تونس - أعاق نزاع يدور منذ أشهر، بين رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد وقادة آخرين من الحزب الحاكم الذي رشحه للمنصب، جهود البلاد لمواجهة أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة. وتحوّل الخلاف إلى معركة مباشرة بين حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لنداء تونس، والشاهد الذي يعتبر أحد أهم قياديي الحزب، وزادت الأزمة حدة بعد أن رفض الشاهد الإجابة على استجواب وجهته له الهيئة السياسية للحزب، الذي قرّر، ليل الجمعة، تجميد عضوية رئيس الحكومة بالحزب وإحالة ملفه إلى لجنة النظام الداخلي لاتخاذ قرار نهائي بشأنه. ورفض الشاهد الذي يحاول تشكيل كتلة منفصلة عن نداء تونس في البرلمان، السبت، التعليق على القرار. وقال الخبير السياسي حمزة المؤدب إن “كل شيء معطل في تونس حاليا، هناك حالة من الغموض الكامل”. وعبر عن أسفه لأن “البلد منشغل بالكامل بالمناورات السياسية في الأمد القصير والطموحات الشخصية للبعض، على حساب الوضع الاقتصادي الملح والأولويات الاجتماعية والأعمال البنيوية”. وكان حزب نداء تونس قد وجّه استجوابا مكتوبا لرئيس الحكومة حول علاقته بالحزب وبمؤسسه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والغموض بشأن تحالفه مع حركة النهضة دون علم الحزب، إلا أن رئيس الحكومة تجاهل الردّ. وقال في كلمة افتتاح ندوة بشأن التوجهات الاقتصادية والاجتماعية في موازنة 2019، “وقتي لا يسمح بالردّ على استجوابات نداء تونس، أنا منكب على حل الملفات الاقتصادية الحارقة”. وأكّد الشاهد أن الصراعات السياسية الجانبية شوشت على عمل الحكومة ومثلت قوة جذب إلى الوراء وعرقلت مسار الإصلاح لتحقيق النمو الاقتصادي. رضا بالحاج: تمرّد الشاهد على هياكل الحزب من أهم الأسباب التي عجّلت بتجميد عضويته رضا بالحاج: تمرّد الشاهد على هياكل الحزب من أهم الأسباب التي عجّلت بتجميد عضويته وقال رضا بالحاج القيادي بحزب نداء تونس في تصريح لـ”العرب” إن تمرّد الشاهد على هياكل الحزب الذي اقترحه ليكون رئيسا للحكومة وعدم انضباطه والرد على الاستجواب الذي وجّه له هو من أهم الأسباب التي عجّلت بتجميد عضويته. واتّهم بالحاج رئيس الحكومة بنكران جميل الحزب، وأنه “لم يتمرّد فقط على هياكل الحزب بل تمرّد على الرئيس الباجي قائد السبسي الذي منحه ثقته لقيادة البلاد بصفته قياديا بحزب نداء تونس″. وأشار إلى أن لامبالاة الشاهد بحزبه أو بالأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد تؤكّد بصفة قطعية عزمه على تأسيس مشروع سياسي جديد لتأمين مستقبله وتعبيد الطريق لنفسه لخوض الانتخابات في عام 2019. والشاهد، رئيس الوزراء السابع منذ ثورة 2011، سجل رقما قياسيا في مدة بقائه في الحكم منذ تعيينه في أغسطس 2016. وهو يلقى تقدير الجهات المانحة الدولية التي تؤمن الأموال لتونس، وكذلك دعم حزب النهضة الإسلامي الذي يمتلك أكبر كتلة في البرلمان. ويعتبر مراقبون أن العلاقة بين نداء تونس ويوسف الشاهد قد وصلت حدا فاصلا سيتوّج في الأسابيع القادمة بإعلان القطيعة النهائية بين الطرفين، في ظلّ ما تشير إليه كواليس ومصادر مقرّبة من أن الشاهد عازم على تأسيس مشروع سياسي جديد بعد أن تمكّن من تحصين نفسه بكتل برلمانية وازنة وآخرها كتلة “الائتلاف الوطني” المكونة من قرابة 40 نائبا جلهم متحدرون من حزب نداء تونس وكانوا قد أعلنوا صراحة عن مساندة رئيس الحكومة. وقال جلال غديرة النائب بالبرلمان عن كتلة “الائتلاف المدني” إن قرار تجميد عضوية رئيس الحكومة بالحزب الحاكم هو قرار جائر ولا يستند إلى مرجعية قانونية للحزب. وأكّد غديرة أنه كان من الأجدى أن يدافع نداء تونس عن خيارات رئيس حكومته ودعمه سياسيا للبحث عن مخارج واقعية تنقذ تونس من كل الأزمات التي عصفت بها جراء الأزمات التي اختلقتها قيادة نداء تونس طيلة الأشهر الأخيرة، مشيرا إلى أن تجميد عضوية الشاهد بالحزب ضربة قاضية لنداء تونس وليس للشاهد. وأسرّت مصادر مطلعة ومقربة من رئيس الحكومة لـ”العرب” أن مسألة مغادرة يوسف الشاهد لنداء تونس محسومة، مؤكّدة أنه بالفعل توجد أفكار من قبل كل الداعمين للحكومة تهدف إلى تأسيس حزب سياسي جديد. وأكّدت أنه لا توجد إلى الآن نقاشات مباشرة بخصوص الحزب الجديد، لكنها مجرّد أفكار قد تترجم على أرض الواقع مباشرة عقب تمرير قانون المالية لعام 2019. ويرى العديد من المراقبين أن رئيس الحكومة الذي تمكّن رغم توفر كل الضغوط التي نادت بإقالته قد نجح في ضمان بقائه على رأس الحكومة عقب تمكنه من إحاطة نفسه بحزام برلماني قوي، فيما يرجح آخرون أن يقدم الشاهد استقالته مطلع العام القادم للتفرغ لمشروعه السياسي الجديد الذي قد يدخل به كمنافس في الانتخابات الرئاسية والتشريعية نهاية 2019. وكان بيان الهيئة السياسية لنداء تونس تضمن علاوة على قرار تجميد الشاهد، مغازلة للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) الرافض بدوره لبقاء الشاهد على رأس الحكومة بتأكيده مساندته المطلقة لاتحاد الشغل ضدّ ما أسماه البيان حملات التشكيك والتشويه للمنظمة العمالية. وبنفس مواقف نداء تونس واتحاد الشغل تقريبا، دعت الجبهة الشعبية (تكتل معارض من أحزاب سياسية يسارية وقومية) الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنية والتونسيين إلى العمل “من أجل إسقاط الحكومة في أقرب وقت ممكن لإيقاف النزيف ووقف الانهيار وبلورة بديل وطني للإنقاذ”.
مشاركة :