سمعة لأفلام تزداد تميّزاً ومداخيل لما يزداد هبوطاً

  • 12/28/2014
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

كيف كانت حال السينما اللبنانية خلال عام 2014؟ سؤال قد لا يبدو سليماً في صياغته؛ ذلك أن واقع الإنتاج عبارة عن أفلام متفرقة وليس سينما راسخة ممسكة بعناصر صناعتها ومتحكمة بها. فقد شهد عام 2013 الفائت زخماً ملفتاً في معدل الإنتاج المحلي وصل إلى 14 فيلماً، وإقبالاً جماهيريّاً غير مسبوق، على صناعة محلية اتسمت بافتقادها لأي قيمة سينمائية أو فكرية أو جمالية، مسببة بذلك خيبة نقدية كبيرة وعجزاً عن فهم أسباب هذا الاندفاع نحو السطحي والفارغ على حساب أفلام أخرى مرّت بالمقابل بخجل على رغم جدية طرحها وصدق بحثها، ومن دون أن تسجل نسبة مشاهدة تصنع فارقاً في ميزان الإقبال الجماهيري على الإنتاج المحلي الهابط. وأتى عام 2014 لتهبط فيه نسبة الإنتاج إلى عدد لا يتجاوز كثيراً أصابع اليد الواحدة بين الروائي والوثائقي الطويل. أول فيلم لبناني افتتح الموسم كان فيلم محمود حجيج «طالع نازل» الذي بدأت عروضه في كانون الأول (ديسمبر) بعد العرض العالمي الأول له في مهرجان دبي السينمائي نهاية العام الفائت. بدا الفيلم مغامرة سينمائية تصب في المساعي الجادة من أجل تحقيق سينما مجددة في خياراتها ومبتكرة في اقتراحاتها، سينما لا تزدري الجمهور ولا تتعالى عليه. قدّم «طالع نازل» سرداً مبتكراً حاصراً أحداثه داخل وحدة مكانية وزمانية في عيادة طبيب نفسي وفي مصعد وفي ليلة رأس السنة، ومن خلال نماذج لشخصيات تعيش عزلة ووحدة داخلية حادة تجعلها عاجزة عن التواصل والتأقلم مع ذاتها ومع الآخر. بلغت إيرادات الفيلم 41576 دولاراً، وهو رقم لا شك محبط إذا ما تمت مقارنته بعائدات فيلميّ العام الماضي «حبة لولو» الذي وصلت إيراداته إلى 957825 دولاراً، و»حلوة كتير وكذابة» الذي حصد 709211 دولاراً، و»بيبي» الذي سجّل رقماً جعله سابقة في تاريخ الإقبال على الصالات المحلية في لبنان بلغ 1104963 دولاراً. بالطبع هناك فارق كبير في الأرقام بين إيرادات «طالع نازل» وإيرادات تلك الأفلام الثلاثة، وفارق أكبر لا شك في الأهمية السينمائية، وفي مفهوم الفيلم كمنتج تعنيه بالتأكيد الأرقام والأرباح، لكن لا تعكس بالضرورة ترجمة ملموسة لقيمة الفيلم الإبداعية. في سبيل حفنة من الليرات أتى الشهر الثاني من العام حاملاً إلى الصالات فيلم «نسوان، ليش لأ» لسام اندراوس والذي جاء يستثمر داخل المساحة التي استثمرت فيها أفلام العام الفائت، ضمن إطار التسلية والترفيه الهابط. كرر («نسوان، ليش لأ» العزف على نفس التسطيح الكوميدي والتفريغ الاستهلاكي لأي محتوى حقيقي، متخذاً من المرأة وحقوقها موضوعه، من خلال طرح افتراضي ساخر حول عالم متخيل تحكمه النساء، معتقداً أنه قدّم مضمونا يُنصف المرأة ويعزز حقوقها، وإذا به ينزع عنها وعن الفيلم أي قيمة تستحق التوقف عندها. لكن الفيلم سجّل مع ذلك عائدات وصلت إلى 428914 دولاراً. ومع قدوم الشهر الثالث من العام، بدأت عروض الفيلم الوثائقي «ميراث» لفيليب عرقتنجي صاحب أفلام «البوسطة» 2005، و»تحت القصف» 2007، والذي عُرف في أفلامه الروائية والوثائقية تركيزه على فكرة الوطن والحرب والانتماء، محققاً في فيلمه الأخير «ميراث» عائدات بلغت 148880 دولاراً. أتى فيلم عرقتنجي ليذكر حتماً بتلك العلاقة المرتبكة للجمهور مع الفيلم الوثائقي الذي لا تزال فرص عروضه التجارية خارج المهرجانات والتظاهرات السينمائية الخاصة محفوفة بالمخاطر لما يحمله عادة من جرعة جديّة ومسؤولية في التعاطي مع قضايا التاريخ والمكان والزمان، لا تجد بسهولة جمهورها الراغب في تلك المواجهات الصادقة مع الذات والواقع. «ميراث»، ديكودراما تمتزج في سرده الوثيقة التاريخية بالمؤثرات البصرية والابتكار في التحريك، ويحكي سيرة المخرج الذاتية وحكايته الشخصية مع الهجرة والرحيل، وينطلق منها باتجاه الخلف في اقتفاء أثر العائلة وسرد حكاية بلد يكرر منذ 100 عام رحلة هربه من الحرب. فيلم وثائقي طويل آخر «حكايات شهرزاد» لزينة دكاش، أنهى جولته في المهرجانات السينمائية خارج لبنان