د. محمد الصياد انتهت قبل أيام (23 أغسطس 2018) آخر جولة من المباحثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى المأزق المتوقع حدوثه على أية حالة، حيث صار واضحا أن مقاربة إدارة الرئيس ترامب في هذه المباحثات قد جعلت من الاستحالة بمكان على الرئيس الصيني شي جي بينج التوصل إلى صفقة متوازنة مع واشنطن، وإلى أن يحدث ذلك فإن «لعبة» تعرفة جمركية صينية مقابل تعرفة جمركية أمريكية جديدة على الصادرات الصينية إلى أمريكا، ستستمر، ما يقلل من حظوظ الرئيس ترامب في كسب الحرب التجارية مع الصين، فمقابل وعد الرئيس ترامب بكسب هذه الحرب، فإن الرئيس الصيني الذي يعمل على تربع الصين على العرش العالمي، قد وعد شعبه بتحقيق ما أسماه بالحلم الصيني في مستقبل زاهر وزاخر بالفرص، وهذا تحدٍ سوف يتحمل الرئيس شي جي بينج مسؤوليته، من حيث جعل ماكينة الاقتصاد الصيني تدور بنفس زخمها المحقق لمعدلات النمو المستهدفة والمولِّدة لفرص عمل ومداخيل مرتفعة.منطقياً فإن هذا يعد مدعاة للصين كي تتوصل بسرعة إلى اتفاق تجاري ينهي الحرب التجارية بينها وبين واشنطن. ولكن الصين ليست في عجلة من أمرها، لأن الأمر يتعلق بنجاح تنفيذ خطة «صنع في الصين 2025»، الهادفة لتعظيم وترقية الشركات الصناعية والتكنولوجية الصينية. والرئيس الصيني سيركز جهوده وجهود فريق عمله على تنفيذ مشاريع «طريق واحد حزام واحد»، في ذات الوقت الذي ستتابع فيه بكين وستراهن على ما سيؤول إليه حال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من ضعف في بلاده، نتيجة للملاحقات الإعلامية والقضائية التي تطارده، وبالتالي إضعاف فريقه التفاوضي. لقد كانت الصين أكبر مصدِّر للسلع في العالم في عام 2017 بإجمالي بلغت قيمته 2263 مليار دولار، وحلت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية ب 1547 مليار دولار، وألمانيا ب 1448 مليار دولار. والحال أن أمريكا تسجل عجزا في تجارتها مع كافة شركائها التجاريين تقريبا، هم، إضافة إلى الصين، ألمانيا، اليابان، هولندا، كوريا الجنوبية، هونج كونج وبعض الدول الأوروبية. من هنا جاءت عبارة الرئيس ترامب الشهيرة «حين تخسر دولة مليارات الدولارات في تجارتها مع كل دولة تقريبا تتاجر معها، فإن الحروب التجارية تكون جيدة، وسهلة الكسب»، ولكن القول إن الصين لا تستطيع مواصلة نموها من دون السوق الأمريكية، بحاجة إلى تدقيق، ذلك أن البيانات المتوافرة بهذا الشأن تقول إن الصين صدَّرت للولايات المتحدة في العام الماضي سلعا وخدمات بقيمة إجمالية بلغت 500 مليار دولار، وهذا لا يشكل سوى حوالي 4% من إجمالي الناتج المحلي الصيني بقياس سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل اليوان. وبافتراض أن الرئيس ترامب فرض الحد الأقصى من القيود الكمية على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، فإن ذلك سيخفضها بنسبة 50%، وهو ما يساوي حوالي 2% من إجمالي الناتج المحلي الصيني. هنا علينا أن نتذكر أنه في أعقاب الأزمة المالية العالمية، هبط فائض الميزان التجاري الصيني بواقع 4.4% خلال الفترة من 2008-2009، لكن مع ذلك، فقد نما الاقتصاد الصيني في تلك السنة بنسبة 9%، وفي العام الذي تلاه بنسبة 10%، وقد خرجت الصين من ذلك الركود من دون أن يؤثر في معدلات نموها.أيضا، فإن جزءاً كبيراً من قيمة السلع الصينية المصدَّرة للسوق الأمريكية لم تُخلق قيمتها المضافة في الصين. على سبيل المثال، فإن الهاتف المحمول «آي فون» المصنوع في الصين والمصدَّر إلى الولايات المتحدة، سوف يعامل باعتباره سلعة صينية، مع أن معظم قيمته المضافة تأتي من برامجه المطوَّرة في الولايات المتحدة ومكوناته المستوردة من بلدان أخرى. وبحسب دين بيكر، كبير الاقتصاديين في مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسات في واشنطن، فإن 40% أو أكثر من العجز التجاري الأمريكي مع الصين ناتج عن قيم مضافة مُنشأة خارج الصين. والعكس صحيح بالنسبة لجزء كبير من واردات الولايات المتحدة من بلدان أخرى، إذ تحتوي على نسبة كبيرة من القيم المضافة الصينية. وهذا هو جانب واحد فقط من التكامل والعولمة العميقة للسوق العالمية.يُدرك الأمريكيون بطبيعة الحال أن لدى الصين أسلحة أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر، توفرها على إمكانية تحللها (من دون إعلان) من الالتزام بضوابط حماية براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية الأمريكية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى إرسال السلع والبضائع إلى كافة أسواق العالم من دون تضمينها أية مدفوعات تتعلق بحقوق الملكية أو رسوم الترخيص، ما سيخفض أسعار الأدوية والعقاقير الطبية الأمريكية بنسبة 90% أو أكثر (وفقا لأسعارها الرسمية الحالية)، ويجعل برامج مايكروسوفت بسعر التراب كما يقال.
مشاركة :