راوَحَ مسارُ تأليفِ الحكومةِ الجديدة في لبنان أمس بين رغبةِ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في ولادتِها قبل سَفَرِه الى بروكسيل في 11 و 12 الجاري تلبية لدعوة من الاتحاد الأوروبي وبين حرص الرئيس المكلف سعد الحريري على بلوغ «النهاية السعيدة» استناداً الى تشكيلةٍ متوازنةٍ ووفق صيغة «حلّ وسط» تُدوَّر معها زوايا التعقيدات الرئيسية التي تتحكّم بهذا الملف منذ 24 مايو الماضي.وشهد يوم أمس ذروة الاتصالات التي كان الرئيس الحريري أطلقها الأسبوع الماضي لإحداث كوة في جدار المأزق الحكومي وذلك بزيارته القصر الجمهوري ولقائه الرئيس عون بعيد اجتماعٍ عقده مع رئيس «التيار الوطني الحر» (حزب عون) وزير الخارجية جبران باسيل وكان جرى التعاطي معه على أنه سيكون مفصلياً في تحديد مسار الأزمة الحكومية نحو منحى انفراجي أو في اتجاه المزيد من التعقيد.وتمحورتْ المرحلة الختامية من الجولة التفاوضية الجديدة التي أطلقها الرئيس المكلف حول تنازلاتِ الحدّ الأقصى التي قدّمها كل من حزبيْ «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، الأولى بقبولها بالتراجع عن مطلب 5 وزراء وعن موقع نيابة رئاسة الحكومة والحقيبة السيادية مقابل الحصول على أربعة وزراء بأربع حقائب أي بلا وزارة دولة، فيما لم يقفل الثاني (التقدمي) الباب، بحال وافَقَ فريق عون على حصة «القوات»، أمام التراجع عن مطلب حصْر التمثيل الدرزي به والسير تالياً بخيار وزيريْن «صافييْن» مع ثالثٍ يشترك فيه مع كل من رئيس البرلمان نبيه بري والحريري ولا يكون بطبيعة الحال النائب طلال ارسلان.وفيما بدا ان هذا السقف الذي وصل إليه كل من «القوات» و«التقدمي» هو «آخر كلام» لدى هذين الفريقيْن اللذين يصرّ الحريري على مراعاتهما بهذا الحدّ لاعتباراتٍ تتّصل بالتوازنات السياسية ذات الامتدادات الاقليمية داخل الحكومة الجديدة التي يعاينها عن كثب المجتمع الدولي، فإنّ الرئيس بري، الذي كان أخذ على عاتقه إيجاد مَخْرج للعقدة الدرزية، عبّر أمس عن انتقاله من مرحلة «التشاؤل» في مقاربة مسار الملف الحكومي الى التفاؤل ولا سيما بعد اجتماعات الساعات الماضية بين المعنيين.وإذ حمَل الحريري الى قصر بعبدا «صيغة الحلّ الوسط» لجهة توزيع الحصص بين الأحزاب والقوى السياسية، على ان تليها بحال جرت الموافقة عليها، مرحلة التفاهم على توزيع الحقائب على الأطراف المشارِكة في الحكومة ثم الأسماء، بدا الرئيس المكلف في كلامه عقب اللقاء مع عون حذراً في توقُّعاته وإن كان أكد أنه للمرة الأولى صيغة (من دون أسماء) الى رئيس الجمهورية «مختلفة كثيراً» عما سبق ان عرَضه سابقاً «ولا يملك تفاصيلها إلا فخامة الرئيس وأنا، ولم يجرِ التشاور في شأنها مع أحد، ولا علاقة لها بلقائي مع الوزير باسيل».وأكد الحريري ان الصيغة التي قدّمها هي لحكومة وحدة وطنية «لا مُنْتَصِر فيها ولا مهزوم، وبحيث ان كل الافرقاء يقدمون التضحية بشكل ما، وعلى هذا الاساس انطلقتُ بالصيغة التي سلّمتُها الى الرئيس عون وإن شاء الله يكون الكلام انطلاقاً منها وسنستمر بالتشاور ونرى». وعما اذا كان متفائلاً، شدّد على «أنني دائماً متفائل عندما أزور الرئيس عون وكلانا نضع مصلحة البلد أمامنا ونتصرف على هذا الأساس، ولنبقَ إيجابيين وهذه صيغة مبدئية ولنرَ اذا كان يمكن ان نصل الى مكان»، موضحاً ان الصيغة لم تتضمّن أسماء «فهذه تحتاج الى تشاور مع أفرقاء آخرين» بعد مرحلة التوافق على الصيغة.إلى ذلك، لم يكن ينقص لبنان «المرتبك» بإزاء ملف نحو 1.5 مليون نازح سوري والتفاهم على «خريطة طريق» واحدة لعودتهم، حتى باغته قرار واشنطن وقْف تمويل وكالة «الأونروا» والذي دَفَعَ ملف اللجوء الفلسطيني الى الواجهة.وإذا كان عنوان «التوطين» الذي استُخدم من بعض الأطراف ولا سيما الخارجية في معرض إطلاق «معركة» إعادة النازحين السوريين اعتُبر «تهويلياً» وبمثابة «فزّاعة» ليس أكثر، فإنه في قضية الفلسطينيين يصبح أكثر واقعية أقلّه في نظر غالبية القوى اللبنانية التي ارتابت من الخطوة الأميركية وعبّرتْ عن مخاوف من ان تكون في إطار مسارٍ لدفْن «حق العودة» وتوطين فلسطينيي الشتات.وكان بارزاً ان باسيل اجتمع امس مع سفراء الدول المضيفة والمانحة والمعنية بملف «الأونروا» كما بسفراء بعض الدول التي تضم منظمات او جمعيات تعنى بشؤون اللاجئين داعياً السفراء لإبلاغ حكوماتهم بخطورة الوضع وطالباً استمرار المساهمة في تمويل الاونروا «فهذه مسألة حياة او موت»، وذلك غداة إطلاقه موقفاً تصعيدياً بوجه واشنطن سائلاً «ماذا تُخبّئ صفقة العصر بعد الاعتراف بالقدس عاصمةً لاسرائيل؟ (...) لن نقبل لا بالتوطين ولا بالتقسيم».واذ طالب بري بـ«عقد اجتماع عاجل للجامعة العربية من أجل إصدار قرار بتمويل «الأونروا»، افتتحت المنظمة عامها الدراسي في لبنان أمس علماً أنها تقدّم خدمات التعليم لـ 31.753 تلميذاً في 69 مدرسة، كما تتولى إدارة مركزين للتدريب المهني يقدّمان خدماتهما لـ1.082 تلميذاً».يُذكر ان «الاونروا» تشير الى ان عدد اللاجئين الفلسطينين في لبنان المسجلين على لوائحها يبلغ 463664 مقابل إحصاءٍ أعلنت نتائجه السلطات اللبنانية في ديسمبر الماضي وتحدّث عن وجود 175 ألفاً في«بلاد الأرز».
مشاركة :