حاصداً جوائز عدة واحتفاءً نقدياً مستحقاً، قبل أن يحطّ في الصالات المحلية في تشرين الثاني (نوفمبر)، وحيث ما زالت عروضه مستمرة، محققاً حتى لحظة كتابة هذه السطور نسبة مشاهدة بلغت 36667 دولاراً. تعيد زينة دكاش تجربتها في مجال (العلاج بالدراما) من خلال تحويل مسرحية «شهرزاد ببعبدا» التي سبق وقدمتها داخل سجن النساء إلى عمل سينمائي تسجيلي يعيد الثقة بالوثائقي ويراهن عليه. زينة دكاش التي قدّمت فيلمها «12 لبناني غاضب» عن مسرحية أخرى سابقة عرضتها داخل أسوار سجن رومية عام 2009، تسرد في «حكايات شهرزاد» قصص مجموعة من السجينات وقفن أمام كاميرتها بثقة وقوة لفضح مجتمع ذكوري كنّ ضحيته. سرد سينمائي متين، وتحكم في جماليات الصورة، ومونتاج مرهف رشيق، تم توظيفهم بمهارة من أجل رسم صورة عن سجينات تحولنّ إلى بطلات في مواجهة القسوة والقبح الإنساني الذي دمّر الطفولة، والأمومة، والأنوثة والكرامة. نساء قدمّن شهاداتهن على هامش التحضيرات للعرض المسرحي داخل السجن، حيث كل امرأة منهن ستصبح شهرزاداً، تمسك بزمام السرد الحكائي كخلاص نفسي لها، وكبوابة لنا نحو آفاق رحبة داخل كل واحدة منها. بوح موجع لشخصيات بدت آسرة ، لعبت في مصائرها تُهم المخدرات والزنى والقتل، وربما الكثير أيضاً مما لم تقلّنه تلك النساء اللواتي عشنّ كسجينات خارج قضبان سجن بعبدا أكثر مما عشنّ داخله. ثلاثة أفلام وثائقية طويلة أخرى عرضت في المهرجانات خارج لبنان خلال 2014، وتتوقع عروضها المحلية مع بداية العام الجديد: «لي قبور في هذه الأرض» لرين متري، و»رحلة في الرحيل» لهند شوفاني و»بيتي الجميل» لنادين ناعوس، مرتفعة بعدد الأفلام الوثائقية الطويلة إلى الخمسة مقابل اثنين في العام الفائت: «نادي الصواريخ اللبناني» لخليل جريج وجوانا حجي توما والذي بلغت إيراداته 13846 دولاراً، و»ليالٍ بلا نوم» لليان الراهب الذي حقق 10517 دولاراً. قد يكون الفيلم الروائي الطويل «الوادي» لغسان سلهب، الأبرز لعام 2014، والذي يتوقع حلوله في الصالات المحلية مع بداية عام 2015 بعد أن ينهي جولته في المهرجانات السينمائية العربية والعالمية خارج لبنان والتي ما زال يحصد خلالها جوائز عدة. غسان سلهب صاحب «أشباح بيروت» 1998، و»أرض مجهولة» 2002، قدّم في «الوادي» الجزء الثاني من ثلاثية كان قد بدأها بفيلم «الجبل» 2011، وينتظر إنجاز ثالثها. بدا في فيلمه الأخير هذا متمسكاً بمشروعه السينمائي القائم على الحفر داخل الذات في تأملات يسوقها على شكل سرديات لشخصيات تعيش صدمتها الداخلية مع الأمكنة والذاكرة، مستلاً مادته من العلاقة المضطربة مع الماضي، وبرؤية سينمائية يتلبسها دوماً هاجس بناء صورة سينمائية مركبة تخرج عن سياق الشكل السينمائي المستكين. مؤشرات عافية ولكن بين أول فيلم افتتح موسم عام 2014 في الصالات المحلية، وبين آخر فيلم ما زال يستكمل عروضه في نهاية العام، وبين المنتظر عرضه مع بداية العام الجديد، جرى ماء كثير في نهر الإنتاج السينمائي اللبناني الوثائقي والروائي القصير، وصُرف مال كثير من قبل صناديق الدعم العربية على إنتاجها. وواقع الأرقام يقول إن هذه الأفلام هي سمة ومؤشر العافية في الإنتاج اللبناني خلال الأعوام الأخيرة. ستة أفلام عرضها مهرجان بيروت الدولي ضمن مسابقة الأفلام الشرق أوسطية، وقرابة أربعين فيلم آخر عرضتها جمعية ميتروبوليس ضمن تظاهراتها ومهرجاناتها المتنوعة التي لا تهدأ على امتداد العام. نحن أمام ظاهرة كثافة في إنتاج الوثائقي وشحّ في إنتاج الروائي، وهو أمر قد يجد تفسيره في العدد الكبير للطلاب المتخرجين سنوياً من معاهد السمعي والبصري مع مشاريع كثيرة جاهزة تنتظر جهة إنتاج تتبناها وتمولها بأموال لا تعتبر باهظة مقارنة بتكاليف الفيلم الروائي. لكن الأمر يبدو أيضاً محيراً حول التفاوت العام في مجمل المستوى الإبداعي بين الوثائقي والروائي. ففي الوقت الذي تبدو الأفلام الوثائقية تنضوي على صدق في الطرح وابتكار في المواضيع وكسر للنمطي في تنفيذ الرؤية السينمائية، نجد الأفلام الروائية، باستثناءات قليلة، تدور في فلك خاص عاجز عن تسجيل أهداف ابداعية كبيرة.

مشاركة :