المثقف والتاجر.. توجسات تعمق القطيعة

  • 9/6/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الحرز: قيم المثقفين لا تقبل المساس السماعيل: تسليع الثقافة يؤرق المبدعين د. باغفار: التنازلات "صحية" في هذه الحالة كلما كتب أو قرأ المبدع كلما تشكل بداخله عالمه الخاص الذي ينأى به عن السطح، ويأخذه إلى عوالم مختلفة تشكل فكره ورؤيته للأشياء من حوله، فلا يمكن أن نتجاهل تلك اللغة الخاصة التي يتكلم بها المبدع، والتي تضعه في مرتبة الأشخاص الذين لهم حالاتهم وتعقيداتهم، ولهم ما يؤمنون به وما يلون حياتهم، إنهم هؤلاء المهووسون بالتوحد مع عالم يتلبسهم في حال اليقظة وفي حال المنام، ويأتي لهم بأحلام صغيرة وأخرى كبيرة تتدحرج على أكتافهم كلما أمسكوا بأقلامهم ليكتبوا. ومن أجل ذلك تبنى بينهم وبين رجال الأعمال الحواجز العالية التي يباركون علوّ سقفها؛ لأنهم يؤمنون بأن لا تقاطع بين المال وبين الثقافة والفكر. فما حقيقة أن ليس هناك محيط مشترك يجمع المثقفين بالتاجر الباحث عن تنمية أمواله؟ ولماذا يبني المثقفون جسوراً عالية بينهم وبين التجار، ويجدون أن العلاقة بين الطرفين لا قاسم ولا شراكة فيما بينها؟ وما حقيقة أن ذلك التعالي من قبل المثقف يختفي حينما يوضع المثقف في موضع المسؤولية في مؤسسة ثقافية، بحثاً عن الدعم المادي من قبل التاجر؟ حيث كان لـ»الرياض» استقصاء حول هذا الموضوع مع عدد من المثقفين.. «منافع متبادلة» في البداية قال الشاعر والناقد محمد الحرز: إن طبقة المبدعين من المثقفين والكتاب يختلفون عن طبقة التجار، فلا توجد هناك مصلحة مشتركة ما بين التاجر والمثقف، حتى في بعض الأحيان نجد أن القيم تختلف، هناك اختلافات كبيرة في عالم المثقفين؛ فهناك من يؤمن بمبادئه والتي تكون عادة مثالية ويحاول أن يطبقها في واقعه، ومنهم من يحاول أن يكون واقعياً وأن يتعايش ويتقارب مع جميع فئات المجتمع والذي يشكل «التجار» جزءاً منه، فيحدث التواصل بينهما. ولكننا نستطيع أن نجزم بأن التاجر لا يبحث في علاقته بالمثقف عن المنفعة المادية، فهو لا يحتاج لذلك، بخلاف المثقف إذا ما افترضنا وجود بعض الأجندات التي يسعى إليها من خلال الثقافة، بحيث تكون الثقافة معبراً وجسراً يوصله إلى مبتغاه وهدفه، وهناك بعض المثقفين يرفض أن يربط قيمه بالمصلحة الشخصية. وأضاف: ما نرجوه أن تكون هناك قيم مشتركة بين الطرفين يتفقون عليها، فعلى سبيل المثال أن يقتنع رجل الأعمال بأن الثقافة جزء من تطوير المجتمع مادياً وثقافياً، وهذه هي المعادلة الأساسية المهمة. فحينما يستطيع المثقف إقناع التاجر أن استخدام المال في تطوير المعرفة الإنسانية يؤدي إلى تطوير رأس ماله سيكون أمراً مثمراً، إلا أننا لا نتوقع أن يقدم بعض المثقفين التضحيات بما يؤمنون به من قناعات وأفكار؛ لأن التعامل مع التاجر يحتاج إلى ذلك، وهذا به نوع من المنفعة، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود بعض رجال الأعمال الذين اقتنعوا بالثقافة وآمنوا بها واستطاعوا أن يقدموا لها بحسب رؤيتهم الشخصية. وأوضح الحرز أن علاقة المثقف بالتاجر علاقة اشتباك وهي علاقة معقدة، فهناك منحنى متبادل بين الطرفين وهي علاقة ضمنية، فالمثقف حينما يدعى إلى أحد مجالس التجار فإنه يعي تماماً أن لهذا التاجر أسبابه الخاصة التي هي أهم من مجرد دعوة المثقفين، وهذا ليس باتهام للتاجر بأنه يستنفع بالمثقف إلا أننا نكاد نجزم بوجود تقاطع في القناعات. فالمثقف مقتنع بأن محاورة رجال الأعمال بأي طريقة كانت هي مفيدة، والشاهد أن بعض المثقفين الذين اقتربوا من بعض التجار حققوا نقلة نوعية في التعامل مع الثقافة حتى تحولت إلى مؤسسات ثقافية. فعلى الرغم من