يوسف أبو لوز - إن الإدارة الفرنسية قد صادرت دين العرب لكي تبقيهم في التجزئة والتفتت، وهي تختار رجال الدين الإسلامي من بين عملائها، وقد حافظت على أحطّ أنواع الخرافات التي تفرّق بين الناس.- ليس صحيحاً أن هناك مستعمرين صالحين وآخرين أشراراً: هناك مستعمرون وحسب، فإذا أدركنا ذلك، أدركنا لماذا يحق للجزائريين أن يهاجموا، سياسياً قبل كل شيء، هذا النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.- إن تحرير الجزائريين وتحرير فرنسا بالذات لا يمكن أن يخرج إلاّ من انهيار الاستعمار.مَنْ قائل هذه العبارات الثلاث أعلاه؟ إنه ليس مناضلاً سياسياً من زمن الثورة الجزائرية، وليس مفكراً عربياً قومياً أو أيديولوجياً من ستينات أو خمسينات القرن العشرين، بل هو الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر في كتاب له بعنوان حادّ وصارخ هو «عارنا في الجزائر»، صدر قبل حوالي أربعين عاماً عن «دار الآداب» في بيروت.وأكثر من ذلك يضيف «ليست للجلّادين أيام عطلة أو عيد. إننا لسنا سليمي الطوية. إننا قذرون، إن ضمائرنا لم تعكّر، وهي مع ذلك مبلبلة. ليتنا نستطيع النوم، وليتنا نستطيع أن نجهل كل شيء. ليتنا مفصولون عن الجزائر بجزر من الصمت».كان سارتر، أحد عرّابي الوجودية الكبار، نموذجاً بالغ الوضوح على الكاتب الرافض. رفض «نوبل»، ولكن الأهم من ذلك أنه رفض ثقافة ومنظومة الاستعمار العالمية، وما قاله قبل عقود من الزمن يصلح أن يُقرأ ويُستعاد اليوم في وجه الاحتلال «الإسرائيلي» مباشرة وبشكل خاص فيما يتصل ببناء المستعمرات المنظّم، والتهام الأرض الفلسطينية وتفتيتها وتقسيمها بالجدران العنصرية الفاصلة.عار فرنسا في الجزائر، بحسب عنوان سارتر، هو أيضاً عار «إسرائيل» في فلسطين، ولكن لا يوجد اليوم سارتر فرنسي، كما لا يوجد «سارتر عربي» ليقول ما قاله هذا الرجل القويّ الشجاع.وسوف لا نكذب على أنفسنا اليوم، ونحن نسمع من وقت إلى آخر من يقول إن في «إسرائيل» كتّاباً وشعراء ومفكرين يتضامنون مع الفلسطينيين، هذه كذبة مكشوفة، والدليل على ذلك أن لا أحد منهم امتلك لغة سارتر، واعترف بعار الاستعمار، وعار الاحتلال.قبل سنوات زار عدد من كبار كتّاب العالم فلسطين، ومنهم من حاز "نوبل"، ومنهم من يقود وراءه شعبية عالمية، والفلسطيني «الشعبي» بدوره يقول: شكراً لهؤلاء، لكن الطابع العام لهذا التضامن الثقافي كان بارداً عابراً.الفلسطيني ليس في زمن سارتر اليوم، بل هو ليس حتى في زمنه وفي ذاته الثقافية والوطنية، بمعنى أننا قبل أن ننتقد الكاتب «الإسرائيلي» ونفتش بالإبرة عن موقفه التضامني معنا، علينا أن ننتقد الكاتب الفلسطيني نفسه، هذا الكاتب الذي عليه أن يكون في جرأة وشجاعة جان بول سارتر. yabolouz@gmail.com
مشاركة :