يعاني أغلب الشباب في مصر من التكاليف المالية الضخمة عند تقرير الزواج، الأمر الذي جعل العديد منهم يعزف عن فكرة الارتباط الرسمي. وترجع هذه التعقيدات المالية إلى التمسك بمجموعة من العادات والتقاليد المرتبطة بشروط مثل “الشبكة” و”النيش” وغيرهما. وشهد المجتمع المصري مؤخرا مبادرات تسعى لتحرير الشباب من هذا الحمل ساعية لكسر بعض الأعراف لتيسير الزواج في ظل الوضع الاقتصادي الخانق الذي يضاعف صعوبة الارتباط وتكوين أسرة القاهرة – كشف تقرير إحصائي أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر (حكومي)، في يوليو الماضي، عن تراجع في معدل الزواج، حيث سجل عام 2016 تراجعا في عدد عقود الزواج بنسبة 3.2 بالمئة مقارنة بعام 2015. ويتوقع مراقبون تصاعد معدل التراجع في عقود الزواج، جراء الارتفاع المتزايد في الأسعار، بما في ذلك أسعار الأجهزة المنزلية، وهي من مستلزمات الزواج في مصر. ويقول الشاب عادل عبدالوكيل إن الزواج في مصر يتطلب تجهيزات ضخمة من الجنسين، سواء تعلق الأمر بأثاث المنزل أو بالمهر أو بغيرهما، وهذه التجهيزات تحتاج إلى عشرات الآلاف من الجنيهات، وفق الأعراف والعادات التي أصبحت مرهقة جدا اليوم بسبب ارتفاع تكلفتها. ويضيف عبد الوكيل أنه عندما قرر الزواج اتفق مع أهل العروس على كسر تابوهات الزواج المعقدة، والاستغناء عن كل ما لا يحتاج إليه بيت الزوجية. ومن أهم العادات المتعارف عليها في تحضيرات الزواج اقتناء الذهب للعروس والنيش كدولاب يستخدم لعرض أطقم الأطباق والأكواب، وظل النيش على اختلاف أشكاله وتصميماته لسنوات طويلة، ضرورة ملحة في زيجات المصريين. وساد اعتقادٌ مجتمعي بأنّ الاستغناء عن النيش يعد نقصا يفضح عجز أسرة العروس عن اقتنائه وهو ما يقابل بنظرة دونية من المحيط الأسري والمجتمعي. إلا أنّ الظروف الاقتصادية وموجات ارتفاع الأسعار قادت إلى تغيير الكثير من الأعراف. وهو ما فعله عبدالوكيل (27 سنة) عندما قرر الاستغناء عن النيش، وكذلك التقليل من عدد غرامات الذهب في الشبكة التي تُهدى إلى العروس، ما وفر عليه الكثير من النفقات، مؤكدا أن ارتفاع أسعار أطقم الأطباق والأكواب بشكل كبير -حيث تُكلف أكثر من عشرين ألف جنيه (1200 دولار) كأدوات زينة لا يتم استخدامها إلا نادرا وكذلك النيش- هو ما دفعه نحو فكرة الاستغناء عنها. وأوضح عبدالوكيل أنّ فكرته قوبلت ببعض الانتقادات من الأقارب بحكم طرافتها، قبل أن تصبح محل مدح عند دخول أبنائهم معترك الزواج، خاصة مع الارتفاع المشط للأسعار في الوقت الراهن. وظهرت حملات إلكترونية في الفترة الأخيرة، تدعو إلى إلغاء النيش والتقليل من عدد غرامات الذهب في الشبكة؛ بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، سعيا لتسهيل الزواج وعدم إثقال كاهل الأسرة بأعباء لا تستطيع تحملها. ودعا الكثير من الإعلاميين إلى تفعيل هذه الدعوات والاستغناء عن كل ما لا يحتاج إليه المنزل. الأسرة يجب أن تفهم أنّ المستقبل