سؤال التنوع والوحدة الوطنية - محمد محفوظ

  • 5/26/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو من خلال معطيات عديدة، أن ظاهرة الانقسام في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تحت يافطات وعناوين دينية ومذهبية وقومية، ظاهرة حقيقية، وتتطلب معالجة واعية وموضوعية وتاريخية.. ولقد كان العالم الفرنسي (جاك بيرك) واعيا لظاهرة التصدع والتنازع التي تشق الاجتماع السياسي العربي والإسلامي الحديث من خلال لفت الانتباه إلى وجود ما سماه ب(وتائير سير) واستراتيجيات حراك متعارضة ومتضاربة في المجتمع العربي الواحد، بما يصح معه القول بوجود مجتمعين متقابلين ومتصادمين في المجتمع الواحد.. الاستقرار السياسي العميق، هو الشرط الشارط لأي عملية تنموية أو تطويرية لكل المؤسسات والهياكل الإدارية والسياسية. وان التعامل الحكيم في التعامل مع حقائق التنوع الاجتماعي، يقتضي التفكير بطريقة ليست ضيقة أو منحبسة في أطر واعتبارات ما دون الوطنية؛ لأن هذه الأطر الضيقة، ستنتج بطبعها خيارات ضيقة وتأسيساً على هذه الحقيقة فإننا نستطيع القول: إن الدولة العربية - الإسلامية المعاصرة هي القادرة وحدها بما تمتلك من إمكانات وقدرات وسياسات، من معالجة كل التداعيات السلبية من جراء وجود حالة من التعدديات والتنوعات في المجتمع والوطن الواحد. ولا يمكن أن نتجاوز تشظّيات الاجتماع العربي - الإسلامي المعاصر، إلا بخيار الدولة الحاضنة للجميع والمعبرة عن جميع التعبيرات والمكونات، ومتجاوزة في آن انقسامات المجتمع وتشظياته الأفقية والعمودية.. وفي تقديرنا أن هذا الأمر يتطلب الاهتمام بالنقاط التالية: ضرورة أن تكون مؤسسة الدولة متعالية على انقسامات المجتمع، ولا تكون جزءاً منها.. ألا يكون الانتماء الديني أو المذهبي أو القبلي هو قاعدة التعامل، وإنما تكون قيمة المواطنة بكل حمولتها القانونية والدستورية هي وحدها قاعدة التعامل في مختلف دوائر الحياة. فالمواطنة بصرف النظر عن المنابت الأيدلوجية للمواطنين، هي التي تحدد نظام الحقوق والواجبات.. المطلوب دائما وبالذات في الدول التي تحكم مجتمعات مختلطة ومتعددة، هو صيانة التعدد على مستوى الأمة والمجتمع، وبناء مجتمع سياسي موحد بعيدا عن نزعات المحاصصة.. لأننا نعتقد أن بناء الدولة على قاعدة المحاصصة الطائفية أو المذهبية، يديم الانقسامات، ويحيي التوترات مع كل حدث أو تطور سياسي.. لهذا فنحن مع احترام تام لكل مقتضيات التعددية على مستوى الاجتماع، أما على مستوى الدولة فإننا بحاجة إلى مجتمع سياسي موحد.. بحيث تكون الكفاءة هي جسر العبور الوحيد إلى مواقع الدولة الأساسية.. وفي هذا السياق نعتبر أن نظام المحاصصة الطائفية التي عملت الولايات المتحدة الأميركية في العراق على تنفيذه وتطبيقه، من أرذل الأنظمة التي شوهت النسيج الاجتماعي العراقي، وأدخلت العلاقات الداخلية بين مختلف المكونات والتعبيرات العراقية، في محنة شديدة مازال الواقع العراقي يدفع ثمنها على مختلف المستويات. ضرورة العمل على بناء مؤسسات للمجتمع المدني، عابرة للمناطق والأديان والمذاهب والقبائل. وإذا لم تتمكن شعوبنا من بناء مؤسسات مدنية وطنية جامعة لكل التعدديات، فإن هذه الأزمات ستستمر ولن نتمكن من الخروج من مآزق الراهن. فالطريق للخروج من كل التداعيات السلبية والخطيرة، التي تعيشها أغلب المجتمعات العربية والإسلامية اليوم، في وقف حالة الانحدار والتشظي المذهبي والجهوي، وإعادة الاعتبار لكل عناصر الوحدة والائتلاف الاجتماعي والوطني. وان الاستقرار السياسي العميق، هو الشرط الشارط لأي عملية تنموية أو تطويرية لكل المؤسسات والهياكل الإدارية والسياسية. وان التعامل الحكيم في التعامل مع حقائق التنوع الاجتماعي، يقتضي التفكير بطريقة ليست ضيقة أو منحبسة في أطر واعتبارات ما دون الوطنية؛ لأن هذه الأطر الضيقة، ستنتج بطبعها خيارات ضيقة، لا تنفع حقائق التنوع الاجتماعي، وتضر في ذات الوقت بحقيقة الوحدة الوطنية والاجتماعية. وفي تقديرنا أن أي خيار لا يساهم في تعزيز الوحدة الداخلية لمجتمعاتنا المتنوعة، هي خيارات مضرة للراهن والمستقبل معا. وعليه فإننا نرى أهمية معالجة كل مشكلات التنوع الاجتماعي، ولكن على قاعدة الوحدة الاجتماعية والوطنية. وأن أي محاولة لمعالجة مشكلات هذه الحقائق، وتفضي إلى خلق حالة من الإرباك الاجتماعي والسياسي، فإنها على الصعيد الواقعي، لن تعالج هذه المشكلات، وستضيف لها حساسيات ومشكلات جديدة من جراء التعامل الخاطئ مع حقائق التنوع الاجتماعي. ولبناء المعادلة الصائبة، بين عدم التغافل عن المشكلات، وفي ذات الوقت عدم الإضرار بحقائق الوحدة الوطنية والاجتماعية. نقترح الالتفات إلى الأفكار التالية: 1- ضرورة وجود منظومة قانونية، تعتبر الانتماء الوطني والمواطنة، هما الحقائق الثابتة التي تحدد قواعد المعالجة لأي مشكلة سواء أكانت إدارية أم ثقافية أم سياسية. 2- إن معالجة أي مشكلة في الإطار الوطني، تساهم على المستوى الفعلي في تعزيز حقائق الوحدة الوطنية والاجتماعية. ونعتقد في هذا الإطار أن التغافل عن المشكلات، هو الذي يضر عبر متواليات عديدة بمستوى الاستقرار الداخلي والانسجام الاجتماعي. 3- العمل على زيادة وتيرة التواصل الاجتماعي، وتشجيع كل المبادرات التي تستهدف تعزيز حالة الإخاء الوطني. لان حالة الجفاء والتباعد النفسي والاجتماعي، هي التي تضر بالوحدة. وان التواصل الاجتماعي بكل مستوياته، هو الذي يعزز خيار الوحدة، ويعمق مستوى التفاهم بين جميع المكونات والأطياف. لمراسلة الكاتب: mmahfood@alriyadh.net

مشاركة :