استراتيجية أمريكية جديدة لمكافحة الإرهاب.. أي دروس مستفادة؟

  • 9/17/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في الخامس من سبتمبر2018، أعلنت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكي كريستين نيلسن أن الإدارة الأمريكية تعد استراتيجية جديدة تجيز ملاحقة الإرهابيين في كل زمان ومكان من دون أي اعتبارات للحدود الجغرافية، ووفقًا للمسؤولة الأمريكية، فإن تلك الاستراتيجية سوف تتضمن أبعادًا جديدة لمواجهة الإرهاب من بينها التركيز على التهديدات التي تأتي من دول من بينها إيران، فضلاً عن عدم اختزال التهديدات في الجماعات الإرهابية فحسب، بل في العصابات الإجرامية التي لديها شبكات موسعة لتهديد المصالح الأمريكية في مناطق مختلفة من العالم، بالإضافة إلى إعادة التركيز على مخاطر التهديدات الإلكترونية التي تستهدف البنية الأساسية الأمريكية. واستعدادًا لتنفيذ تلك الاستراتيجية قامت وزارة الأمن الداخلي مؤخرًا بإعادة تنظيم وحداتها الاستخباراتية حيث أضحت أشبه ما تكون بمراكز البعثات التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تصدر استراتيجيات للأمن القومي كان آخرها تلك التي صدرت في 18 ديسمبر2017، وتضمنت جوانب تفصيلية لنهج الإدارة الأمريكية الجديدة في مواجهة الإرهاب إلا أنه في تقديري أن إيلاء الولايات المتحدة قضية التصدي للإرهاب أهمية خاصة من خلال استراتيجية جديدة، أمر يعكس ثلاثة مستجدات مهمة للغاية أولها: فكرة التركيز على الدول التي ترعى الإرهاب وهذه مسألة جديرة بالاهتمام، فالولايات المتحدة تخوض حربًا ضد الإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 وحتى الآن، إلا أن تلك الحرب جل تركيزها على جماعات بعينها، لكن المهم هو التركيز في الوقت الراهن على الدول التي ترعى الإرهاب من خلال آليات عديدة سواء التمويل أو التدريب أو الإيواء وبما سوف يتطلبه ذلك من إجراءات، صحيح أن الولايات المتحدة هي التي ستقود تلك الجهود، إلا أنها ربما تتطلب تأسيس تحالفات لمواجهة الإرهاب، وخاصة مع تطور عمل الجماعات الإرهابية والتي تحتاج إلى جهود جماعية، وثانيها: الربط بين الإرهاب والجريمة المنظمة حيث شهدت السنوات الأخيرة تلازمًا واضحًا بين الأمرين، بل إنه كان هناك اهتمام دولي بهذا الأمر، وهو ما عكسه التقرير الذي أصدره برلمان الاتحاد الأوروبي في عام 2015 بعنوان «العلاقة بين الإرهاب وجماعات الجريمة المنظمة»، وثالثها: مواجهة مخاطر الإرهاب غير التقليدي، وخاصة في ظل التطور الذي شهدته وسائل الاتصال الحديثة إلى الحد الذي أضحت الجماعات الإرهابية لديها القدرة على التكيف مع تلك الوسائل وفقًا لتقارير صادرة في هذا الشأن. وبرغم أهمية تلك الاستراتيجية فإن نجاحها برأيي يتوقف على خمسة أمور الأول: التكامل مع الجهود الإقليمية سواء من خلال المناورات المشتركة ولعل أبرزها مناورات النجم الساطع 2018 والتي تمت بين الجيش المصري وعناصر من القوات الخاصة الأمريكية، بالإضافة إلى عدة دول أخرى كمشاركين ومراقبين في الوقت ذاته، واستهدفت التدريب على سيناريوهات التهديدات المختلفة في ظل الحرب التقليدية وغير النظامية على حد سواء، الأمر الذي يعزز ليس فقط من إيجاد تفاهم إقليمي-دولي بشأن آليات مواجهة الإرهاب بل قدرة قوات تلك الدول التي تتباين في عقيدتها العسكرية وسبل التدريب على العمل في بيئات مختلفة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتأسيس تحالفات لمواجهة الإرهاب والدول الراعية له، ولاشك أن التحالف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب يعد تجربة إقليمية مهمة يمكن التكامل معها ضمن تلك الجهود، والثاني: كشف الغطاء عن الدول الراعية للإرهاب بل وتأسيس إطار دولي ليكون عامل ضغط تجاهها من خلال قرارات أممية جديدة تأخذ بالاعتبار التطورات الجديدة في عمل الجماعات الإرهابية، والثالث: أهمية وجود توافق أمريكي - روسي بشأن الأزمات الإقليمية ليس أقلها الأزمة السورية. وهنا تجدر الإشارة إلى تصريح نائب وزير الخارجية الروسي في العاشر من سبتمبر2018 بأن «الجماعات الإرهابية في سوريا باتت لديها القدرة على إنتاج أسلحة كيميائية، كما أنها تتمتع بدعم مادي وفني من الخارج»، وهو أمر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار بل أنه متغير جديد ليس في عمل الجماعات الإرهابية فحسب بل في منظومة الأمن الإقليمي عمومًا، والرابع: وجود توافقات إقليمية ودولية على تصنيف الجماعات الإرهابية حيث إن اختلاف الدول في هذا الشأن يرتب ثغرات لعمل تلك الجماعات، وخاصة على صعيد التمويل، والخامس: التعاون الاستخباراتي بين الولايات المتحدة والأطراف الإقليمية، بل والأهم تطوير العمل الاستخباراتي ذاته حيث إن الإجراءات الاستباقية من شأنها الحد من نتائج أي هجمات إرهابية متوقعة، ولحلف الناتو تجربة جديرة بالاهتمام ضمن هذا الإطار حيث يقوم الحلف بدعم السلطات الوطنية أعضاء الحلف بالمشاورات وتبادل المعلومات الاستخباراتية من خلال عمل وحدة المعلومات الاستخباراتية في مقر الحلف بزيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الأعضاء. وبعيدًا عن المزيد من الخوض في متطلبات نجاح تلك الاستراتيجية فإن بها دورسًا مستفادة ضمن جهود مواجهة الإرهاب، ومنها ضرورة تطوير الأجهزة الأمنية بما يتلاءم وتطور عمل الجماعات الإرهابية الذي لم يعد تقليديًا سواء في الفعل أو الآلية وأتصور أن دراسة الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية الأمريكية وتطوره خلال السنوات الأخيرة يعد أمرًا مهمًا، فالولايات المتحدة أول من استحدث وزارة للأمن الداخلي في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لكنها شهدت تطورات هيكلية خلال السنوات القليلة الماضية، فضلاً عن إيلاء العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة اهتمامًا خاصًا، حيث إن العلاقة بين الأمرين تتجاوز كونها علاقة عمل، إذ تستهدف تدمير البنية التحتية للدول، بالإضافة إلى مواجهة الإرهاب الإلكتروني الذي أضحى أخطر مظاهر الإرهاب على الإطلاق كونه عابرًا للحدود التقليدية للدول ويستهدف بشكل مباشر المنشآت والمرافق الحيوية لها. ومجمل القول إن تلك الاستراتيجيات جديرة بالاهتمام ليس فقط من منظورها الأمني بل في مدى تأثيرها على السياسة الخارجية الأمريكية عمومًا وتجاه الأزمات الإقليمية على نحو خاص. ‭{‬ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة

مشاركة :