السؤال التاريخي - محمد محفوظ

  • 9/3/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

المطلوب، ليس أن ينادي كل طرف بضرورة الحوار والفهم المشترك، وإنما لابد من إثراء هذه الضرورة بحقائق اجتماعية _ ثقافية _ سياسية _ حضارية، حتى تتشكل الاراده الجمعية الفاعلة، والمتجهة إلى إثراء التجربة الإنسانية، عبر توفر جملة من الشروط المادية والمعنوية تعددت الايجابات وتشعبت، واتخذت إبعادا مختلفة، من جراء السؤال التاريخي،الذي أصبح هاجس جميع النخب العربية والإسلامية منذ بداية بزوغ عصر النهضة. كيف نحدّث مجتمعنا العربي، وننجز التقدم، ونسهم في الجهد الإنساني لبناء المستقبل. ولا نبالغ إذا قلنا، إن تاريخ العرب والمسلمين الحديث، هو عبارة عن تيارات ومشاريع شعارات وسجالات للإجابة عن هذا السؤال . وقد اتخذت هذه السجالات والإجابات المتناقضة، عناوين مختلفة في تاريخنا، فصراع القديم والجديد، والإيمان والكفر، والأصالة والمعاصرة، لا يخرج عن هذا النطاق، بل يؤكده ويضيف إليه أبعادا ثقافية واجتماعية جديدة. وإن التيارات والوجودات السياسية والفكرية العربية، تبلورت في هذا المناخ الصاخب. وعدم تمكن كل القوى والنخب المتعددة، من إنجاز التقدم، لا يرجع في تقديرنا، إلى نقص نظري أو معرفي، أو قصور ذهني، أدى إلى عدم استيعاب تجربة الشعوب المتقدمة، وإنما يجد تفسيره هذا الاخفاق، إلى غياب الذات التاريخية الفاعلة، التي تأخذ على عاتقها إنجاز التقدم، وصياغة أجوبة فاعلة عن تحديات العصر. لذلك فإن مهمة العرب والمسلمين المعاصرة، تتجلى في توفير كل أسباب وعوامل إنجاز مقولة الذات التاريخية المجتمعية الفاعلة. فهي وحدها التي تخرجنا من عالم السلب والهامشية، وتقذفنا في قلب الأحداث والعمليات التاريخية الكبرى . وليس من مهمتنا التاريخية، إدانه بعض إعلام النهضة أو تبجيل البعض الآخر، بقدر ما هو العمل على تلمس سيرورة فكرية _ اجتماعية قابلة للمراكمة والتواصل، لإنجاز تلك الذات التاريخية الفاعلة على مستوى المجتمع والأمة وحركتهما التاريخية. وبدون هذه الذات الجمعية، تستيقظ كل التوجسات والشكوك أمام كل مشروع نهضوي، وبهذا يفقد المشروع مهما كانت وجهته ومقصده،الوقود البشري، وينتهي مع الزمن مآل هذا المشروع إلى عقول نخبة قليلة العدد والتأثير. وفي هذه الأوضاع، ينعق أصحاب الضمائر الرديئة، والنفوس المريضة، لتهوين الأمة وإغراقها بمشكلات زائفة، لا تزيد الأمة إلا ابتعادا عن تطلعاتها الحضارية . وتحتدم أيضا في هذه الأوضاع لغة السجال في كل الاتجاهات، وتتضاعف التمزقات والتصنيفات الأيدلوجية والفكرية، ويغيب في هذا المشهد الفسيفسائي والسجالي، العمل الجاد لإنهاض الأمة ومواجهة مشكلاتها الحضارية . ولن تلتئم التمزقات وتخبو لغة السجال المميتة إلا بخلق الواقع المجتمعي الدينامي الفاعل، الذي يتجاوز كل مواقع وعناوين الهامشية والتبرير والابتعاد عن معركة بناء الإنسان والحضارة . ومن اجل هذا الواقع المجتمعي الجديد الذي هو عبارة عن قراءة متعددة لمحور اساسي من محاور بناء الذات التاريخية، وهو العلاقة مع الغرب والحضارة الحديثة. وحوارات الإسلام والغرب، من الأهمية بمكان أن تتجه ابتداء إلى نقد مفاهيم كل طرف السائدة عن الآخر، للوصول إلى وعي حقيقي عن كل طرف، وذلك لكي يكون لمشروع الحوارات تأثير مباشر وجوهري على الداخل العربي والإسلامي، في تكوين إرادة جماعية أو توحيد الجماعة الوطنية، من خلال الارتفاع بمستوى المفاهيم الأيدلوجية، وتكوين فهم جديد مشترك، لواقع جديد ومشترك أيضا. وذلك لأن كل التجارب السياسية والثقافية، التي انطلقت في الداخل العربي والإسلامي، على قاعدة تجاوز الحقائق، والقفز على القوى المتوفرة، لم يكن مصيرها إلا الفشل أوالنجاح الجزئي، الذي يخلق تداعيات معقدة أقل ما يقال عنها إنها طردت كل الثمار الايجابية لذلك النجاح الجزئي . فالغرب اليوم بما يشكل من ثقافة وحضارة وامتداد سياسي واجتماعي في فضائنا العربي والإسلامي، أضحى حقيقه قائمة لا يمكن التغافل عنها . كما أن الإسلام بما يشكل من عمق تاريخي وثقافي وحضارة، وقوى سياسية واجتماعية، أصبح واقعا مشهودا وملموسا. والحل ليس في أن يسعى كل طرف، إلى نكران قوة الآخر، لان النكران، لا يؤدي إلا إلى القطيعة، والصراعات المحمومة ذات الطابع السلبي والتدميري . لذلك فإن الحل يتجسد : 1 في إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي لدى كل قوة وطرف، بحيث يكون وعيا اجتماعيا متواصلا، لا تمنعه الاختلافات العقدية والسياسية، من التواصل والحوار والتفاهم المباشر . 2 الارتفاع بمستوى المفاهيم الأصلية لدى الجماعات الوطنية، وذلك ليس من أجل قسر الأطراف الضعيفة على الذوبان، وإنما من أجل إنجاز فهم مشترك ومتبادل وبشكل دقيق وواضح . 3 وإن هذا الفهم المشترك، لا يكون فعالا، إلا إذا تشكلته إرادة جماعية، لإثراء الفهم المشترك، وإيصاله إلى أقصى مستوى ممكن من التفاهم والتنسيق. لذلك فإن المطلوب، ليس أن ينادي كل طرف بضرورة الحوار والفهم المشترك، وإنما لابد من إثراء هذه الضرورة بحقائق اجتماعية _ ثقافية _ سياسية _ حضارية، حتى تتشكل الاراده الجمعية الفاعلة، والمتجهة إلى إثراء التجربة الإنسانية، عبر توفر جملة من الشروط المادية والمعنوية، التي لا يمكن إنجازها إلا بمساهمة ومشاركة مختلف التنوعات التاريخية والإنسانية . وبهذه الطريقة تكون المفاهيم المستخدمة (حوار _ تسامح _ تفاهم) ذات مدلولات علمية _ حضارية، اشتراك الجميع في بلورتها وإنضاجها . فالحوارات لا توصل إلى علم حقيقي وفهم جوهري، إلا إذا اتجهت إلى الكشف داخل المفاهيم الجامعة عن أشكال تحققاته المختلفة..

مشاركة :