تقدم اليمنيين الشعبويين وركود الكتلتين الكبيرتين داخل البرلمان خلط الأوراق لتنتهي فترة الانسجام في السياسة السويدية. محادثات صعبة ومعقدة تنتظر الكتل السياسية الفاعلة فيما يخص تشكيل حكومة جديدة دون مشاركة الشعبويين فيها. استطلاعات الرأي المدفوعة بقوة الإثارة وضعت حركة "ديمقراطيو السويد" اليمينية الشعبوية المعادية للمهاجرين واللاجئين في مقدمة الفائزين في الانتخابات التشريعية العامة التي جرت يوم أمس في السويد ومنحتهم ربع اصوات الناخبين معتبرة إياها القوة التي المشاركة في الحكومة المقبلة، حسب تقديراتها. إلا أن اختيار السويديين جاء مخالفا لكل التوقعات المثيرة: فاليمين الشعبوي حقق تقدما ولكن بنسبة 17% فقط والتي لا تضعهم في وضع يحددون فيه مصير السياسية السويدية، رغم أن خطابهم السياسي بعد إعلان النتائج يوحي بذلك. تغيير التفكير لدى الأحزاب الكبرى وكان يسيطر في السويد لعدة عقود نظام للتحالفات السياسية يتناوب فيه معسكر من يسار الوسط مع معسكر وسط اليمين في سدة الحكم. وكان الاشتراكيون الديمقراطيون يديرون في الغالب دفة الحكم في البلاد. وهذا التوافق غير الرسمي عمل على أن تسيٍر في الغالب حكومات أقلية زمام الأمور في البلاد، والنتيجة كانت سياسة مدفوعة بخيارات التوافق التي يمكن وصفها بالمدمنة على الانسجام. لكن بعد النتائج المتقاربة لكتلتي وسط اليمين ووسط اليسار وجب على الأحزاب الكبرى تغيير التفكير. فصعود "ديمقراطيو السويد" يجبرهم على البحث عن مواطن مشتركة وربما بلورة تكتل جديد للوسط السياسي. ويمكن لهم التوجه في ذلك عملا بمثال هولندا حيث انكشف بعد الانتخابات العامة في السنة الماضية بنتيجة جيدة نسبيا للشعبوي اليميني غيرد فيلدرس وضع مشابه. واستغرق الوضع ثمانية أشهر قبل تشكيل حكومة من تكتل وسط يميني في لاهاي. والنتيجة النهائية كانت من خلال تهميش فيلدرس وإبعاده عن المشاركة في تشكيل الحكومة التقليل من أهميته في السياسة الهولندية. واليوم هو بدون أهمية، لأن سياسة الإقصاء طويلة الأمد جاءت بالنتائج حتى ولو ظهر في الأثناء أشخاص جدد ومجموعات في اليمين المتطرف. ويمكن التعلم في ستوكهولم من هذا النموذج بأنه يمكن خرق نماذج سياسية ثابتة وتشكيل تحالفات جديدة تتوافق مع إرادة الناخبين أكثر مع تفكير المعسكرات. هل تنجح المقاطعة؟ والأحزاب الكبرى وعدت خلال الحملة الانتخابية بأنها لا تعتزم التعاون مع "ديمقراطيو السويد" والدخول في تحالفات معهم. إلا أنه في الأسابيع الأخيرة صدرت تعليقات من أحزاب صغيرة عبرت عن انسجامها مع هذا النوع من الأفكار. والأحزاب الكبرى وجب عليها تحذيرها أثناء تشكيل الحكومة من الدخول في هذا النوع من التجارب. ومن المهم دوما عند صدور هذه النتائج الانتخابية التوضيح أن نحو 83 في المائة من السويديين لم يصوتوا للأحزاب اليمينية. ويجب التحدث بانفتاح حول مشاكل الهجرة في السويد وأخطاء الماضي، إذ أن البلاد تحتاج إلى مزيد من الشرطة والمدرسين ونوع آخر من سياسة الإدماج. لكن يبقى من المهم التوضيح للسويديين بأنهم رغم قلقهم الشرعي يعيشون في إحدى أغنى دول العالم وأكثرها أمنا. الحذر، ديمقراطيو السويد خطيرون وجزء من نجاح زعيم الحزب جيمي أكيسون يتمثل بدون شك في إتقانه للاستعراض الخارجي. وقد عمل على تعديل أسلوبه الخطابي إلى حد أنه لا يظهر لكثير من السويديين بأنه يميني متطرف أو خطير. أكيسون نجح في إبراز حزبه وتقديمه على أنه حركة سياسية "عادية". في حين أن "ديمقراطيو السويد" جذورهم تنبع من وسط النازيين الجدد الذين ينشطون منذ الثمانينات على هامش السياسة السويدية. أكيسون ينفي اليوم أن إيديولوجيته العنصرية أو المعادية للإسلام، لكن يوجد ما يكفي من التصريحات من ماض قريب تؤكد العكس. وينتشر التفكير اليميني المتطرف بين أعضاء الحزب لاقتراح توخي حذر كبير تجاه تقدم إضافي "لديمقراطيو السويد". واكتسحت السويد في وقت متأخر مقارنة مع بلدان أوروبية أخرى القومية وسياسة الهوية على غرار المجر وبولندا وإيطاليا. فالحزب يتبنى موقفا معارضا للانسجام والتوافق الذي تتميز به الثقافة السياسية في البلاد. ومن المتوقع أن تزداد الخلافات حدة داخل البرلمان في ستوكهولم، ووجب على الأحزاب الكبرى من تغادر موقعها المريح للتفاعل مع شكوك المواطنين ومخاوفهم، وإلا فإن صعود اليمينيين المتطرفين لن يتوقف. باربارا فيزل/ م.أ.م
مشاركة :