ويسألونك عن أهل الحل والربط في أنديتنا الرياضية.. عن الذين يحلون أنديتهم من مشكلة ويربطونها في مشكلة أخرى، فلا تجد ما تقوله سوى أنهم جزء من المشكلة، وجزء من الحل، في آن واحد. فهؤلاء الجالسون على الكراسي الساخنة في الأندية الكبيرة، يخيل لنا أحيانا أنه لا عمل لهم سوى إدارة الأزمات التي تتناسل من حولهم كالأرانب والقطط. وفي رئاسة الأندية الرياضية غالبا لا يوجد شهر عسل، فما إن تطأ أقدامهم النادي حتى تداهمهم المشاكل من حيث يدرون ولا يدرون، فينهمكون بها إلى أن يقضي الله أمر كان مفعولا، وغالبا يخرج هؤلاء في نهاية المطاف من الباب الخلفي لأنديتهم بسبب مشكلة كبيرة استعصت على الحلول، وبقرار إقالة أو شبه إقالة، تلاحقهم الاتهامات فيمضون سنوات أخرى لا شغل لهم سوى الرد عليها ونفيها وتكذيبها. بعضهم يأتي للوسط الرياضي من المجهول، مدججا بدفتر الشيكات، فيقبض الثمن، أضواء وشهرة، ومكانة اجتماعية تضعه في الصف الأمامي، وما إن يشعر بالتشبع من هذه المكاسب، ويبدأ في سياسة ترشيد الإنفاق، حتى تبدأ ساعة خروجه من النادي تدق بقوة، ثم تبدأ عملية تهيئة المسرح لفارس جديد، تنز أرصدته البنكية بفائض مالي يبحث عن قناة تصريف. أما بعضهم فيأتي من رحم التجربة الرياضية الطويلة، فيراهن على خبرته أكثر مما يراهن على دفتر شيكاته، فيصيب تارة، ويخطئ طورا.. وهؤلاء يقدمون أنفسهم للجمهور بأنهم أصحاب فكر رياضي، وكلما قصر المال، يكون الرهان على فائض الفكر لردم الفجوة، فينجح هؤلاء بجلب مدربين ولاعبين محترفين متميزين بتكاليف أقل بكثير مما يدفعه أصحاب صنابير المال المفتوحة على الآخر. زمن الرموز انتهى وبعد أن انتهى زمن الرموز، بموت بعضهم رحمهم الله جميعا، ونأي البعض الآخر بأنفسهم عن تصدر المشهد، وعدم الانغماس في تفاصيله، وتفضيلهم لعب دور الداعم والراعي الأبوي ورجل التوافق الذي يلتقي ويلتف حوله كل الأفرقاء، أصبحت عملية التغيير في رئاسة الأندية تتم بديناميكية أسرع نسبيا من السابق، وأصبح مهر الحصول على دورة ثانية في قيادة النادي غاليا جدا.. فعلى سبيل المثال فإن رئيس النصر الأمير فيصل بن تركي ما كان سيحصل على تفويض جديد من جماهير النصر لقيادة ناديهم في دورة جديدة لمدة أربع سنوات لو لم يحقق في آخر الدورة الأولى بطولتين. فجماهير الأندية لا ترحم، وهي جاهزة لرفع الكرت الأحمر في وجه رئيس النادي الذي لا يقود ناديها لمنصات التتويج. ورغم الدور المهم والمؤثر الذي تلعبه الجماهير في دفع بعض الرؤساء للاستقالة فإن دورهم في اختيار رؤساء أنديتهم يكاد يكون معدوما، فالرئيس غالبا يأتي باختيار دائرة ضيقة من أعضاء الشرف المتنفذين في النادي، وفي اجتماعات مغلقة تعقد في منزل أو مزرعة احدهم، اما دور الجمعيات العمومية للنادي فهو غائب أو مغيب أو في غيبوبة، وإذا عقدت الجمعية فهو من أجل تقديم مسرحية شكلية لإعطاء صبغة نظامية لاختيار الرئيس. هذا عن الرؤساء في الأندية «الغالبة» أما في أندية «الغلابة» فحكاية أخرى! وهذه وقفة مع رئيسي النصر والهلال: كحيلان دبلوماسي، في مقتبل العمر، تقدم بجرأة، ولم