لم تعد الدورات التدريبية تتعلق بتعليم المهارات العملية والوظيفية وتنمية الذات فقط، بل دخلت إليها خلال الفترة الأخيرة بعض العناوين الأدبية كالشعر والرواية، حيث يعد المدربون في هذه الدورات بتحويل المتدربين إلى مؤلفين محترفين، وهو الأمر الذي أثار جانبين من ردود الفعل، يرى أحدهما أن تدريبا من هذا النوع قد يسهم في تطوير المنتج الأدبي ولا يجعله رهينا لمحاولات ارتجالية، فيما يرى الآخر أن الدورات قد تعزز مهارات في مجالات عدة، ولكنها لا تصنع أديبا. المصنوع قد يغلب المطبوع الشاعر محمد العتيق هو أحد الذين قدموا برامج تدريبية وورش عمل عدة في مجال كتابة النص والمحتوى، وقد وصف الموضوع بأنه محط نقاش أزلي بين النقاد والأدباء، مضيفا «الدورات الأدبية مفيدة في تعليم الصنعة وتحسين المنتج الأدبي، هناك شاعر مطبوع وهناك آخر مصنوع، وهذا الأخير قد يتفوق لأنه يعرف كيف يصوغ العبارة من خلال إدراكه تطور اللغة واستخداماتها، كما أنه ينطلق أحيانا من مرجعية معرفية ونقدية حتى لو لم يكن يملك مرجعية إكاديمية». ويضيف العتيق «بإمكان الدورات أن تصنع أديبا ناجحا وتسرع عملية نجاحه ولكن ليس بإمكانها أن توجد هذا الأديب من العدم، كما أنها لن تفرض الاهتمام الأدبي على من لا يملكه، في المقابل فإنها قادرة على مساعدة شخص يحب القصائد ويتمتع بالحس الأدبي المرهف وجعله يتطور بشكل كبير، الموضوع يرتكز على أسس علمية وواضحة وتعلمها ليس بأمر مستحيل ولكنه بالتأكيد ليس أمرا سهلا». صقل وتصحيح أخطاء من جانبه، يقول عبدالله الداود، مؤلف كتاب «كيف تكون كاتبا بارعا؟» «الكتابة نوعان، كتابة إبداعية والمقصود بها الكتابة الأدبية كالمسرح والقصة والدراما والرواية وهذه لا بد فيها من وجود الحس الكتابي والمهارة والرغبة لدى الكاتب، وفي هذه الحالة فإن القراءة والدورات تصقل الموهبة وتحسن الجانب الكتابي وتضيف له وتصحح له بعض المفاهيم الخاطئة، ولكنها لن تصنع كاتبا مميزا». فيما يرى أن الدورات يمكن أن تكون مفيدة في النوع الثاني من الكتابة هو ذلك الذي يدخل في إطار الكتابة العلمية والمهنية ويقوم على قواعد معينة، ومن أمثلته كتابة البحوث أو التلخيص ومراجعات الكتب وغيرها، موضحا «هذه أشياء يمكن تعليمها من خلال ما يتلقاه الكاتب من معلومات ودورات، وهذا موجود في الجامعات مثلا، حيث يتعلم الطلاب منهجية بناء البحث والإشارة إلى المراجع وغيرها». لا يعتمد عليها وحدها فهد الدعجاني هو أحد المستفيدين من دورات فنية وثقافية عدة، خاصة في مجال الكتابة، يقول عن هذه التجربة «غالبا ما تكون الدورات قصيرة جدا، ونحن لا نتحدث عن أيام، وإنما عن ساعات في بعض الأحيان، فنلاحظ أن بعضها أشبه ما تكون بمحاضرة دراسية واحدة ورغم هذا يخرج المتدرب باستفادة كبيرة». ويرى الدعجاني أن مثل هذه الدورات، خاصة في كتابة السيناريو تتيح الفرصة للكتاب المبتدئين لكسب معارف وأصدقاء وتبادل الخبرات والتجارب بينهم وأيضا بينهم وبين المدرب الذي غالبا ما يكون لديه كثير من المخزون المعرفي بحكم عمله في هذا المجال، مضيفا «هذه الدورات تصقل موهبة المتدرب ومهما كانت صعوبة البداية إلا أنها ستتيح لمحبي الكتابة فرصة التحول إلى كتاب مميزين ومحترفين، بشرط ألا يتوقفوا عن القراءة والكتابة في آن معا». الحد الأدنى المطلوب من جانبها، ترى نادية علي، وهي مهتمة بالقراءة، أن تدريب مبادئ الكتابة يعد أمرا أساسيا للارتقاء بالذوق الأدبي والحد من وجود إصدارات ضعيفة، مشيرة إلى أن الإبداع قد يكون هدفا للكاتب، وقد يتفاوت تحقيقه بحسب كل تجربة وموهبة، ولكنه ما يتفق عليه الجميع هو امتلاك الأسس الفنية واللغوية وعد الوقوع في العشوائية البحتة في التأليف.
مشاركة :