بائع الوهم

  • 12/29/2014
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

في كل جوانب الحياة، يتعلق المضطر بقشة، يرى الحقيقة واضحة أمام ناظريه، وتأبى دواخله تصديقها، يتجاذبه سراب الأمل الكاذب، فيتبعه متعلقاً ببلوغه وهو يعلم أنه لن يبلغه، ولا غرابة في ذلك، فالظمآن يرى السراب ماءً. الثري الذي خسر كل أرصدته في صفقة ما، تختلط في نظره الأمور، ولا يريد تصديق واقعه الجديد، فيبدأ البحث في سجلاته القديمة ويُطلق الوعود لدائنيه معتمداً على سمعته المالية السابقة. الأسوأ من هذا كله أن يجد مَن يداهنه ويمنّيه ويؤمّله، خوفاً من الحقيقة الصادمة. وهكذا هو اتحاد جدة العريق، النادي الممتد في التاريخ كناطحة سحاب، والممتلئ بالإنجازات ككنوز العصور الوسطى. العميد الأصفر، خسر في فترة وجيزة، أهم داعميه؛ بل راعيه الأول، عبد المحسن آل الشيخ، ولا يعلم العاشق البسيط الذي يهتف بنصر اتحاده في المدرج، أن كل ما كتب الأصفر الجداوي من مجد في العقد الأخير، كان صنيعة الرجل الغائب الحاضر آل الشيخ؛ وإن تعدّدت الوجوه المُبتسمة في المشهد. .. منذ أن ترجّل آل الشيخ عن صهوة الاتحاد، بدا هناك واقعٌ جديدٌ يتشكّل، واقعٌ يفرض على الاتحاديين أن يُعيدوا حساباتهم بالعقل والمنطق وينحوا الأماني جانباً، واقعٌ يفترض أن ما كان يوقّع سابقاً من صفقات لا يمكن أن يحدث في ظل التغيير الجديد، وأن الاستراتيجيات يجب أن تُرسَم من جديد وفق مسارات أخرى غير تلك التي كانت. الاتحاديون العقلاء المؤهلون إدارياً واقتصادياً، وصلوا إلى هذه القناعة، وحاولوا إعادة صياغة النمر الأصفر من جديد. اصطدموا بعوائق كبيرة، أهمها أن فاتورة المرحلة الانتقالية بين الاتحاد الثري، والاتحاد الحالي، تحتاج إلى صبر وحكمة وروية لعبور الجسر الموصل بين المرحلتين بنجاح. الاتحاديون المشجعون البسطاء الذين يهتفون باسم معشوقهم في المدرج، لا يهمهم كل ما كُتب أعلاه، يريدون الاتحاد.. والاتحاد فقط، ولا يهمهم كيف، ولذلك سيصدقون مَن يقول لهم إن الاتحاد هو الاتحاد، لم يتغيّر ولن يتغيّر، حتى وإن كان يبيعهم الوهم ويمنّيهم بلوغ السراب، وما هو ببالغه. هؤلاء البسطاء هم السوق المثالية لترويج بضاعة الوعود، وبائع الوعود والوهم هو إبراهيم البلوي. البلوي الجديد، لا يملك كاريزما أخيه منصور، رجلٌ متحمسٌ، متواضعُ القدرات، ملامحهُ في كل ظهور إعلامي تستدر العطف والشفقة، رجلٌ بسيطٌ دُفِع إلى صدارة المشهد، وتورَّط. الرجل الذي يديره من الخلف، قال له: "وجّه خطابك إلى المدرج. في كل مرة تصرح، ابدأ بالجماهير والجماهير وعشق الجماهير، وستصطف الصفوف خلفك". إبراهيم، قليل الخبرة، فعل ما أُملي عليه. واستمر في مغازلة المدرج الأصفر، يرمي حزمة من الوعود هنا، ويعدّلها بوعود جديدة في اللقاء التالي، ويُطلق أخرى في لقاء ثالث، ورابع، حتى تجاوزت قائمة الوعود فاتورة الديون.. ماذا سيفعل الآن؟ سيخرج البلوي الجديد من أزمة وعوده بواحد من طريقين: إما أن يتنحى بافتعال مشكلة يتلبّس بها دور الضحية، وإما أن يستمر في الوعود ويدّعي أن بعضها تحقّق ويعلن عن اتفاقات لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ظاهرها الرحمة وباطنها الخيبة المستقبلية ومزيد من السطور في فاتورة السقوط والوعود والديون، وفي كل مرة سيخسر حنجرة في المدرج، ولن يستطيع التراجع؛ لأن مَن حوله يبيعونه الوهم أيضاً. كان من الممكن أن ينجح إبراهيم البلوي في رئاسة الاتحاد، ويقودهم إلى آفاق جديدة، لا تشبه ما سبق إلا في الإنجاز، لو أنه تخلى عن حلمه في أن يكون نسخة من أخيه الكاريزمي الكبير. مشكلة البلوي الصغير، أنه يريد أن يكون مثل أخيه، يريد أن تهتف باسمه الجماهير، أنه يتحوّل إلى رمز في المدرجات، ونسي أنه لا يشبه حتى ظل أخيه.

مشاركة :