النِّسيان وفقدان الذاكرة... عندما تتحول المِنحة إلى مِحنة

  • 9/7/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

صحيح أن النسيان ظاهرة طبيعية لدى البشر إلى درجة أنه يمكن اعتباره «منحة ونعمة» في حالاته الطبيعية، لكنه في حالات الإصابة باضطراب فقدان الذاكرة يصبح «محنة ونقمة» تتطلب معالجة نفسية وذهنية. وفقدان الذاكرة هو مرحلة من النسيان ذات درجات متفاوتة، ويصنفه علماء النفس باعتباره إما حالة مرضية في حد ذاته، أو أحد أعراض مرض يصيب الدماغ ( مثل مرض «ألزهايمر»)، أو ناجم عن صدمة انفعالية حادة على نحو مفرط إلى درجة لا يستطيع الشخص أن يتعايش معها. ويتسبب فقدان الذاكرة في إفقاد المريض قدرا من قدرته على أن يتذكر معلومات ومهارات وخبرات عاشها في ما سبق من حياته. فقدان الذاكرة العصبيوعندما يكون فقدان الذاكرة ناجما عن إصابة أو صدمة قوية أو تلف يلحق بالدماغ، فإنه في تلك الحالة يُعرف بـ«فقدان الذاكرة العصبي». ومن بين أبرز الأسباب المحتملة لهذا النوع من فقدان الذاكرة ما يلي:الاصابة بسكتة دماغية• الالتهابات الدماغية الناجمة عن الإصابة بعدوى فيروسية، أو كرد فعل مناعي ذاتي ضد إصابة سرطانية في مكان آخر في الجسم.• حدوث نقص كبير في إمدادات الأكسجين إلى الدماغ. على سبيل المثال: إثر نوبة قلبية، أو ضائقة تنفسية، أو الاختناق التسممي بغاز أول أكسيد الكربون.• نقص الثيامين (فيتامين B-1) في الجسم لأسباب عدة من بينها الإدمان على المشروبات الكحولية لمدة طويلة. • نشوء أورام في مناطق دماغية معينة تتحكم بوظائف الذاكرة.• الإصابة بأحد أمراض الدماغ التنكسية، كمرض «ألزهايمر» وأمراض الخرف الأخرى.• تعاطي عقاقير معينة تؤثلر على الوظائف الذهنية، مثل عقاقير البنزوديازيبينات وعقاقير أخرى معظمها تعمل كمهدئات. أنواع النسيانعندما نتحدث عن الدرجات المرضية من النسيان، فإن الطيف يتنوع ويتدرج ليبدأ بحالات موقتة وعابرة ويستمر في التصاعد وصولا إلى الحالات التي تندرج ضمن ما يصنفه علماء النفس ضمن «فقدان الذاكرة».في التالي نستعرض عددا من أبرز أنواع وحالات طيف النسيان: • نسيان مفتعل: هنا يعمد ذهن الشخص إلى تفادي تذكُّر الأحداث التي حصلت قبل فترة قصيرة، وذلك بسبب شدة تأثره بأزمات انفعالية نفسانية المنشأ. لذا، فإنه يتظاهر بعجزه عن تذكر تلك الأحداث. وبتعبير آخر فإن الذهن يلجأ إلى «التناسي» كحيلة هروبية.• نسيان ارتفاقي: هو نسيان لأحداث سيئة أو مؤلمة عايشها المريض في الماضي في سياق سلسلة متواصلة من الأحداث. ومن أمثلة ذلك نسيان الاعتداءات الجنسية التي تعرض اليها الشخص في فترة محددة من طفولته، أو مشاركته مرغما في حرب واضطراره إلى قتل أبرياء، أو موت أحد الاعزاء بشكل مأسوي ومفاجئ.• نسيان شامِل عابِر: يظهر هذا النوع على نحو مفاجئ في شكل نوبة موقتة، ويستمر بين 30 دقيقة و12 ساعة يفقد خلالها الشخص الاتصال الذهني بمعظم أحداث ماضيه، ثم يعود إلى استذكارها تدريجياً بعد زوال النوبة. وقد يرافق هذه النوبة حالة صرع. • نسيان رجوعِي: يحصل عادة بسبب تعاطي المخدرات أو أنواع معينة من العقاقير الطبية التي تؤثر على الذهن. ويختلف هذا النوع عن النسيان الشامل العابر في أنه يكون انتقائيا، أي انه ينتقي أحداثا معينة متزامنة في وقت واحد وحصلت في الماضي ويخفيها موقتا.