تستمر معاناة السلع من ضغوط الشكوك المحيطة بالنزاع التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية وبقية دول العالم، وحالة الضعف المستمرة في أسواق الأسهم والسندات والعملات. ودفعت هذه التطورات مؤشر بلومبرغ للسلع الرئيسة نحو تكبّد خسائر وصلت إلى 9 في المئة منذ مطلع يونيو، في الوقت الذي أرسلته إلى أدنى إغلاق أسبوعي له منذ أكثر من عام. وارتفعت حدة الموقف الأسبوع الماضي مع الإعلان المرتقب من البيت الأبيض نحو فرض رسوم جمركية إضافية على السلع الصينية بقيمة تصل إلى 200 مليار دولار، لاسيما بعد أن أظهر الميزان التجاري الأميركي الأخير عن شهر يوليو أن الولايات المتحدة أصبحت في المنطقة الحمراء بنحو 50 مليار دولار، بينما ارتفع العجز التجاري مع الصين إلى رقم قياسي جديد هو 36.8 مليارا. وتحت وطأة التحديات التي يفرضها جدول أعماله الداخلي نتيجة انتخابات منتصف الولاية الرئاسية، والتعليقات الأقل مداهنة من المطلعين على شؤون البيت الأبيض، واستمرار تحقيقات روبرت مولر، من غير المرجح أن يتراجع ترامب عن معركته مع الصينيين. وتزداد الأمور سوءا في سندات وأسهم وعملات الأسواق الناشئة من جراء الارتفاع المستمر لاحتمالات اندلاع حرب تجارية. وانتقل مؤشر «مورغان ستانلي» لسندات الأسواق الناشئة إلى سوق متدهورة بعد خسارة 20 في المئة منذ يناير، في حين خسر مؤشر «مورغان ستانلي» لعملات الأسواق الناشئة 8.5 في المئة من قيمته منذ أبريل، عندما تحول التركيز إلى التوترات التجارية. وساهم مزيج قوة أسعار الدولار وتضييق شروط السيولة العالمية في دعم تحرك العديد من المستثمرين نحو الأسواق التي توافر سيولة قوية، وبالتالي قدر محدد من الحماية. وتختار أسواق الأسهم والسندات الأميركية ذلك الخيار، وطالما لا نرى أي عدوى في السوق الأميركية، لا يزال هناك مجال للتفاؤل بقدرة الاقتصاد العالمي على تجنب تباطؤ النمو الذي يتم تحديد قيمة أسعاره حاليا. وقادت المعادن الصناعية الركود بالرغم من تعهّد الصين بحماية اقتصادها في حال قررت الولايات المتحدة الأميركية - كما هو متوقع - المضي قدما في خطط توسيع الرسوم الجمركية. وبقيت أسعار النفط الخام محصورة النطاق، بينما استمر التركيز على التحولات بين العرض والطلب، مما قد يجعل التطورات الراهنة تؤثر سلبا في كليهما. وأظهر الذهب مؤشرات استقرار مع احتفاظ المضاربين بمكاسب قياسية منذ أن تحولوا إلى مشترين مؤقتين لأول مرة في يونيو. وفي هذه الأثناء، انخفضت أسعار الفضة والبلاتين جراء تراجع حدة المخاوف بشأن السيولة، وارتباطهما كمعادن صناعية. وتراجعت أسعار الفضة إلى 14 دولارا للأونصة، وهو أدنى مستوى له منذ عامين ونصف العام قياسا بالدولار؛ وأدنى مستوياته منذ 23 عاما قياسا بالذهب؛ بينما توسع الفارق بين سعر البلاتين والذهب إلى رقم قياسي جديد هو 420 دولارا للأونصة. وما زالت أسعار النفط متقلبة ضمن نطاق محدد منذ أبريل، نتيجة التركيز المتناوب بين العرض والطلب. وجاء دعم الأسعار من التوقعات الصعبة على المدى القصير للعرض جراء العقوبات الأميركية ضد إيران. وفي المقابل، ما تزال توقعاتنا على المدى المتوسط إلى البعيد مضطربة من جراء خطر الطلب الناجم عن التباطؤ الحالي لحركة الأسواق الناشئة وارتفاع أسعار الدولار. وتلاشى زخم ارتفاع الأسعار الذي استمر ثلاثة أسابيع يوم الثلاثاء، عندما وجد خام برنت، وبالرغم من حصوله على دعم عمليات الشراء الفني فوق 78.50 دولارا للبرميل، نفسه من جديد أمام جدار مقاومة صلب عند 80 دولارا للبرميل. حول العرض وأظهرت الدراسات الاستطلاعية المعنية