كثير من شبهات خصوم الإسلام يرتكز إلى سلوكيات خاطئة مرفوضة، وجرائم مدانة شرعاً، يقترفها بعض المنتسبين إلى الإسلام اسماً وشكلاً، لا عملاً وجوهراً، ممن لا يحسنون التعبير عن سلام الإسلام وتسامحه ورحمته ورقيه، ويسيئون إليه بأعمالهم القبيحة.من تلك الشبهات الزعم بأن الخطاب الإسلامي عاجز عن مواكبة مستجدات العصر، غارق في أمور الماضي، لا يُعنى بقضايا الحاضر والمستقبل، ويركز اهتمامه على تكفير الآخر، والتخويف المتواصل من العذاب المقيم في نار جهنم. والحقيقة أن الخطاب الإسلامي الصحيح بريء من التكفير، ويحارب الإرهاب والتطرف والانحراف الفكري. كما أنه قادر على استيعاب مستجدات العصر، والإفادة منها، انطلاقا من حقيقة أن الإسلام يشجع على التجديد المستمر لحركة المجتمع من أجل الوصول إلى الأفضل في جميع مجالات الحياة.ويلفت الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري الأسبق إلى أن الإسلام بطبيعته لا يتصادم مع سنن الحياة، ولا يصادم الفطرة الإنسانية. رسالة دينية ودنيوية ويقول د. زقزوق في دراسة مهمة بعنوان «المنهج المصري في تجديد الخطاب الديني»: «الخطاب الديني يُعد رسالة دينية ودنيوية في الوقت نفسه، فمن شأن الخطاب الديني المستنير أن يحرك الناس ويدفعهم إلى العمل والإنتاج، وبذلك يساعد في دفع عجلة الحياة إلى الأمام، ولا يجوز أن يقتصر الخطاب الديني على موضوع الترهيب المستمر، والتخويف المتواصل من العذاب المقيم في نار جهنم، فالإسلام أولاً وقبل كل شيء دين الرحمة للإنسانية كلها.. قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»... (الأنبياء: 107). ويضيف د. زقزوق: «آن الأوان لأن ينشغل الخطاب الديني المعاصر بهموم الناس، وقضايا المجتمع، ومشكلات العصر، والاهتمام بمقاصد الشريعة التي تؤكد الحقوق الأساسية للإنسان في كل زمان ومكان، ومحاربة الإرهاب والتطرف والتكفير والانحراف الفكري، والعناية بقضايا المرأة، وتمكينها من القيام بدورها في تقدم المجتمع، والتركيز على القيم الإسلامية الدافعة إلى تقدم المجتمع وترقية الحياة مثل العلم والعمل والحفاظ على الوقت واستثماره في كل عمل مفيد، كما ينبغي الاهتمام بقضايا قبول الآخر، والحوار بين الأديان والحضارات، وقضايا البيئة والإدمان والصحة النفسية للأفراد والجماعات، والعمل على إحياء الأمل في النفوس، وحمايتها من الإحباط واليأس».ويشدد د. زقزوق على ضرورة أن يهتم الخطاب الديني بالتكوين السليم لشخصية الفرد المسلم، ليكون لبنة صالحة في بناء المجتمع، والنهوض به، حتى تستعيد الأمة الإسلامية مكانتها في عالم اليوم. ثقافة العصر ويؤكد الشيخ محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان أن الخطاب الإسلامي الصحيح ينبغي له أن يتجدد، فلا ينغلق على نفسه، ولا يتحجر، ولا يرشق الناس بالحجارة، ويُكفر هذا، ويفسق ذاك من دون محتوى فكرى أو إنساني. ويقول في دراسة مهمة بعنوان «التجديد واختلاف المفاهيم»: «الخطاب الإسلامي يحتاج إلى ثقافة ومفاهيم العصر، لكي تتفاعل مع الثقافة الإسلامية، والثوابت الإسلامية، فتشكل مزيجًا حضاريًا يشد الجيل الجديد إلى قيم الإسلام ومبادئه من دون تزمت، ولا تعصب، ولا تحزب لأي حزب أو جمعية أو فريق. ويلزم أهل الخطاب الإسلامي، أو الدعوة الإسلامية، أن يتحروا الحقيقة في خطابهم، ويتأنوا في دعوتهم، ولا يلقوا الكلام على عواهنه؛ فقد غدا العالم كله يسمعهم، ويحلل أحاديثهم.وينبغي أن يجمع هذا الخطاب الإسلامي المعاصر عدة سمات أساسية، تجعله قادرًا على الوصول إلى الناس، بحيث يقنع عقولهم بالحجة، ويستميل قلوبهم بالموعظة، ولا يحيد عن الحكمة، ولا عن الحوار بالتي هي أحسن». ويوضح الشيخ الجوزو أن من أبرز سمات الخطاب الإسلامي الصحيح الإيمان بالله عز وجل، ومحاربة الإرهاب والتطرف والانحراف الفكري، والبعد عن تكفير الإنسان.ويشدد الشيخ الجوزو على أنه لا يجوز أن يتعصب الداعية المسلم أو يتحزب لحزب أو جماعة، وعليه أن يبتعد عن الفتن ما ظهر منها وما بطن، لينجح في دعوته، ويقبله الناس. فقه الواقع ويتوقف الشيخ الجوزو أمام قضية مهمة بقوله: «إن الاجتهاد ضرورة حتمية، لكي يلتقي المسلمون مع عصرهم، ويعيشوا قضاياه من دون أن تكون عندهم مشكلات فكرية ونفسية، عندما يعتقدون أن الدين يتناقض مع الواقع.ولا بد أن يكون هناك اجتهاد في أمور الفقه، حيث يتحقق ما نسميه فقه الواقع. وهذا ليس تجديدًا يطرأ على الدين، بل هو تجديد داخل الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على ذلك، فقال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها»... (رواه أبو داود).والمجدد يسعى لإحياء القيم الإسلامية على ضوء ما يستجد من أمور، وهذا دور العلماء لأنهم ورثة الأنبياء، وواجبهم أن ييسروا على الأمة ولا يعسروا ولا يعطلوا ولا يجمدوا أمام ما يستجد من أمور الحياة».ويشير إلى أن المنظومة الأخلاقية في الإسلام تحتاج منهجا تربويا حديثا يساعد على تكوين الشخصية الإسلامية من جديد، وينشئ أبناءنا تنشئة تعلمهم كيفية الالتزام بالصدق في حياتهم، وفي دراستهم، وفي أعمالهم، وفي مجتمعهم، وكيف يعتادون تحمل المسؤولية منذ نعومة أظفارهم من دون عقد نفسية تتحكم بنشأتهم، ومن دون انغلاق وتزمت، وأن يتعلموا سماحة الإسلام، وبساطته.وفي عصر التقدم والتطور العلمي، لا بد أن نربي الطفل تربية حديثة حتى يكون تفكيره علميًا، فإذا اشتد عوده، عرف كيف يكون إنسانًا فاعلاً في مجتمعه، متعوداً على النظام، وعلى احترام الآخر.إن أسوأ ما يمكن أن يبتلى به المجتمع التعصب والتزمت والانكفاء على الذات واجترار الماضي من دون القدرة على الدخول في المستقبل.
مشاركة :