ترأس المطران جورج بو جوده راعي أبرشية طرابلس المارونية، قداسا احتفاليا بمناسبة عيد ارتفاع الصليب، وذلك عند مدخل بلدة ايطو - قضاء زغرتا وعلى الطريق الرئيس الذي يربط زغرتا بأهدن. شارك في الاحتفالية الخوراسقف أنطوان مخايل النائب العام على أبرشية طرابلس المارونية، الخوري عزت الطحش خادم رعية بلدة ايطو، والخوري طوني بو نعمه، في حضور رئيس بلدية ايطو جوزاف طراد، الأخت اغات طنوس رئيسة دير مار سمعان القرن في ايطو.وقال المطران "جورج بو جوده" في عظته التي القاها صباح اليوم الجمعة، ونشرتها الصفحة الرسمية للابيبارشية، بإن إحتفالنا بعيد إرتفاع الصليب المقدس، له أبعاد تاريخية، وأبعاد لاهوتية وروحية. وتابع المطران بان الأبعاد التاريخية إثنان: في بداية القرن الثالث وبداية القرن الرابع، عندما إهتدى الإمبراطور قسطنطين إلى المسيحية، وأنهى عهد الإضطهاد الذي عاشه المسيحيون طوال300 سنة، وسمح لهم بممارسة حياتهم الدينية بحرية، قامت أمه الملكة هيلانة بالإهتمام بالبحث عن عود الصليب، فكلفت جماعة من العلماء الدينيين فبحثوا في تلة الجلجلة في أورشليم ووجدوا هناك عود الصليب، وقد جرت عدة عجائب بشفاعة هذا الصليب المقدس. فأمر الإمبراطور قسطنطين بأن تبنى كنيسة كبيرة في التلة التي وجد فيه صليب المسيح وقد دشنت الكنيسة في 13أيلول 335، وأصبح هذا العيد عيدا مهما في حياة الكنيسة".واستطرد: "لكن حدثا آخر مهما حصل بعد ذلك بحوالي أربعمئة عام حين استولى الفرس على أورشليم وأخذوا معهم صليب المسيح إلى بلاد فارس وبقي عود الصليب بين أيدي الوثنيين الفرس عشرات السنين، إلى أن أتى الإمبراطور هيرقليوس وحارب الفرس وإستعاد عود الصليب، ولكي يبلغوا الخبر المفرح والسار إلى المسيحيين، أشعلوا النيران على الجبال في 14 أيلول628، وكانت تلك علامة. ولذلك ما زلنا لغاية اليوم في ليلة عيد الصليب نشعل النار علامة عن أن الصليب وجد. وحمل الإمبراطور الصليب وجاء به إلى أورشليم، وعندما هم في دخول المدينة شعر بأن قوة تصده وتمنعه عن الدخول إلى المدينة، فحاول مرات عديدة ولم ينجح إلى أن جاء البطريرك زكريا وقال له:" يا جلالة الملك إن الذي حمل الصليب قبلك كان عريانا مكللا بالشوك، منبوذا حفيانا ولم يكن يلبس ثياب الملك. فتخلى الإمبراطور عن التاج المذهب وعن ثيابه الملوكية عندها استطاع الدخول بصليب المسيح إلى كنيسة القيامة حيث وضع هناك".وأعلن المطران حدثان تاريخيان لكن لهما بعد روحي ولآهوتي.الصليب كان بالأساس علامة الكفر والهوان يرفع عليه المجرمون الكبار وكان يوضع على تلة بالقرب من المدينة حيث يصلب عليه كل المجرمين لكي يستطيع كل المارة أن يلعنوهم. ولذلك سمعنا أن في الكتاب المقدس كلمة تقول: ملعون كل من علق على خشبة. لكن المسيح حول معنى الصليب من علامة للذل والهوان إلى علامة للمجد والإنتصار، حول الموت إلى قيامة وأفهمنا أن الموت مرحلة عابرة في حياتنا وأننا جميعنا مدعوون إلى حياة السعادة مع الله. يقول بولس الرسول في الرسالة الأولى إلى القورنثيين: إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله".وقال:" المسيح، أيها الأحباء، يعلمنا بأسلوبه المعروف بالتناقضات، أن ما نراه نحن مهما وعظيما وكبيرا هو جهالة في عين الله، وما نراه نحن حكمة فهو جهالة عند الله. نحن نعتقد أن الإنسان السعيد هو الذي يملك الخيرات الكبيرة وهو الذي عنده السلطة والجاه والعظمة، بينما المسيح يعلمنا أن الإنسان العظيم هو المسكين وهوالمتواضع والوديع فيقول طوبى للمساكين، طوبى للحزانى، طوبى للمضطهدين. علمنا المسيح أن نفهم أن المعنى الحقيقي للصليب الذي هو لربما علامة للألم والعذاب في حياتنا، ولكن بإستطاعتنا أن نجعل منه علامة للقداسة عندما نعرف أن نتغلب على الألم، على العذاب، على الموت".وتابع: "في الإنجيل يقول لنا المسيح إن حبة الحنطة إن لم تقع في الأرض وتمت تبقى مفردة، وإن ماتت فإنها تأتي بثمر كثير فاذا حاولت حبة الحنطة أن تحافظ على ذاتها لا تعطي نتيجة. ونحن إذا حاولنا أن نتحاشى الألم والموت لن نستطيع ذلك لأن هذا الأمر محتم علينا، ولكن بإستطاعتنا أن نغير معنى الموت، وأن نغير معنى الألم، أن نشارك المسيح في الآمه وفي موته لكي نستطيع أن نشاركه في قيامته وفي إنتصاره على الموت فيصبح بإمكاننا أن نقول مع بولس الرسول:"أين قوتك يا موت وأين شوكتك يا جحيم"؟.وأضاف: "إن إحتفالنا بعيد الصليب، يدعونا إلى التأمل بهذا المعنى الروحي واللآهوتي لايماننا المسيحي. فالمسيح يدعونا كي نشاركه في حمل الصليب ويقول لنا: من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه وليحمل صليبه ويتبعني. فالمسيح لا يريدنا أن نعيش بؤساء، تعساء لكنه يريدنا أن نجعل من التعاسة، من الألم المحتم علينا على هذه الأرض، وسيلة لتقديس أنفسنا، لتنقية أنفسنا لكي نستطيع أن نشاركه في مجده كما شاركناه في الآمه وموته. في هذا المعنى مثلًا عندنا القديسة رفقا التي جعلت من الألم والعذاب وسيلة للقداسة كانت تقول بإستمرار: "مع آلامك يا يسوع". ونحن اليوم، عندما نحتفل بعيد الصليب مدعوون إلى التعمق بهذا المعنى إلى أن نفهم كيف نجعل من الصليب وسيلة وطريقا للقداسة. مرات كثيرة عندما يصيبنا المرض وتحل بنا مصيبة، عندما يحصل لنا أمر مزعج فإننا ندعو إلى اليأس، إلى القنوط، إلى الإحباط، وكثيرون منا يكفرون بالله ويرفضونه، لأنهم لا رجاء لهم كما يقول أيضا بولس الرسول: إذا كان رجاؤنا بالمسيح مقتصرا على أمور الأرض فنحن أشقى الناس أجمعين". علينا أن نعرف كيف نحول المصيبة والعذاب إلى وسيلة لتقديس أنفسنا. نحن نؤمن بالصليب ولا نعتبره بعد الآن علامة للذل والهوان، بل علامة للفخر والإنتصار، فالمسيح لم يبق على الصليب، بل وطئ الموت بالموت ليعيد الحياة للذين في القبور. نحن لسنا أهل تعاسة وشقاء نحن أهل رجاء. نحن نؤمن بالصليب بأنه كان وسيلة لكي يجعلنا المسيح نفهم كيف نتغلب على الموت. بهذا يذكرنا هذا الصليب الذي وضعته هنا أيها السيد سركيس يمين ونشكرك على ذلك".وختم: "فلنطلب اليوم من الرب يسوع القائم من بين الأموات، أن يفهمنا معنى إيماننا، ونتعمق به ونكون شهودا لهذا الإيمان إن في حياتنا في كل مراحل حياتنا، في كل لحظة من لحظات حياتنا فنعرف كيف نمجد الله وكيف نشكره لأنه لا يريد إلا خيرنا وسعادتنا وهو يريدنا أن نعيش معه في السماء أن نعيش معه في السعادة شرط أن نعرف كيف نكفر عن ذنوبنا وعن خطايانا كيف نرجع إليه ونعلن عن إيماننا به ورجائنا بالحياة الأبدية".
مشاركة :