لزرياب دور حضاري في الأندلس، فلم يكن دوره منحصراً في الموسيقى والغناء فحسب كما يظن الكثير، وقد سُئلت أكثر من مرة عن دور زرياب في سقوط الأندلس، فعجبت من هذا السؤال والتحليل، كيف ذلك وقد كان زمنه من أقوى وأثرى العصور في الأندلس، فقد عاصر عهد الأمير عبدالرحمن الأوسط الذي اشتهر زمنه بالقوة والعلم، حتى الفترة التي تلت زمن زرياب كانت أقوى بكثير، فكيف أصبح زرياب سبباً في سقوط الأندلس وقد استمر الوجود الإسلامي في الأندلس بعده بأكثر من ستة قرون، حتى وجدت أن سبب شيوع هذا التحليل هو بعض المتحدثين المعاصرين في التاريخ القائلين بهذا القول كون زرياب -في نظرهم- ألهى الناس بالغناء والطرب!! إن ربط بعض المتصدرين للتاريخ في الإعلام وتحليلاتهم غير المنطقية هي السائدة اليوم للأسف، حصروا أسباب سقوط الدول في الغناء وبناء القصور، وهم يعلمون أن عصور القوة في التاريخ الإسلامي شاع فيه الغناء وبنيت فيه أعظم القصور كما في بغداد وقرطبة، فلا يمكن لنا ربط سبب الانهيار في تحليلات المؤرخين الجدد. لذا لو سأل المستمع لهم عن أسباب سقوط الدول لقال إن البذخ والطرب والغناء والسفور هي أسباب سقوط الدول، تاركاً الأسباب الحقيقية. تعود أسباب سقوط الدول في التاريخ لدواعٍ سياسية وعلمية واقتصادية واجتماعية وجغرافية ودينية واستراتيجية وكذلك الأوضاع في البلاد المحيطة بها، فلا نحصر أسباب السقوط في الغناء واللهو ولو رأينا في تاريخ دول أوروبا -غير الإسلامية- في العصور الوسطى لكانت لديهم نفس أسباب السقوط التي يتحدث بها المؤرخون الجدد فهم يحصرونها في البعد عن الدين -طبقاً لفهمهم الخاص للدين- ولنا خير مثال في دولة المرابطين في المغرب وهي الدولة القوية عسكرياً والتي لم تصمد كما صمدت مملكة غرناطة التي تقف معالمها اليوم شامخة في الأندلس وهي الضعيفة عسكرياً فالأولى كان عمرها أقل من مئة عام والثانية أكثر من قرنين ونصف، فما هو المقياس هنا. فعندما نتحدث عن دولة بني الأحمر فعلينا أن نستجلب في أذهاننا أوضاعها الاقتصادية وحال العالم الإسلامي آنذاك خصوصاً دول المماليك والعثمانيين وبني مرين وكذلك وضع أوروبا وممالك النصارى فيها خصوصاً مملكتي قشتالة وأراجون لأن الدول تتأثر ببعضها. فلا يمكن لنا تحميل دول في التاريخ ما لا كان لها طاقة فيه، فقد يقول قائل لماذا لم تقاوم الدولة الإسلامية آنذاك تلك الدولة!! فالمتسائل هنا قرأ التاريخ بطريقة عاطفية بعيدة عن الواقع لأنه لم يتعود على استحضار الأسباب الكاملة، لأنه يظن أن الحرب آنذاك هي ركوب خيل وحمل سلاح فقط، مستبعداً الوضع الاقتصادي للبلد وتكلفة تجهيز الجيش الذي يحتاج لميزانية ضخمة لجمع العتاد والسلاح وغذاء الجند وشراء الدواب وتوفير المياه للجند وللدواب والخيام وغيرها من التجهيزات، ولنا أن نرى أهمية ما قدمه عثمان رضي الله عنه في غزوة تبوك وتجهيزه لثلث جيش العسرة، كون القوة الاقتصادية أساساً للقوة العسكرية. عبدالمجيد بن محمد المدرع
مشاركة :