وجود بعض المصالح التي ربما يسعى إليها التاجر من أجل استثمار المثقف إلا أنه في النهاية يصب في مصلحة الطرفين مع الحذر من محاولة استخدام المثقف استخداماً سطحياً، إلا أنه في النهاية مظلة الدولة توحد المصالح بين شرائح المجتمع المختلفة بشكل يخدم الوطن. «علاقة معطلة» وأوضح عبدالعزيز السماعيل مدير عام الجمعية العربية للثقافة والفنون سابقاً ومدير عام المهرجان المسرحي بالدمام أن العلاقة بين الثقافة والقطاع الخاص ممثلاً في رجال الأعمال كانت منذ زمن بعيد ولا تزال معطلة تقريباً لأسباب عديدة من أهمها: عدم وجود خطة للتنمية الثقافية إلا مؤخراً مع رؤية 2030، وهو دور أساسي للاستثمار والدعم الثقافي، وفي ظل غياب ذلك الدور سابقاً، ووجود تيار معادٍ للثقافة والفنون في المجمل، أدى ذلك إلى غياب تام «للتقاليد خاصة» بدعم الثقافة والفنون من قبل التاجر، فضلاً عن الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، وقد نتج عن ذلك وجود حاجز نفسي متردد بين التاجر والفنان أو المؤسسات الثقافية ما صعب أولاً على التاجر المساهمة بأي شيء حتى وإن كان راغباً في ذلك بدءاً من المؤسسات الفردية وحتى الشركات الكبرى والبنوك على سبيل المثال، وفي المقابل - ثانياً - توجس الفنان والمبدع نفسه من التاجر أو المستثمر خوفاً من تسليع ثقافته وإبداعه وتحويله إلى سلعة للاستهلاك ليس إلا. لذلك لا بد في اعتقادي من بعض التفصيل لتحديد دور الجهات المعنية بدعم الثقافة وتطويرها. فدعم النشاطات الفنية والأدبية يختلف كثيراً عن الاستثمار الثقافي لأنها غير ربحية في الغالب، بحيث نرى سعي الفنان أو الجهات الثقافية إلى التاجر من أجل الدعم والمساندة مشروطاً دائماً بعدم غلبة الاستثمار المادي على ما يقدمه الفنان والمثقف أو الجهة الثقافية من إبداع، لذلك يأتي دعم مؤسسات الدولة باعتباره الأكبر والأهم في هذا النوع من النشاط الثقافي الأساسي، بينما يمكن أن يحقق التاجر أهدافه الربحية من خلال الاستثمار في البنى التحتية التي يحتاجها القطاع الثقافي والمؤسسات الثقافية دائماً مثل المسارح والمراكز الثقافية ودور السينما.. إلخ. وبالتالي فإن التكامل بين جميع الجهات أمر مطلوب وضروري من أجل تحقيق تنمية ثقافية شاملة ناجحة وطويلة الأمد. «عالم أفلاطوني» وقالت الشاعرة والكاتبة المسرحية د. هند باغفار: المبدعون في حاجة ماسة إلى تعاون رجال الأعمال في إمكانية طباعة كتاب أو إنتاج عمل تلفزيوني أو عمل مسرحي وفي مساندة الثقافة، ولذلك فتهمة عزوف المثقفين من المبدعين عن التعامل مع التجار ربما هي تهمة غير واردة، فهناك من التجار من هم من شريحة المبدعين والمتعلمين ووضعوا في مراكز مهمة في الدولة، لذلك فليس من المتوقع أن المثقف إذا تولى منصباً في مؤسسة ثقافية يعني أنه يتقرب من التاجر طلباً للدعم المادي، وإذا ما حدث فليس من المعيب أن يقدم المرء التنازلات من أجل النجاح، فمن يعيب على المثقف أنه يقدم شيئاً من التنازلات فيما يؤمن به من معتقدات حتى يصل إلى تاجر ما ليس عيباً، فالجميع يقدمون من أجل الوصول للنجاح، وهذا العالم الأفلاطوني المزعوم غير موجود وغير حقيقي. فالمبدعون الكثير منهم من الطبقة الكادحة ويحاولون أن يوصلوا صوتهم للجميع بما فيهم فئة التجار. ‬ وذكرت باغفار أن من تقوم من سيدات الأعمال بإقامة مأدبة للمثقفات والكاتبات بهدف «البريستيج» الاجتماعي والواجهة اللامعة فهذه حالة صحية غير مرفوضة، فاليوم سيدة الأعمال أو رجل الأعمال يقترب من المثقفين من أجل الوجاهة، وغداً تتحول العلاقة إلى علاقة ثقافية حقيقية ومن أجل إثراء الثقافة، وهذا ليس بخطأ. محمد الحرز د. هند باغفار عبدالعزيز السماعيل

مشاركة :