يشعر بالخوف من الكرسي الذي جلس عليه الرمز الراحل عبدالرحمن بن سعود. كانت مجرد فكرة أن ترث المكان الذي كان يوما ما يملؤه «أبو خالد» رحمه الله كفيلة بأن تثير الرعب لدى كثيرين، لكن ثقة الأمير فيصل بن تركي بنفسه أكبر مما توقع كثيرون، ورغم قصر تجربته في العمل بالنادي إلا أنه تقدم للرئاسة برباطة جاش يحسد عليه، وكان رهانه في البداية على دفتر الشيكات، لكنه سرعان ما أدرك أن المال وحده لا يصنع المعجزات، وبعد أن أهدر الملايين على صفقات فاشلة، بدأ يتدارك الوضع شيئا فشيئا، تعثر في المواسم الثلاثة من دورته الأولى، وتململ النصراويون منه في موسمه الثالث، وكادوا يخرجونه من النادي خالي الوفاض، حتى أنهم رفعوا الكرت الأحمر في وجهه في المدرجات، لكنه أصر على إكمال فترته، وأصر على تصحيح أخطائه، فكان ختامها مسكا، بعد أن نجح في قيادة الفريق الكروي للحصول على بطولتين في موسم واحد كانت المهر ليجدد النصراويون الثقة به لدورة ثانية من أربع سنوات، وبعضهم يريده رئيسا أبديا للنادي، وهو الآن يعيش عصره الذهبي بفريقه القوي المرصع بالنجوم الذي بناه على مدى سنوات وصرف عليه الكثير من المال والجهد والوقت، لكن زميلنا محمد الغامدي طلب من النصراويين أن يفكروا جيدا في مرحلة ما بعد فيصل بن تركي! اللي نبيه نجيبه كحيلان مقتصد في كلامه، لكنه سخي في أفعاله، فكلما دس يده في جيبه توقع النصراويون أن يخرج منها عقد نجم جديد، ولطالما ردد هؤلاء بفخر وزهو كلماته الرنانة: «اللي نبيه نجيبه» وهو يقول ويفعل، وخارطة فريقه الممتلئة بالأسماء اللامعة تشهد على انه يترجم أقواله أفعالا. هو الآن في أفضل أوقاته، فريقه يتصدر الدوري برقم قياسي جديد (34 نقطة)، طموحه إعادة إنجاز الموسم الماضي، منافسوه يتعثرون، ويتبعثرون، وخاصة المنافس التقليدي الهلال، خصومه من داخل النادي صمتوا، وبعضهم لم يكتف بالصمت بل التحق بمعسكر كحيلان، لكنه مع كل هذه الظروف المواتية لمراكمة البطولات يدرك جيدا أن الطريق لمنصة التتويج ليس مفروشا بالورود، وأن مشوارا طويلا ومحفوفا بالمفاجآت ينتظره في القسم الثاني من الدوري، ولهذا أظنه ينام بعينين مفتوحتين. رفض الثأر من ابن العم برهن «كحيلان» على حنكته وبعد نظره غير مرة خصوصا عندما حاول الهلاليون جره في الموسم الماضي إلى صراعات خارج الملعب، بهدف ارباك فريقه الذي يتقدم بخطى ثابتة لتحقيق اللقب، تنبه لذلك، فقال صراحة إنه يرفض أن يستدرجه أحد إلى خارج الملعب، ومؤخرا حاولوا إقحامه في مشاكل الهلال لكنه رفض أن يستجيب لغريزة الثار ويستغل الفرصة السانحة ليرد الصاع صاعين على تصريحات سابقة لـ«ابن العم» الأمير عبدالرحمن بن مساعد بل انه ذهب ابعد من ذلك بكيل الثناء والمديح على ما بذله رئيس الهلال من جهد وعمل، وبهذه الروحية العالية استطاع الأمير فيصل بن تركي أن يكسب في الملعب وخارج الملعب، لكن هذه المواقف لا تعني بأي حال من الأحوال أن الرجل مهادن، أو أنه مستعد لتمرير كل شيء، فعندما تسربت أخبار المفاوضات مع كوزمين لتدريب منتخبنا الوطني مؤقتا.. عبر عن احتجاجه على هذه الخطوة عبر حسابه في تويتر قائلا: (أستغرب وأستنكر مفاوضات كوزمين لتدريب منتخبنا وهو الذي غادر البلاد بقرار تأديبي. رموز البلاد خط أحمر لا يمس، والتساهل في هذا يصغرنا في أعين الناس ولا يعتبر تسامحا أبدا)، رغم العلاقة الوثيقة التي تربطه بمن يقف خلف قرار التعاقد مع كوزمين. شبيه الريح مثقف وشاعر رقيق، ومثالي، وصاحب قلب رقيق ايضا.. وماذا بعد؟ ومتواضع وبسيط جدا! هل يوجد في وسطنا الرياضي من تنطبق عليه هذه الأوصاف غير رئيس نادي الهلال الأمير عبدالرحمن بن مساعد؟ الذي خرج من إحدى قصائده ليكون رئيسا لنادي الهلال! إنه ذاك الرجل الذي تحول مسماه الوظيفي من شاعر إلى رئيس ناد رياضي! لم يأت لكرسي الرئاسة بحثا عن «البرواز» لصورته، على الأقل هو كان أقل الرؤساء حاجة للأضواء والوجاهة الاجتماعية، فرصيده منها كبير، قصائده المغناة حملت اسمه إلى خارج الحدود، ولا تزال أشعاره عابرة للحدود والانتماءات الكروية، لكنه لم يرد أن يدخل النادي وهو متكئ على رصيده من الشعر، ولا على رصيده من المال، ولهذا عندما جلس على كرسي الرئاسة أطلق مقولته المثيرة للجدل «سوف أقود النادي بوحي قرآني»! بمعنى أنه يريد أن يعمل وفق منظومة من القيم والمبادئ التي يراها غائبة أو مغيبة عن وسطنا الرياضي، وبعبارة أخرى ربما أراد أن يقول أنا لا أشبه غيري، ولدي مشروع ثقافي لا يقل أهمية عن مشروعي بتحقيق الإنجازات الكروية. كان يظن ان الجلوس على كرسي رئاسة الهلال يشبه الجلوس على ضفة القصيدة، فإذا به يكتشف انه يجلس على الضفة الأخرى من المشاكل المتناسلة مشكلة تلد أخرى! ورغم أن «شبيه الريح» استهل مهمته بإنجازات متتالية، وحقق للهلال بطولة الدوري مرتين، وبطولة كأس ولي العهد خمس مرات، آخرها الموسم قبل الماضي، لكنه الآن يعيش أصعب فترة مع النادي بعد الإخفاق في تحقيق الحلم الآسيوي، والفشل بالنتيجة في الوصول لمونديال الأندية وهو التحدي الصعب الذي راهن الأمير عبدالرحمن على تحقيقه مستثمرا الكثير من المال والوقت والجهد في هذا الحلم. مطالب بالرحيل ومن المؤكد الآن أن الأمير عبدالرحمن بن مساعد في ورطة، والأصوات المطالبة بتنحيه عن رئاسة النادي ترتفع يوما بعد يوم، وقد تسمع أحدهم وهو يقول لنفسه «ليت الأمير بقي بين قصائده»، وقد يخرج قريبا من يقول للأمير بمنتهى الصراحة: «إن هذا الوقت في نادينا ليس وقت القصائد»! وقد ظن البعض أن نهاية هذا الموسم قد تشهد نهاية تجربة الأمير في رئاسة النادي ويلحق برئيس أعضاء الشرف الأمير بندر بن محمد الذي أعلن أخيرا انه سيترك مناصبه في النادي بنهاية هذا الموسم، إلا أن الأمير بدد هذا الاعتقاد بعدما رد سريعا على من يطالبه بالرحيل بالقول: على من يريد رئاسة النادي «أن يقدم شيكا بـ81 مليون ريال ثم نناقشه»! ولكنك شاعر كبير، ولغة الشيكات ليست لغتك، وعندما لا تنجح، فعليك أن تعتذر وتذهب بهدوء إلى قصائدك. بالمناسبة ألم تأخذك الرياضة من الشعر؟ ومنذ متى لم تكتب قصيدة؟ رئيسا الاتحاد والأهلي • وقفتنا القادمة مع رئيسي الأهلي والاتحاد الأمير فهد بن خالد وابراهيم البلوي.
مشاركة :