لا يُبنى بالنيش أو بالشبكة، إنما يتشكل من خلال حياة متوازنة فيها تعاون بين الرجل والمرأة وتراجع شراء الذهب في نفس السياق وفقا لعضو شعبة الذهب في الغرفة التجارية بالقاهرة (مستقلة تشرف عليها وزارة التجارة والصناعة)، صلاح عبدالهادي الذي أفاد بتراجع معدلات الإقبال على شراء الذهب بسبب الغلاء، موضحا أن معدلات الشراء تراجعت بأكثر من 80 بالمئة، مقارنة مع الفترة التي سبقت ثورة 25 يناير 2011. وأضاف عبدالهادي أن “سوق الذهب تعاني من تراجع حاد لم تشهده مصر من قبل؛ بسبب عزوف المواطنين عن شرائه بعد ارتفاع الأسعار”. يذكر أنه في بعض قرى جنوبي مصر، تتراوح شبكة العروس بين 50 و150 غراما من الذهب، بسعر 600 جنيه (33 دولارا) للغرام الواحد. وهو ما يرى فيه الشباب اليوم عبئا ثقيلا لا نفع فيه وعادات غير مجدية. ويقول إسلام إبراهيم (30 سنة) -محاسب من محافظة الغربية (شمال)- إنه لم يعبأ هو الآخر بالأعراف السائدة في مجتمعه وأنه لا يرجع ذلك فقط إلى الظروف الاقتصادية، بل إلى رفضه أساسا لبعض الأفكار السائدة في مناسبات الأعراس. ويضيف إبراهيم، أنّه استغنى أيضا عن طاولة السُفرة إلى جانب النيش، لعدم الحاجة إليهما، مع إقامة العرس في دار مناسبات وعدم جعله حفلة صاخبة. ويقلل إبراهيم الكثير من الانتقادات التي قد توجّه إليه، قائلاً “الناس سيتكلمون في جميع الحالات، وبالتالي لن أهتم بالأمر… أنا أفعل ما أقتنع به فقط”. وتابع “كل شيء تم بالاتفاق مع أهل العروس، فهي أيضا مقتنعة بأنها عادات قديمة غير مجدية… وقد تنازلت عن الكثير من المواصفات في الأجهزة الكهربائية، واشترينا ما يحتاج إليه منزلنا فقط”. وبحسب إبراهيم شهدت أسعار الأجهزة الكهربائية زيادة بنسبة تناهز الـ70 بالمئة، ما دفع الكثير من المصريين إلى التوسع في استخدام نظام التقسيط من المتاجر الشهيرة، التي تعمل وفقا لهذا النظام. وتعتبر أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس (شرق القاهرة) سامية خضر، ذلك تحولا إيجابيا قائلة “إن كسر الشباب للتابوهات القديمة يمثل محاولة منهم لمسايرة الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، لأن الكثير من الممارسات لا فائدة من ورائها، مثل حرص الأهالي على أن يرى المدعوون للعُرس وأهل القرية ذهب العروس، رغم أنه نوع من تدخل الآخرين في حياة غيرهم”. وأكدت خضر أنّ تشبث العائلات بهذه الأمور يعد مظهرا من المظاهر الزائدة التي أفسدت العلاقات الاجتماعية والعلاقات الأسرية وحتى علاقة العروسين؛ لأنّ هذه المظاهر تؤدي إلى المزيد من التدخلات والمشاكل، وأحيانا قد تؤدي إلى خراب البيوت. وتابعت “الأسرة يجب أن تفهم أنّ المستقبل لا يُبنى بالنيش أو بالشبكة، إنما يتشكل من خلال حياة متوازنة فيها مشاركة وتعاون بين الرجل والمرأة”. ودعت خضر إلى إيجاد نشرة توعويّة وبرامج تلفزيونية وإذاعية تناقش مثل هذه الموضوعات لتمحي مثل تلك المظاهر التي تعيق الكثيرين عن الزواج.
مشاركة :