التنمية عملية شاملة متكاملة يتوقف نجاحها على ما يقوم به البشر من جهد متعدد الجوانب والاشكال، فقد تزايد الاهتمام بقضية التنمية التي أخذت معنى أكثر شمولية، وارتبطت بتحول فكري وتربوي ضخم يضم سائر الامكانيات البشرية العلمية والثقافية والتكنولوجية الموظفة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها. ويأتي كتاب "التعليم 2030: دليل التخطيط نحو المستقبل" والذي قادم بإعداده الدكتور علي عبده الألمعي مدير مكتب إدارة الاستراتيجية بمكتب تحقيق الرؤية بتكليف من مكتب التربية العربي لدول الخليج. موضحاً آليات بناء الخطط الوطنية للهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة من خلال التخطيط الاستراتيجي المدروس، والذي يمكن من تحقيق أهداف التعليم 2030م. والذي جاء في ثلاثة فصول (الفصل الأول عن التنمية المستدامة، والفصل الثاني مداخل في التخطيط، أما الفصل الثالث فهو عن التخطيط للتنمية المستدامة) ومختوماً بنماذج استرشادية لبناء الخطة الوطنية للتنمية المستدامة.التنمية المستدامةبدأ الاهتمام بالتنمية المستدامة بعد عقد عدد من المؤتمرات والاجتماعات التي تعني بالبيئة ودور الانسان في حمايتها، والمحافظة عليها من خلال التركيز على مفهوم البيئة والتنمية. وبدأ هذا المفهوم يظهر في الادبيات التنموية الدولية في أواسط الثمانينات من القرن الماضي تحت تأثير الاهتمامات الجديدة بالحفاظ على البيئة، وفي الادبيات الاقتصادية الخاصة بالعالم الثالث نظراً لتعثر كثير من السياسات التنموية المعمول بها والتي أدت إلى تفاقم المديونية الخارجية وتردي الانتاجية وبخاصة القطاع الصناعي.وقد أستقر الرأي تدريجياً على أن السياسات التنموية لكي تؤدي إلى إنماء قابل للاستمرار يجب الا تحترم مقومات البيئة التي يعيش فيها الانسان وحسب بل عليها أيضاً أن تراعي قدرة كل الفئات الاجتماعية على تحمل التغيير والاستفادة منه على قدم المساواة، لذلك أمتد نطاق المفهوم إلى القضايا الانسانية والبشرية وأصبحت النظريات التنموية تركز أكثر على هدف التنمية "الأنسان" وأحواله الصحية والثقافية والسياسية ، وذلك خلاف الفترات السابقة التي كان التركيز ينصب من خلالها على وسائل التنمية المادية، أي على زيادة معدلات الاستثمار ومعدلات النمو الاقتصادي العام السنوية وزيادة مستويات الاستهلاك من منتجات الصناعات الحديثة. ولابد أن نعلم أن التنمية المستدامة اليوم ليست مجرد دعوة لحماية البيئة فقط بل تعني مفهوماً جديداً للنمو الاقتصادي، مفهوماً يوفر العدل والفرصة للجميع مع المحافظة على مصادر العالم المحدودة وقدرتها على التحمل والتنمية القابلة للاستمرار، والتنمية المستدامة صفة يجب أن تتصل بالمجتمع وليس الفرد، ويتطلب هذا وضع مخططات تنموية ذات بعد زمني كبير يتجاوز الخمس والعشر سنوات، مخططات تأخذ في حسابها وضع تصور لشكل المجتمع في قرن قادم أو حتى أكثر مع تقدير لإسهام مختلف المتغيرات وخصوصاً ذات الطبيعة العالمية.مفهوم التنمية المستدامة وأبعادهاوتعرف التنمية المستدامة بأنها التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر من دون الحد من إمكانية تلبية احتياجات أجيال المستقبل. بمعنى أن حبل الانتاج لا يجب أن ينقطع مدى الحياة جيلاً بعد جيل. وهذا يقتضي نمواً اقتصادياً كافياً ودائماً يكون نتاجه حقاً لكل الفئات الاجتماعية، ومن دون ان يقضي على الثروات الطبيعية أو يستنفذها أو يمس بسلامة المحيط البيئي، وبعبارة أخرى التنمية المستدامة هي التنمية التي تحقق توازناً بين الجانب الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حيث يجب أن يتحقق النمو في كل جانب من الجوانب الثلاث دون المساس بالجانبين الآخرين، أي من دون أن يكون نمو جانب منها على حساب الجانبين الاخرين أو على حسابهما معاً. كما يعني مفهوم التنمية المستدامة تحقيق التكامل بين جهود الدولة والمجتمع من أجل زيادة النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية مع ترشيد استغلال الموارد الطبيعية لتأمين احتياجات المجتمع الحالية منها، ولكن من دون الاضرار بقدرة الاجيال القادمة على تأمين احتياجاتهم. وتتكون أبعاد التنمية المستدامة من (رأس المال-الممتلكات العينية-القوى البشرية- الرصيد الاجتماعي- الثروة الطبيعية) وجميع هذه الابعاد يمكن تلخيصها في ثلاثة ابعاد اساسية هي البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي والبعد البيئي. وهي تعد بمثابة الاركان للتنمية المستدامة وهي ليست بمعزل عن بعضها البعض بل هي متداخلة وتتشابك لتكون نقطة التقاء تلك الابعاد هي التنمية المستدامة الحقيقية والتي محورها الانسان.