• نسيان ناجم عن «اعتلال ويرنك»: هو أحد نواتج عدم قدرة جسم الشخص على امتصاص فيتامين (B1) مع إكثاره من تناول الكربوهيدرات. وفي حال تفاقم هذا النوع، فإن المريض يصبح مترنحاً وذاهلا وتتأرجح مقلتاه وقد تصاب عيناه بشلل جزئي. • نسيان مستقر: يحدث بعد التعرض لاصابات خطيرة، كالتهاب الدماغ واحتباس الدم.• نسيان متصاعد ومتفاقم: يكون عادة من بين أبرز مضاعفات مرض «ألزهايمر». نظريات النسيانهناك 3 نظريات تفسر النسيان وفقدان الذاكرة من زوايا نفسية، وهذه النظريات هي:• نظرية «التلاشي والانغمار»: ترى هذه النظرية أن الذكريات الحياتية السابقة تضعف وتخبو تدريجيا إلى أن تتلاشى تقريبا من الذهن عند عدم استخدامها، مثلما العضلة التي لا يستعملها الإنسان تضمر في النهاية. والواقع أن هذه النظرية قد تفسر لنا بعض حالات النسيان، ولكن هناك أدلة على عدم انطباقها في كل الحالات. فعلى سبيل المثال، نلاحظ أن الطفل إذا فقد بصره وهو صغير فإنه لا ينسى الخبرات التي تعلمها من حاسة الإبصار طوال بقية حياته.• نظرية «التداخل والتعطيل»: تعتمد هذه النظرية على تفسير النسيان من زاوية أن أوجه النشاط المتعاقبة التي يقوم بها الفرد تتداخل في بعضها فيُنسي بعضها بعضا. لكن هذه النظرية أيضا يشوبها بعض القصور لأن هناك شواهد تشير إلى أن الانسان يبقى قادرا على أن يتذكر أحداثا وخبرات بعيدة بعد عشرات السنوات على الرغم من تداخلها مع عشرات الآلاف من التجارب الأخرى.• نظرية «الكبت الانتقائي»: يقول أنصار هذه النظرية إن النسيان يحصل بدافع من رغبات نفسية وذهنية مكبوتة لكنها لا إرادية. ويرى هؤلاء أن الذهن يميل إلى تناسي الذكريات المؤلمة وغير السارة لاشعورياً. كما يرون أن الوحدة والعزلة والروتين اليومي الرتيب هي من العوامل التي قد تثير رغبة الذهن في محو ونسيان مقاطع معينة من شريط الذكريات.تجارب...  واستنتاجاتمنذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن، أجريت تجارب نفسية كثيرة حول مسألة النسيان وفقدان الذاكرة، وهي التجارب التي خلصت إلى استنتاجات أساسية حظيت بإجماع واسع النطاق على مستوى العالم، ومن أبرزها ما يلي:• هناك فروق فردية كبيرة جدا بين أذهان الأشخاص من حيث القدرة على التذكُّر والاستعداد للنسيان.• في معظم حالات النسيان غير الناجم عن أمراض أو أصابات عضوية، لوحظ أن المرضى يتماثلون للشفاء بصورة تلقائية ويستعيدون الذكريات تدريجيا، ولاسيما عند زوال المؤثر. • بشكل عام، يكون النسيان في بداياته سريعا إلى أن يفقد الفرد نصف ذكرياته وخبراته السابقة، ثم تبدأ وتيرة النسيان في التباطؤ تدريجيا بعد ذلك.• معدل نسيان الأحداث والتجارب التي تحصل أثناء النهار يكون أسرع من معدل نسيان الأحداث التي تحصل أثناء الليل.• العادات والمهارات والمبادئ لا تُنسى بسهولة، بينما المعلومات والألفاظ قابلة أكثر للنسيان.• المحتوى ذو المغزى الواضح يكون نسيانه أبطا من غيره.• نوع النشاط الذي يمارسه الفرد بعد التجربة أو الذكرى يلعب دورا في التأثير على درجة النسيان.

مشاركة :