«المجتمع يحترم الوحوش، ولا يخشى الضعفاء!»هذه فحوى الرسالة التي حملتها مسرحية «وحش الفردوس»، التي قدمتها فرقة المسرح الشعبي - أول من أمس - ضمن فعاليات مهرجان «ليالي مسرحية كوميدية» في دورته الرابعة، الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب على خشبة مسرح «الدسمة» في الفترة من 1-9 من شهر سبتمبر الجاري. والعرض مأخوذ عن مسرحية للكاتب التركي عزيز نيسين بعنوان «وحش طوروس».علي البلوشي مُعد ومخرج المسرحية، وضع الروح الكويتية في هذا العمل الذي ينتمي إلى فئة «الكوميديا السوداء»، عبر تحويله النص إلى اللهجة المحلية، ومن خلال اللعب على العنوان، بعدما اختار اسما لمنطقة مشهورة في الكويت هي منطقة الفردوس، لكنه وفي المقابل حافظ على الروح الأساسية للقصة. تدور أحداث المسرحية، حول أسرة مكونة من الزوج والزوجة والابن والابنة، يعيشون في إحدى الشقق بالإيجار، إذ يحاول صاحب العمارة إخراجهم منها لكنهم يرفضون ذلك، حينئذٍ يعمد على إزعاجهم بشتى الطرق، مستخدماً أشخاصاً ليسكنوا في الشقة العليا، وظيفتهم الأساسية إحياء الحفلات الماجنة كل ليلة لإزعاج هؤلاء المستأجرين، بينما أتاح الشقة السفلى لقاتل مأجور، لكن من دون جدوى! في غضون ذلك، تحاول الزوجة المتسلطة أن تدفع زوجها لإيقاف ما يحصل من أذية لهم عبر مواجهة هؤلاء الناس، غير أن الزوج كان يتحاشى ذلك دائماً، حتى تمكنت مع أبنائها بالضغط عليه للذهاب إلى مخفر الشرطة لتقديم شكوى رسمية ضد صاحب العمارة. وهناك ألقي القبض على الزوج، لتشابه كبير بينه وبين مجرم فار من العدالة منذ 30 سنة يدعى وحش الفردوس. وعندما شاع الخبر بين الناس، تغيرت معاملة الجميع له ولعائلته خوفاً من أن ينتقم منهم فور خروجه من السجن، وبالفعل هذا ما حدث عندما أطلق سراحه، حيث تراجع صاحب العمارة عن إخراج هذا الرجل من مسكنه، كما أن القاتل المأجور الحقيقي الذي يقطن في الشقة السفلى يطلب منه السماح، بل حتى إن الزوجة المتسلطة أصبحت تخاف وتحترم زوجها، على عكس ما كانت عليه الحال في السابق. لكن الشخص الذي كان يقيم الحفلات الماجنة في الشقة العليا لم يصدق ما تمت إشاعته، وهو ما يدفعه إلى أن يقدم خياران لا ثالث لهما، إلى ذلك الرجل الذي خرج من السجن، هما إما أن يبقى كالحيوان في مكانه، أو أن يصعد إلى الأعلى معه، ليكون وحش الفردوس!كما نعلم أنه لكل عمل مسرحي هناك إيجابيات وسلبيات، حيث إن الآراء تختلف وتتفاوت، ومن خلال هذا العمل لمسنا الكثير من الاسقاطات الاجتماعية إلى جانب الاسقاطات السياسية، التي يمتاز نيسين في صياغتها من خلال ما يكتبه. ففي هذا النص تحديداً لمسنا مهاجمة المجتمع الذي يحترم ويهاب الوحش والمتمرد والخارج عن القانون، بالمقابل لا يحترم الإنسان المحترم المسالم والبعيد عن المشاكل. على صعيد الأدوات المسرحية، استخدم البلوشي ديكوراً كلاسيكياً بعيداً عن الفنتازيا والمبالغة معبراً عن المكان المقصود بالنص، كما كان تبديل اللوحات يتم بالطريقة الكلاسيكية أيضاً، عن طريق إغلاق الستارة ثم فتحها مجدداً في المشهد الجديد، وهكذا هو حال الإضاءة، التي لم تكن بحاجة إلى -فرد العضلات- باعتبار أن النص لا يحتمل ذلك، أما الأزياء فكانت مناسبة لكل شخصية وجاءت متناسقة مع المكياج البسيط.وفي ما يتعلق بالأداء التثميلي، فقط حازت الممثلة الشابة إيمان فيصل التي جسدت شخصية الزوجة إعجاب الجمهور، حيث أثبتت براعتها في تقمص الدور بصورة جميلة، وتفننت بأداء المرأة المتسلطة بكل اقتدار، وهنا لا نبخس أيضاً بقية الممثلين، الذين جسدوا أدوارهم بإتقان، وفي مقدمهم الفنان محمد عاشور، الذي أطلّ بشخصية دور الزوج، وعبدالله الحمود الذي جسد شخصية الابن المصاب بما يعرف بصعوبة النطق «التأتأة»، بالإضافة إلى الفنانة بشاير الشنيني التي قدمت شخصية الابنة ببراعة، وهذا كله يدلل على وجود مخرج متمكن من أدواته المسرحية وأجاد استخدامها بالصورة الصحيحة، بعدما أدرك جيداً إمكانات الممثلين.يُذكر أن المسرحية من تأليف الكاتب التركي عزيز نيسين، إعداد وإخراج علي البلوشي، ومن بطولة محمد عاشور وإيمان فيصل وعبدالعزيز النصار وعبدالله الحمود ونصار النصار وبشاير الشنيني ومحمد ملك ومشعل العيدان وماجد البلوشي ويوسف الهاجري ونواف شحيتاوي. أما الموسيقى فقد حملت توقيع عبدالعزيز القديري، بينما تولى كل من محمد الفيلكاوي وحسن باش العزف الحي مع الغناء، الديكور مع الأزياء لأسماء البلوشي، والإضاءة لفاضل النصار، مكياج دلال الردهان، وإشراف عام الدكتور نبيل الفيلكاوي.
مشاركة :