ريتشارد ووترز* كثير من النقاشات والأحاديث دارت خلال الفترة الماضية، عن تلاشي قوة قانون مور، الذي يعد القوة الدافعة وراء تطور وانتعاش قطاع أشباه الموصلات الأمريكية. ويرى محللون أن القانون قد فقد فعلاً تأثيره على الصناعة، منذ أكثر من عقد من الزمن. هذه الصناعة التي أصبحت اليوم من الأهمية بمكان، تواجه حالياً كثيراً من التحديات التي تتمثل أبرزها في تراجع مكاسبها وقوتها، إضافة إلى انحسار الأسواق الجديدة، التي تضمن استدامة أنشطة التوريد والتبادل التجاري.وقد صمدت صناعة الرقائق الأمريكية على مدى 60 عاماً، رغم الصعوبات. لكن الطفرة الأخيرة واتساع دائرة انتشار منتجات السيليكون، بدءاً من السيارات ذاتية القيادة، إلى تعليم الآلة، أدت إلى تزايد مبيعات القطاع وإلى تضاعف القيمة السوقية لمؤشر فيلادلفيا لأشباه الموصلات منذ بداية عام 2016، مقارنة مع مكاسب لم تزد على 38 في المئة لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500». والعنصر الإيجابي الذي حال دون تصدع قطاع الرقائق الأمريكي، هو الثقة القوية بالنفس في قطاع قاد التطورات التقنية الأمريكية على مدى نصف قرن، لكن هذه الثقة اليوم باتت شبه مفقودة.فقد نبه تقرير صدر عن فريق استشاري في البيت الأبيض، أوائل العام الماضي، إلى الأخطار التي تحيق بالقطاع، وأولها «السقف التكنولوجي» الذي يحد من الابتكارات. كما حذرت قيادات القطاع التي كانت وراء إعداد التقرير، من «حصار محكم تمارسه الصين لإعادة رسم خريطة الأسواق العالمية، بما يخدم مصالحها»، وذلك باعتماد سياسة صناعية مدعومة بتمويل حكومي ضخم، ما يهدد القدرة التنافسية للصناعة الأمريكية، حسب التقرير. وفي ظل هذا الواقع، أعلنت «داربا» التي أجرت أهم الأبحاث المسؤولة عن تحقيق اختراقات تقنية في مجال الإنترنت والسيارات ذاتية القيادة، دعمها لمجموعة من المشاريع البحثية، للمساعدة في رسم مستقبل القطاع على المدى البعيد. وقدمت الوكالة منحاً لمجموعة واسعة من الباحثين الأكاديميين والشركات، في إطار حملة نظمتها بتكلفة 1.5 مليار دولار، وهي أول مشاركة لها على نطاق واسع في دعم صناعة الرقائق، منذ ما يقرب من أربعة عقود. فهناك حاجة ملحة للتدخل لأن القطاع يمر بمنعطف مصيري. إلا أن هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً، وخجولة جداً، حيث إن قيادات القطاع قدرت حاجته بنحو 600 مليون دولار سنوياً، بينما لم يتجاوز الرقم الذي تم الالتزام به 20 مليوناً. وتغطي مشاريع الأبحاث التي تمولها «داربا»، هندسة الرقائق، والمواد والتصاميم الجديدة، وأبحاث التقنيات التي يمكن أن تعزز النمو على مدى السنوات العشر المقبلة. كما تغطي التحولات المحتملة في شكل صناعة الرقائق، بعد تلاشي أساسيات التقنية التي وُضع قانون «مور» على أساسها. ففي مجال هندسة الرقائق يعاني القطاع هبوط العائدات من شريحة الرقائق المستخدمة للأغراض العامة، التي كانت أهم عناصر التطوير في بداية العصر الرقمي، ومنها وحدات المعالجة المركزية التي تنتجها شركة «إنتل». وعلى الرغم من أنها توفر قوة حوسبة هائلة، بتكلفة قليلة، إلا أنها غير قابلة للترقية لأداء مهمات حديثة.ويتمثل أحد محاور أبحاث «داربا»، في إنشاء شرائح جديدة تجمع بين القوة والمرونة، وهذا يشمل «الأجهزة المرتبطة ببرمجياتها الخاصة»، أو الرقائق التي يمكن إعادة برمجتها أثناء العمل، وهي امتداد لشريحة رقائق البوابات القابلة للبرمجة، والدوائر المتكاملة، التي يمكن ضبطها بعد تصنيعها لتوفير قدر معين من المرونة.والمؤكد أن انتشار الذكاء الاصطناعي، وتعليم الآلة، يعطي تصوراً مبكراً عن الخريطة التي يتميز بها عالم المستقبل.فقد وفر الطلب على رقائق متخصصة قادرة على التعامل مع الكميات الضخمة من البيانات اللازمة، لتدريب أنظمة التعلم العميقة، التي تستخدم في الذكاء الاصطناعي، فرص ريادة شركة مثل «إن فيديا»، التي صممت وحدات معالجة الرسوميات في الأصل، للتعامل مع عروض الفيديو. كما أنها فتحت باباً لشركة جوجل، التي ابتكرت تصميماً لرقائق البيانات الكبيرة المعروفة باسم «تي يو بي». وفي الوقت نفسه، تستخدم شركة «إنتل» رقائق «إف بي جي إيه»، لتحسين أداء وحدات المعالجة المركزية الخاصة بتعليم الآلة، وهو نهج اعتمدته شركة مايكروسوفت في مشروعها «برين ويف»، الذي يعتبر محاولة لتطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة في مراكز بياناتها.ويمثل صعود «هندسة الرقائق محددة الهدف»، القوة الأساسية وراء صياغة مستقبل صناعة الرقائق. وقد يبشر هذا الاتجاه بمستقبل جيد لشركات مثل «إنتل» و«إن فيديا» و«كوالكوم»، حيث تستمر شركات الرقائق الكبيرة التي يمكن تطبيق منتجاتها في العديد من المجالات في السيطرة على منتجات الحوسبة الأكثر تخصصاً. *فاينانشل تايمز
مشاركة :