الجزائريون يخشون تحول المنحة إلى محنة

  • 2/28/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بعد تردد دام عدة أشهر، دخلت منحة البطالة حيز التنفيذ بقرار من الرجل الأول في الدولة الذي يريد إظهار موقف متعاطف للحكومة مع الفئات الاجتماعية الهشة في ظل الإكراهات التي أفرزتها تراكمات الأزمة الاقتصادية، لكن يبدو أن المنحة المقررة للعاطلين عن العمل تنطوي على محنة حقيقية، لأنها مؤهلة لأن تكشف عن العديد من الحقائق المؤلمة. وفي الكثير من الدول تقر الحكومات منحا اجتماعية أو تحويلات دعم مباشر أو غير مباشر لحماية الفئات الاجتماعية الهشة، لكن أن تتحول إلى خطاب سياسي شعبوي يستهدف تحقيق نقاط جديدة في سلم الشعبية، أو شراء مزيف للسلم الاجتماعي كما تروج له الحكومة الجزائرية الآن، يضع المنحة في منحى المفعول العكسي. ولا يختلف اثنان في الجزائر حول أن البيروقراطية الإدارية والنمط الاستهلاكي الاجتماعي ساهما في إفقاد العمل لقيمته، وفي تأطير قطاع عريض من المجتمع على نمط الاتكال وانتظار المجاني الذي ستجود به الدولة على مواطنيها، ولذلك كان ضعاف النفوس في صدارة الفئات المتزاحمة على بوابات المساعدات الاجتماعية، لأنهم أول المستفيدين من الفساد الإداري. وجاء الإعلان عن منحة الـ80 دولارا أميركيا لفائدة العاطلين عن العمل بغية تسكين الحد الممكن من حالة الغضب والغليان الاجتماعي، لتضاف إلى تجربة جديدة من تجارب اجتماعية كانت في معظمها فاشلة، خاصة عندما تكون مرتبطة بالمؤسسات الحكومية. ورغم الترحيب الذي حظيت به اجتماعيا وسياسيا، خاصة من طرف الأذرع الحزبية والإعلامية الموالية للسلطة، على أمل الاستفادة من مفعول إيجابي قد تحققه، فإن الكثيرين من الجزائريين يخشون أن تتحول المنحة إلى محنة، لأن دخولها حيز التنفيذ سيعري الكثير من الحقائق في المجتمع والمؤسسات الرسمية. ويكون المحيط المرتجل للمنحة المذكورة، وعدم استنادها إلى دراسة خرائط اجتماعية دقيقة، هو الذي سيضع الجميع في مواجهة عبء ثقيل وتداعيات غير معلومة، فإن كانت الحكومة قد دأبت على التلاعب بالبيانات الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية على غرار البطالة والتضخم والقدرة الشرائية، فإن فتح المجال أمام المنحة سيضع الحكومة أمام الرقم الحقيقي لمعضلة البطالة في البلاد. الحديث الرسمي المسوق للرأي العام المحلي والخارجي كان يشير إلى سقف 11 و12 في المئة لنسبة البطالة في البلاد، لكن بيانات أخرى كانت تشير إلى قرابة الـ20 في المئة، وعكست الجحافل التي بدأت تصطف في الأيام الأولى أمام الوكالات الرسمية للتسجيل في لوائح المستفيدين من المنحة حجم البطالة الرهيب الذي يضرب المجتمع. وحتى لجوء تلك الهيئات إلى الرقمنة لتلافي تلك المظاهر المزعجة، أبان عن تشبع للشبكة إلى درجة عدم القدرة على تلبية كل طلبات التسجيل، وهي أول المعوقات التي تعتري مشروع المنحة المنتظر البدء في دفعها بداية من نهاية شهر مارس، لكن الكلام ليس كالفعل والأمر يحتاج إلى المزيد من الوقت، وإن غاب النقاش التحليلي الناقد لهكذا قرار اجتماعي، كالبحث عن مصادر تمويل المنحة في ظل تقلص موارد الخزينة، وتنازل الحكومة عن إيرادات جبائية قررتها هذا العام بعد ضغط فئات اجتماعية ومهنية وتهديدها بتمرد ضريبي، أو الخارطة الاجتماعية التي تم اعتمادها في المسألة، وأيضا في ظل غياب إحصائيات دقيقة عن مؤشر البطالة في البلاد. مدوّنون على شبكات التواصل الاجتماعي علقوا على المنحة بالقول “المستفيد الحقيقي منها هي شبكات المخدرات والمهلوسات” في تلميح إلى غياب أي جدوى اقتصادية من هكذا ضخ لأموال جديدة في السوق ما دام الإنتاج المحلي مفقودا، وكل ما يستهلكه المجتمع هو مستورد من الخارج، وهو ما يعني أن دخول أموال جديدة كان بالإمكان أن يساهم في الماكنة الاقتصادية لو كان هناك منتوج محلي، أما وأن البلاد تعتمد على الاستيراد في كل شيء، فإنّ الأسواق الأجنبية والموردين هم الذين سيمتصون تلك الأموال. ويبدو أن التفكير في العائدات السياسية والاجتماعية للمنحة هو الذي جعل الارتجال والعشوائية يحيطان بها، فلم تسلم من الانتقاد حتى في أيامها الأولى وقبل أن يقبضها أصحابها لأول مرة، لأنها تكرس العديد من الاختلالات الإجرائية، فهي توجهت إلى الفئات العمرية المتراوحة بين 19 و40 عاما، بينما أقصي الآخرون الذين يكونون في أمسّ الحاجة إلى مصدر معيشي، لأنه في عمر ما بعد الأربعين عادة ما يكون العاطل عن العمل مسؤولا عن عائلة، وقد سرح من عمل أو لم يجد منصب شغل أو في حالة صحية صعبة. ويبقى سلم الرواتب في البلاد من أكبر الاختلالات الاجتماعية، فهناك فئات تشغل مناصب في فئات معينة كتشغيل الشباب وما قبل التشغيل والشبكات الاجتماعية، وتتلقى رواتب زهيدة بين 30 و60 دولارا أميركيا، وهو ما يضع هؤلاء أمام مفارقة عجيبة، فكيف لمن يشتغل ويبذل جهدا أن يتلقى راتبا أقل مما يتلقاه العاطل عن العمل (80 دولارا)؟ المنحة التي ساوت بين جميع العاطلين، سواء كانوا من خريجي الجامعات أو من مراكز التكوين المهني وحتى من لا مستوى دراسيا لهم، قوبلت بمرارة لدى بعض الجامعيين العاطلين يمكن ملامستها من خلال تعليقات أو منشورات بسيطة على شبكات التواصل الاجتماعي تتساءل عن مصير من قضى قرابة العشرين عاما في الدراسة، يجد نفسه كمن لم يبذل أي جهد ولم تذهب منه السنوات في الأقسام الدراسية والمدرجات. المنحة التي لا تكفل الكرامة لصاحبها، لا يمكن إلا أن تكون محنة له وللدولة، فبقدر ما يمكن أن تكون وسيلة للحماية الاجتماعية وللتضامن الوطني، بقدر ما يمكن أن تكون فتيل أزمة لأن الارتجال والعشوائية لا يجلبان إلا الفوضى والنقمة على مجتمع لا تستقيم فيه القيم والمعايير.

مشاركة :