دور التربية والتعليم في تحقيق التنمية المستدامةتؤدي التربية والتعليم دوراً مهماً ورئيسياً في مجال التنمية المستدامة وهي الأداء الرئيسية التي في ضوئها يتم إحداث تغييرات في هذا العالم.وهناك سببين رئيسين للاعتماد على التربية والتعليم في إحداث التغيير والوصول إلى تنمية مستدامة في هذا العالم، السبب الأول يرجع إلى أن التربية هي الانسب في إكساب الطلاب، الذين سيكونون يوماً ما القوة العاملة في المجتمع، المعلومات والمهارات اللازمة والضرورية لمواجهة التغيرات بحكم قضائهم أكثر من أثني عشر عاماً في السلم التعليمي.. أما السبب الثاني فعلى الرغم من التقنية الحديثة تؤدي دوراً في اقتصاديات أي بلد كان، إلا أن المجتمع اليوم هو الذي يحدد نوعية التقنية التي يحتاجها، ولكي يحدث ذلك لابد من أن يكون المجتمع على مرحلة من التعليم تؤهله لأخذ قرارات بذلك، لذا يحتم على التربية والتعليم هنا على أنها ليست محصورة في جدران المدرسة فقط بل تتعداه إلى خارجها. أن الدور الملقى على عاتق التربية والتعليم في مجال التنمية المستدامة ليس بالبسيط وأن المعنيين بها بذل الجهد اللازم لإعطاء التربية والتعليم الدور المنوط بها في خدمة التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها، إن هذا يتطلب بناء الخطط الوطنية الطموح وتنفيذها، وإعادة النظر في دور المناهج الدراسية في مجال التنمية المستدامة، وإدماج مفاهيم وقضايا التنمية المستدامة وأبعادها الثلاثة فيها بخاصة في مواد العلوم والدراسات الاجتماعية وزيادة تأهيل المعلم وتقديم البرامج المساعدة له وتوضيح دوره في مجال التنمية المستدامة والاستفادة من خبرته في توعية الطلاب والمجتمع بأهمية التنمية المستدامة، وتنويع البرامج والأنشطة المختلفة، بخاصة الأنشطة الحقلية التي تكسب الطلاب وعياً حقيقياً لمشاكل بيئتهم، وتشعرهم بأهمية البيئة، وتثير لديهم الدافعية للبحث والتقصي عنها، وعن سبل العيش فيها، مع العناية بتنمية مجموعة المهارات لدى الطلاب مثل التخطيط والتصميم والتنفيذ واتخاذ القرار وتنمية القراءة والكتابة عن مجالات التنمية المستدامة وتفعيل المسابقات بين الطلاب داخل المدارس وخارجها للتعريف بالتنمية المستدامة والتدريب الميداني لكي تؤدي التربية والتعليم الدور المطلوب منها على أكمل وجه.سبع غايات وثلاث وسائليختص الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة بالتعليم والذي يتكون من سبع غايات وثلاثة وسائل للتنفيذ وينص على "ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع"وللوصل إلى الهدف في 2030 لابد من:1. بناء المرافق التعليمية التي تراعي الفروق الفردية بين الجنسين والاعاقة والاطفال ورفع مستوى المرافق التعليمية القائمة وتهيئة بيئة تعليمية فعالة ومأمونة وخالية من العنف للجميع.2. الزيادة بنسبة كبيرة في عدد المنح المدرسية المتاحة للبلدان النامية على الصعيد العالمي وبخاصة لأقل البلدان نمواً والدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان الافريقية، للالتحاق بالتعليم العالي بما في ذلك منح التدريب المهني وتكنولوجيا المعلومات الاتصالات والبرامج التقنية والهندسية والعلمية في البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية الأخرى، بحلول عام 2030م.3. الزيادة بنسبة كبيرة في عدد المعلمين المؤهلين، من خلال التعاون الولي لتدريب المعلمين في البلدان النامية، وبخاصة في أقل البلدان نمواً والدول الجزرية الصغيرة النامية، بحلول عام 2030.كما أن للتعليم أثر في جدول أعمال أهداف التنمية المستدامة وهو مدرج في غايات أخرى منها القضاء على الفقر - الصحة - المساو بين الجنسين - العمل اللائق-الاستهلاك المسؤول- تغير المناخ-السلام والعدل والمؤسسات القوية.أربع مستوياتتتكون مستويات رصد أهداف التنمية المستدامة من أربع مستويات هي كالتالي:1- المستوى الوطني: ويمكن تحقيق ذلك من خلال إعداد برنامج تقني إلكتروني يسهم في تسهيل الرصد والمتابعة لمؤشرات قياس الاداء الهدف الرابع للتنمية المستدامة وغاياته ووسائله.2- المستوى الاقليمي: ويتناول مؤشرات لرصد قضايا التعليم ذات الصلة على المستوى الاقليمي (خطة تطوير التعليم في الوطن العربي)3- المستوى القطاعي: ويتناول مؤشرات تغطي قضايا مرتبطة بسياسات التعليم على نحو أكثر شمولاً.4- المستوى العالمي: ويتناول مجموعة صغيرة من المؤشرات الأساسية كجزء من أطار عالمي. أوسع.وقد وضح الكتاب المقدم إلى المسؤولين عن التخطيط التربوي والمهتمين والباحثين آليات بناء الخطط الوطنية للتنمية المستدامة، والتي تعد منطلقاً رئيسياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال برامج ومشروعات وأنشطة وطنية، يتم رصد تقديمها عبر مؤشرات قياس الأداء، ويمكنها أن تساعد الدول في الوفاء بالتزاماتها الدولية في مجال تحقيق التنمية المستدامة.
مشاركة :