الجزائر – تحاول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل العثور في الجزائر على مفتاح الحل لمعضلة الهجرة غير الشرعية التي مازالت تشكل عقبة أمام تماسك ائتلاف حكومي هش تقوده في برلين، في الوقت ذاته الذي تبحث فيه الجزائر عن ضمان مواقف ألمانية مناهضة للمغرب وداعمة لجبهة البوليساريو في قضية الصحراء المغربية. ومع صعود اليمين المتطرف وتحكمه في مواقع صنع القرار في إيطاليا والمجر، وتولي مواقع مؤثرة في ألمانيا، تحولت قضية الهجرة إلى العصا في دواليب الاتحاد الأوروبي. وتحاول ميركل العثور على مخرج من الأزمة، التي تهدد بانهيار الحكومة في برلين، هذه المرة في الجزائر. وتقوم معادلة ميركل على تعويض رفض مصري وتونسي ومغربي لإقامة “منصات إنزال” للمهاجرين، يتم فيها فحص أحقيتهم في الحصول على اللجوء في أوروبا، أو إعادتهم مرة أخرى إلى بلدانهم الأصلية، من دون أن يكونوا قادرين على عبور البحر المتوسط والوصول إلى الأراضي الأوروبية. وتحاول المستشارة الألمانية تقديم عروض تجارية واقتصادية كبيرة للمسؤولين الجزائريين، في مقابل السماح للوكالات الأوروبية وموظفي الهجرة بالعمل على الأراضي الجزائرية لتجميع المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا ودول المغرب العربي. ويقول أستاذ العلاقات الدولية الجزائري سليم ثابتي لـ”العرب” إن “زيارة المستشارة الألمانية للجزائر تحمل بعدا حساسا بالنظر إلى كونها مؤجلة منذ شهر فبراير من العام الماضي، ولتزامنها مع تصاعد نفوذ التيار اليميني والشعبوي في أوروبا، فضلا عن ارتباطها برغبة سلطات برلين في التخلص من أعداد الرعايا الجزائريين غير الشرعيين فوق التراب الألماني”. ولفت إلى أن توجه أوروبا في الآونة الأخيرة لمقايضة دول الجنوب المتوسطي بآليات الحد من الهجرة غير الشرعية، بتعزيز التعاون الاقتصادي سيكون قاعدة جديدة في الدبلوماسية الأوروبية والألمانية تحديدا. عرض ألماني منتظر في الجزائر فرصة لتقييم العلاقات مع الجزائر ولم يستبعد أن تبرز ميركل “آليات مقايضة مع الجزائر، تربط تعاون برلين مع الجزائر، بمدى جدية الأخيرة في التعاطي مع ملف الهجرة السرية وفق المقاربة الأوروبية”. وتجد الجزائر في الموقف الألماني الأقرب لدعم جبهة البوليساريو نقطة استراتيجية ومحورا تفاوضيا هاما في عملية المقايضة التي من المتوقع أن تقوم بها ميركل في الجزائر. كما يتوقع المسؤولون الجزائريون تدفق استثمارات ألمانية وأوروبية، ضمن عملية إعادة تأهيل كبيرة للاقتصاد الجزائري. وقالت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إن “ميركل ستلتقي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء أحمد أويحيى”، مشيرة إلى أن “الزيارة ستشكل فرصة لتقييم العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وألمانيا وتعزيز محاور الشراكة من أجل علاقات ثنائية متينة تقوم على أرضية تعاون اقتصادي مكثف”. وفي الأشهر السبعة الأولى من عام 2018، استوردت الجزائر 1.9 مليار دولار من المنتجات الألمانية، ما يجعل برلين خامس أكبر مورد في البلاد، وفقا لبيانات الجمارك الجزائرية. وأكد ثابتي أن “المستشارة الألمانية ستؤكد للسلطات الجزائرية رؤيتها البراغماتية في ترحيل الرعايا الجزائريين المقيمين على أراضيها، وضرورة استقبالهم من سلطات بلادهم بعد التردد الذي ميز موقف الجزائر منذ زيارة رئيس الوزراء الجزائري السابق عبدالمالك سلال لألمانيا في مطلع العام 2016، فضلا عن بحث فرص إمكانية مساهمة الجزائر في إقامة معسكرات للمهاجرين غير الشرعيين على أراضيها، مقابل الحصول على مساعدات اقتصادية ومالية”. واشتكى مسؤولون جزائريون وقادة منظمات مدنية في وقت سابق من تعرض حكومة بوتفليقة لضغوط أوروبية بقصد إنشاء مراكز لاحتجاز الآلاف من المهاجرين الأفارقة. ومن المرجح أن يكون عرض ميركل قد تم بتوافق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قالت تقارير أوروبية إنه يلعب دور الوسيط بشكل نشط لإتمام اتفاق بين الجانبين. وإذا ما وافقت الجزائر على الاقتراح الأوروبي، فمن المتوقع أن يحدث اختراق في الخلافات الأوروبية، ويقود إلى تعزيز موقع ميركل السياسي مرة أخرى.
مشاركة :