بالإنتاج، والصادرة عن «بلومبرغ» و»بلاتس» هذا الأسبوع، كيف تمكنت «أوبك» حتى الآن من تعويض تباطؤ الإنتاج من إيران. ونظرا إلى استناد الزيادات إلى حالات جرت لمرة واحدة، لاسيما ليبيا، مازالت التوقعات تشير إلى الفترة التي يرجح فيها انخفاض إجمالي إنتاج «أوبك» مع تسارع وتيرة تباطؤ الإنتاج الإيراني. وعلى هذا الأساس، وإلى أن تبدأ البيانات الحقيقية أو الدراسات الاستطلاعية الشهرية من «أوبك» ووكالة الطاقة الدولية بإظهار ضعف الطلب، يرجح أن يتم اعتبار خطر الارتفاع بمنزلة التوجه الذي يمنح أقل مقاومة. حول الطلب قد يفرض ارتفاع أسعار النفط الناجم عن التأثيرات قصيرة المدى للعقوبات الأميركية تحديات قصيرة المدى على نمو الطلب. ويأتي ذلك بالتزامن مع معاناة الأسواق الناشئة، والتي تعد المصدر الرئيس لنمو الطلب، من عاصفة ارتفاع أسعار النفط وضعف أسعار العملات. وبينما يشهد خام برنت تداولات أقل بكثير من متوسط أسعاره بين عامي 2011 و2014 عند سعر 110 دولارات للبرميل، تشهد بعض الدول الرئيسة المستهلكة للنفط أسعارا في عملاتها المحلية عند ذلك المستوى أو أعلى منه. وقد يبدأ التباطؤ الناشئ في الطلب من برنامج شراء الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في الصين باستقطاب بعض الاهتمام. وقدر أحد التحديثات التي أصدرتها وحدة معلومات بلومبرغ أن تسهم عمليات شراء الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في الصين بنحو ثلث النمو السنوي العالمي للطلب على النفط منذ عام 2016. ومن شأن أي تباطؤ في هذا الحجم أن يقطع شوطا طويلا لتعويض الانخفاض المحتمل في العروض الإيرانية. وفضلا عن المخاطر المتزايدة بشأن إجمالي الطلب في عام 2019، قد تدفع مثل هذه التطورات نحو إعادة النظر في توقعات الأسعار على المدى المتوسط، مما يساعد في إعادتها إلى 70 دولار للبرميل - وبالتالي، فإننا ندعو الأسواق خلال الفترة الحالية للحفاظ على أسعارها ذات النطاق المحدود. واستقرت أسعار الذهب حول 1200 دولار للأونصة، وبدأت تظهر علامات المرونة السعرية بعد انخفاض 200 دولار منذ أبريل. وفي الأسبوع المنتهي بتاريخ 28 أغسطس، اتجهت الصناديق نحو شراء الذهب للمرة الأولى منذ 11 أسبوعا، ولكن الانخفاض بمقدار 9000 لوت كان ما يزال ضئيلا، مقارنة مع 143 ألف لوت التي بيعت منذ يونيو. وعلى النحو المبين في التحديثات الأخيرة، نستنتج الحاجة إلى حركة أكبر قبل أن يبدأ شعور القلق بالتسلل إلى البائعين. وتبقى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، وتأثيراتها على أسعار الصرف، نقطة تركيز رئيسة في السوق. ولا بد أن تتقابل تهديدات الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية بقيمة 200 مليار دولار مع إجراءات انتقامية من الصين. ومع الغياب المنظور للراحة في دول الأسواق الناشئة، نرجح ارتفاع مخاطر انتشار العدوى إلى سوق الأسهم الأميركية - بالرغم من أمانها. ولرؤية انتعاش واضح في أسعار الذهب، نحن بحاجة إلى مزيج من ضعف أسعار الدولار وسوق الأسهم الأميركية. وبعد تقرير الوظائف الأميركي القوي يوم الجمعة لشهر أغسطس، لا تزال اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة في طريقها نحو رفع أسعار الفائدة لمرتين إضافيتين هذا العام، على أن يكون الموعد التالي هو الاجتماع بتاريخ 26 سبتمبر. وبناء على هذه التطورات أو من دونها، يرجح أن يستقطب اختراق عتبة 1.220 دولار للأونصة عمليات شراء إضافية؛ وسنبقى مترقّبين لمدى قدرة هذه العمليات على اكتساب الزخم الكافي لتسريع عجلة التغطية على المدى القصير.
مشاركة :