثواب إبرائه، منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان تَاجِرٌ يُدَايِنُ الناس فإذا رَأَى مُعْسِرًا قال لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عنه، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ الله عنه» (رواه البخاري، برقم 1972). وتوضح هذه القصة الواقعية مثالاً ونموذجاً لصاحبها التاجر علي نقي النقي رحمه الله تعالى، والذي عرف بسماحته وطيبة نفسه وعفوه عن الناس وجميل أخلاقه، وقد روى غير واحد من أصدقائه التجار أن التاجر علي نقي النقي رحمه الله تعالى كانت لديه دفاتر يسجل فيها الأموال التي له عند هؤلاء التجار وغيرهم، وكان إذا حان وقت سدادها واستيفائها منهم ونمى إلى علمه أنهم لا يستطيعون السداد كان يتغاضى مباشرة عنها، بل إنه من سماحته وطيب نفسه كان يسجل أمام كل منها عبارة «تم السداد»، وإذا قام أحد هؤلاء المعسرين بزيارته لطلب السماح أو طلب مهلة إضافية لكي يستطيع سداد ما عليه كان يبلغه بأن هذه المبالغ تم سدادها وسلمت إليه وبرؤت ساحته من أي مطالبات أو ديون. ومن المواقف الطيبة، أيضاً، ما رواه التاجر عبدالعزيز الدعيج أنه اشترى من التاجر علي نقي النقي عقاراً من دون أن يدفع له قيمة ذلك العقار (كان موقع هذا العقار في شارع مبارك الكبير تحديداً بين البنك التجاري وبنك الخليج مروراً بسوق المناخ)، وقام التاجر علي النقي بتسجيل العقار باسم التاجر عبدالعزيز الدعيج قبل أن يتسلم منه أي مبالغ من ثمن العقار، فمع ضخامة مبلغ هذا العقار، فإن التاجر علي النقي سارع بتسجيله باسم التاجر الدعيج قبل أن يقبض ثمنه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ثقته بنفسه وبالآخرين، والتزامه بكلمته، وطيب أخلاقه. كذلك يروي الحاج يوسف كمال أنه اتفق شفهياً مع التاجر علي نقي النقي على شراء عقار نظراً لخبرة التاجر علي النقي في مجال تجارة العقار على أن يقوما ببيعه لاحقاً والربح من وراء ذلك البيع، ولما تم بيع العقار بالفعل فوجئ التاجر يوسف كمال بالتاجر علي النقي يسدد له حصته كاملة في الربح على الرغم من أنه لم يدفع سابقاً أي مبالغ من قيمة العقار، بل إن الذي اشتراه كاملاً هو التاجر علي نقي النقي، إلا أنه التزم بهذا الاتفاق الشفهي وأرسل للتاجر يوسف كمال كامل حصته في المكسب. ومن الجدير بالذكر أن هذه المواقف وغيرها الكثير كان التاجر علي نقي النقي رحمه الله لا يحب أن يذكرها أو يتفاخر بها أمام الآخرين، تواضعاً منه ورغبة في تحصيل الثواب من خالقه ومولاه سبحانه وتعالى. وهكذا ضرب التاجر علي نقي النقي رحمه الله تعالى مثالاً واقعياً يحتذى في التسامح والعفو، فكان رحمه الله يؤثر التسامح والعفو عن أصدقائه التجار والمعسرين وأصحاب الديون على مطالبتهم وإثقال كاهلهم، وكذلك ضرب المثل والقدوة الحسنة في الالتزام بكلمته والوفاء بعهده والإحسان إلى الناس جميعاً. وهكذا كان حال الكثير من آبائنا من أهل الكويت الكرام وتجار الكويت كذلك، فقد تواترت القصص العجيبة التي تحكي مآثرهم وتوضح تسامحهم وتواضعهم ووفاءهم بكلمتهم، فضربوا أروع الأمثلة في الطهر والنقاء وصفاء القلب، وتعددت محاسنهم وذكر الجميع مآثرهم. (المصدر: «محسنون من بلدي» – الجزء الثاني عشر – ط1 – الكويت: بيت الزكاة، 2017م – مستشار التحرير د.عبدالمحسن عبدالله الجارالله الخرافي). د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي ajkharafi@yahoo.com www.ajkharafi.com
مشاركة :