دمشق - تدرك تركيا أنها اليوم الطرف الأهم في تحديد مصير محافظة إدلب السورية، فروسيا تصر على استعادتها من المعارضة والتنظيمات المتشددة وهي لا تستطيع ذلك دون موافقة أنقرة لأن ذلك سيعني المزيد من التعقيدات التي بدأت ملامحها تبرز في الأفق، بالمقابل فإن الولايات المتحدة وباقي حلفائها الغربيين يحاولون إقناع الأخيرة بالوقوف في وجه خطط موسكو وتبني الموقف القائل بوجوب حل معضلة المحافظة ضمن التسوية السياسية للأزمة. وتكتسي إدلب المتاخمة لحدود تركيا أهمية استثنائية بالنسبة للنظام السوري وحليفيه روسيا وإيران، باعتبارها آخر أبرز معاقل المعارضة والتنظيمات المتشددة في سوريا، وعلى أنقاضها سيتم تحديد المستقبل السياسي لهذا البلد. وقالت وزارة الخارجية الروسية، الأربعاء، إن من واجب روسيا قتال الإرهابيين في إدلب لحين “القضاء عليهم بشكل كامل ونهائي” ودعت الدول الأخرى إلى دعم ذلك الجهد. وأضافت الوزارة في بيان أن إجراءاتها في إدلب تتماشى مع الاتفاقيات متعددة الأطراف التي تستهدف القضاء على المتشددين. وتحاول روسيا وإيران إقناع تركيا بالانضمام إلى خططهما العسكرية في إدلب، أو أقله عدم عرقلتها، فيما تنشط الدبلوماسية الأميركية والغربية في الفترة الأخيرة للحيلولة دون ذلك، ليس فقط لجهة ما قد تتعرض له المحافظة من مجازر في صفوف المدنيين الذين يقدر عددهم بـ 3 ملايين نسمة، بل وأيضا لأن نجاح النظام وداعميه في استعادتها سيعني انتصارا لهذا الحلف، ولعل الأخطر من ذلك أن إيران ستتمكن عندها من تثبيت وجودها العسكري هناك، وهذا يشكل خطا أحمر بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل وأيضا باقي دول المنطقة. ويشير مراقبون إلى أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة (الثلاثاء) على مواقع إيرانية في محافظة حماه الحدودية مع إدلب لها ارتباط وثيق بما يدور من تصعيد بخصوص الأخيرة، خاصة وأن في خضمه عمدت دمشق إلى توقيع اتفاقية دفاعية مع طهران لشرعنة وجودها الدائم في هذا البلد. وقالت الرئاسة الروسية “الكرملين”، الأربعاء، إن الوضع في محافظة إدلب يشكل مصدر قلق متزايد بالنسبة لموسكو. وتأخذ الاتصالات مع الجانب التركي أهمية خاصة بالنسبة لموسكو، فيما أنقرة لا تزال تراوغ وتتمسك بسياسة الغموض حتى اللحظات الأخيرة ما قبل القمة الثلاثية التي ستنعقد الجمعة في طهران بين الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني. ونقلت صحيفة حريت التركية عن الرئيس رجب طيب أردوغان قوله إن تركيا تأمل في أن تسفر القمة المرتقبة عن الحيلولة دون شن الحكومة السورية هجوما على محافظة إدلب. دميتري بيسكوف: الوضع في محافظة إدلب يشكل مصدر قلق متزايد بالنسبة لموسكو دميتري بيسكوف: الوضع في محافظة إدلب يشكل مصدر قلق متزايد بالنسبة لموسكو وشدد على أنه “إذا تعرضت المحافظة لقصف صاروخي، لا سمح الله، ستكون هناك مذبحة خطيرة للغاية”. وكان أردوغان تحدث للصحافيين على متن الطائرة لدى عودته من زيارة رسمية إلى قرغيزستان عن تدفق محتمل للاجئين من إدلب على تركيا في حالة شن الهجوم على إدلب. وقال “في مثل هذه الحالة، إلى أين سيذهب الفارون؟ عدد كبير منهم سيأتي إلى تركيا”. ويرى مراقبون أن مسألة النازحين وإن كانت لها أهمية خاصة بيد أن هذا ليس فعلا ما يشغل بال أنقرة لأنه بالإمكان فتح روسيا لممرات آمنة لعبور الفارين كما أن يتم احتضانهم في ريف حلب الشمالي حيث تسيطر تركيا مباشرة على الأرض، إلا أن ما يشغل بال أنقرة حقيقة هو كيف يمكنها استثمار الزخم الحاصل حول إدلب الآن قدر الإمكان لتحقيق مكاسب سياسية ثمينة. ومعلوم أن التعاون بين تركيا وروسيا الذي بدأ منذ العام 2016 انطلاقا من حلب، لم يكن نتاج وجود توافقات في ما بينهما بشأن الأزمة السورية بل هما على طرفي نقيض فتركيا تدعم المعارضة فيما روسيا تدعم النظام، لكن هذا التعاون كان رد فعل تركي على التعاطي الأميركي في سوريا الذي بدا مترددا لجهة إسقاط النظام السوري، والأهم هو توجه واشنطن لدعم الأكراد واعتبارهم شريكا أساسيا في الحرب على تنظيم داعش. وتنظر تركيا لأكراد سوريا على أنهم امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض معركة في جنوب شرقي تركيا لتحقيق حلم الانفصال، وتعتبر أنقرة أن منح أكراد سوريا حكما ذاتيا أو امتيازات خاصة في شمال شرقي سوريا المحاذي لها هو تهديد لأمنها القومي. ويشير مراقبون إلى أن التعاون الروسي التركي فرضته الضرورة، ولكن تركيا مستعدة لإعادة النظر فيه والعودة إلى الشريك في حلف الناتو (الولايات المتحدة) في حال اتخذت الأخيرة قرارها بالتخلي عن الأكراد. وأعرب أردوغان الأربعاء عن عدم رضاه عما اعتبره التباطؤ الحاصل في تنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها في يونيو بين أنقرة وواشنطن بشأن منبج في شمال سوريا. وتنص الخارطة على تسيير القوات التركية والأميركية دوريات مشتركة هناك لإخلاء المنطقة من مسلحي وحدات حماية الشعب، القوة الكردية الرئيسية في سوريا. وقال “لسنا في موقف مثالي (بشأن منبج). للأسف، الاتفاق الذي تم التوصل إليه لا يمضي قدما”. وقبله كان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد أبلغ الممثل الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، خلال زيارته لأنقرة الثلاثاء، عن وجوب مغادرة المسلحين الأكراد الأراضي السورية بشكل كامل، فيما بدا مقايضة تقوم على أن تتخلى تركيا عن التعاون مع روسيا في إدلب شريطة أن تتخلى واشنطن عن دعم الطرف الكردي. ويستبعد مراقبون أن ترضخ واشنطن للشرط التركي، لافتين إلى أن أنقرة تعي ذلك إلا أنها تريد تحسين وضعها التفاوضي مع روسيا بخصوص ما قد تحصل عليه في حال ساعدتها في إدلب. ومن الواضح أن تركيا تريد تعهدا من روسيا والنظام بعدم تمكين الأكراد من أي امتيازات، فضلا عن إشراك الفصائل الموالية لها الذين قامت بتجميعهم ضمن تحالف أطلقت عليه “جبهة التحرير الوطني” عند بحث الحل السياسي. وفيما بدا رسالة موجهة لتركيا اعتبر وزير المصالحة في النظام السوري علي حيدر أن شمال شرق سوريا الذي يهيمن عليه الأكراد لن يلقى معاملة خاصة بل سيعامل مثل مناطق البلاد الأخرى.
مشاركة :