الكاتب الإسباني راي لوريغا: الأدب أكثر تحررا من السينما

  • 9/13/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

غونزالو رويث توبار روزميري كويباس سائنث ليما - يجمع الأديب الإسباني راي لوريغا بين كتابة الأدب والسينما. في النوع الأدبي الأول، يصنف على أنه روائي وقصاص، وتوج في هذا المجال بالحصول على جائزة “الفاجوارا” المرموقة في نسخة عام 2017 عن روايته “استسلام”. في النوع الثاني، أي السينما، يمارس لوريغا بالإضافة إلى كتابة السيناريو، الإخراج، ومن أبرز إنجازاته في هذا المجال، المشاركة بالقصة والمعالجة السينمائية في فيلم بدرو ألمودوبار الشهير “لحم مرتجف”، عام 1997 بطولة خابيير بارديم وبينيلوبي كروث وأنخيلا مولينا، وفيلم “تيريسا جسد المسيح”، بطولة باث بيغا، بالقصة والسيناريو والإخراج أيضا. نغوص في هذا الحوار مع الكاتب في منجزه الأدبي والسينمائي وعوالمه البائسة المرفوضة، المضادة لمفهوم المدينة الفاضلة (اليوتوبيا)، وهو ما يميز أعماله السردية، والتي وفقا لما يؤكده “لم تعد من نسج الخيال، بل حاضرة ومتجذرة في عالم الواقع”. السينما والأدب ميزة الأدب أنه لا يخضع لبنية محددة مثل العمل السينمائي: البداية، الذروة، النهاية، وهذا يمنح الكاتب حرية أكبر ميزة الأدب أنه لا يخضع لبنية محددة مثل العمل السينمائي: البداية، الذروة، النهاية، وهذا يمنح الكاتب حرية أكبر نسأل الكاتب بداية حول لحظة الكتابة وعلاقتها بالسينما، فعندما تتبادر إلى ذهنه كتابة قصة، كيف يقرر إذا كان سيحولها إلى فيلم أم يبقيها عملا روائيا؟ ليجيب لوريغا “الأمر واضح تماما في ذهني، هناك انفصال صريح بمجرد أن تولد الفكرة في رأسي، على الرغم من أني أعترف بأن معظم أعمالي في السينما كانت بتكليف، حيث كانوا يعرضون عليّ فكرة أو معالجة لرواية، وحينئذ كنت أمارس العمل الذي أحبه. في الوقت نفسه، عندما أفكر في موضوعات تناسب فيلما، تنفصل الفكرة تماما عن الأفكار الأدبية. لا أعرف كيف، أتصور أنني أتخيل أكثر في نسيج بصري، حركة وإيقاعا. أما عندما أكتب رواية، فلا يشغلني كثيرا إذا كانت تصلح أم لا لأن تكون معالجة سينمائية. الآن على سبيل المثال، أميل إلى تقديم معالجة سينمائية لرواية ‘استسلام‘، ولكن أفضل أن يقوم بإعداد المعالجة شخص آخر، أتصور أنه سيقوم بذلك أفضل مني”. وحول الفارق الجوهري بين الأدب والسينما، يقر لوريغا بأن الميزة الأساسية في الأدب أنه لا يخضع لبنية محددة مثل العمل السينمائي: البداية، الذروة، النهاية، وهذا يمنح الكاتب مساحة حرية أكبر، أما السينما فهي فن الممكن، بداية أنت محكوم بميزانية، ويجب التفكير في نجم شباك، وفي شخصيات محددة وفي قصة تثير الحماس أو أحداث مثيرة، جريمة وأكشن، أو حبكة كوميدية، فحتى التنويع في السينما محدود، على عكس الأدب الذي يمنح المبدع خيارات لا حدود لها. عندما يشاهد القارئ عملا سينمائيا مأخوذا عن رواية، عادة ما يعقد مقارنة بين الاثنين، وفي الغالب تكون هذه المقارنة في صالح النسخة المكتوبة. لكن لوريغا يرى أن هذه العبارة “إكليشيه”. ويقول “الأمر وما فيه أن الروايات المقتبسة سينمائيا، هي تلك التي حققت نجاحا جماهيريا ضخما، ومن المنطقي أن يتخيل القارئ وجوه الأبطال والمشاهد، وحتى نمط الأزياء التي يظهرون بها خلال الأحداث. يشكل القارئ في رأسه مخيلة بصرية عن العمل لو افتتن به، وسوف يكون من الصعب إرضاؤه، مهما اجتهد المخرج في تقديم معالجته على الشاشة”. نسأل الكاتب الإسباني إن كان ينحاز شبان هذه الأيام بصورة أكبر للذاكرة المرئية والمسموعة أكثر من ذي قبل؟ وإن كان ذلك ينعكس سلبا على الأدب المكتوب؟ ليجيب لوريغا “ربما تتسبب أدوات التسلية، والتي تشمل ألعاب الفيديو، وشبكات التواصل الاجتماعي، والفيديوهات التي تنشر من مستخدم لمستخدم دون توقف، في سحب البساط من الوقت المخصص للقراءة، ولكن من ناحية أخرى، من خلال جولتي الواسعة التي شملت عددا من الدول، بعد فوزي بجائزة الفاجوارا، أدهشني التعرف إلى قراء تنحصر أعمارهم في المرحلة بين 18 و25 عاما، علاوة على أنه عندما كنت طفلا، في المدرسة، في فصل يضم 40 طالبا، لم يكن عدد من يقرأون منهم يتجاوز اثنين أو ثلاثة”. بين الحلم والكابوس أعمال لوريغا ترسم بورتريه للمكان والزمان أعمال لوريغا ترسم بورتريه للمكان والزمان قد تبدو العوالم البائسة التي يرسمها لوريغا في كتاباته بعيدة عن الواقع فيما هي من صلبه، ويرى الكاتب أن أعماله على الأرجح ترسم بورتريه للمكان والزمان الذي نعيش فيه. فلا يحب أن يبدو متشائما، ويقول إن الأمور أسوأ في الواقع، ولكن بكل أسف يعتقد أن الوضع على نفس القدر من السوء، لافتا إلى أنه عندما يفكر في أوروبا زمن الحرب العالمية الثانية، سواء في بلاده، أو إيطاليا أو ألمانيا، حينما كانت تحكمها أنظمة دكتاتورية فاشية، قتلت الملايين، يتصور أننا عشنا دوما في ظروف رهيبة. قد يرى البعض أن الأمل أصبح بعيد المنال ولم تعد هناك يوتوبيا، لكن لوريغا يقول “فلنتابع الأمثلة: من ناحية، هناك الرأسمالية المتفشية بأنانيتها المتوحشة (مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب)، ومن ناحية أخرى، نظام حكم دانييل أورتيغا الذي وضع نهاية مأساوية مروعة لتجسيد الحلم الماركسي. فلنتأمل تلك اللحظة الراهنة التي يسودها يأس من يقف بين المطرقة والسندان، بين فكرة لم تعد فعالة وحلم يتحول إلى كابوس. احتضن جيلي الحلم الاشتراكي، لأنه كان أكثر الخيارات أخلاقية ومنطقية، ولكن رأينا كم تم إهدار الكثير من هذه الأحلام”. أما عن هيمنة الفساد وانعدام اليقين في كل شيء فيعلق لوريغا “تكمن المشكلة في الصراع بين دولة تحكم سيطرتها المطلقة على الحسابات مما يفتح الباب أمام الفساد الرهيب، ونظام رأسمالي، يعد الفرد بالتمكن من التحكم في أرباحه، وهذا خداع، لأن المال، على عكس ما يدعيه خبراء الاقتصاد، لا ينهال على الفقراء، بل يتبخر دوما إلى أعلى، ويتراكم كسحاب، ولكن لا يمطر أبدا. لا تتوافق اشتراكية الدول الاسكندنافية، ذات الشعوب فائقة التقدم، وذات التعداد الأقل بظروف حياة تصلح لمجتمعات شبه كاملة، مع مجتمعاتنا ويصعب تطبيق نموذجها على الدول الأوروبية، بما في ذلك إسبانيا”. نختتم حوارنا مع راي لوريغا بحديثنا حول مشاريعه الأدبية الحالية، حيث يؤكد أنه انتهى حاليا من تصويب عمل روائي، اكتمل بالفعل. ويتعين عليه الاتصال بدار النشر، وسوف يظهر للنور مطلع 2019، ويعتبر العمل استكمالا للتوجه الذي اتبعه منذ بداية مشواره، على الرغم من أن هذا الأمر لم يتبعه في روايته “استسلام”. يذكر أن راي لوريغا، أديب وسينمائي إسباني ذو باع طويل، من أشهر أعماله الروائية “أسوأ الأشياء”، و”أبطال”، و”سقطوا من السماء”، و”قبعة مسيسبي”، و”زازا، وامبراطور إيبيزا”، و”استسلام”، ومن أشهر أعماله السينمائية “مسدس شقيقي” 1997، و”تيريسا، وجسد المسيح” 2007.

مشاركة :