دول الــخـلـــيج وإدارة أزمـــة كــورونا: أي دروس مـسـتفــادة؟

  • 6/22/2020
  • 01:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

ربما يكون من المبكر الحديث عن تقييم نماذج إدارة دولة أو مجموعة من الدول يضمها تنظيم إقليمي واحد لجائحة كورونا لسبب مؤداه تغير استراتيجيات الدول بهذا الشأن ربما خلال اليوم الواحد وفقًا لما تقتضيه تطورات تلك الجائحة، إلا أن ذلك لا يعني أنه يتعين الانتظار الى حين انحسارها أو القضاء عليها تمامًا وخاصة أن جهود دول الخليج فرادى أو من خلال العمل الجماعي قدمت دروسًا مستفادة يمكن استثمارها مستقبلاً أولها: إذا كانت الأزمات التي تواجه كافة دول العالم في وقت متزامن تثير تساؤلات حول متطلبات العمل الجماعي في ظل ما تفرضه من تحديات لا يمكن مواجهتها سوى بالتعاون المشترك فإن جائحة كورونا قد مثلت اختبارًا حقيقيًا لذلك العمل بل لمبدأ التضامن ذاته سواء على صعيد الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ففي الوقت الذي لم يكن فيه هناك توافق داخل هذه التنظيمات للتصدي لتلك الجائحة، بل ان حالة التنافس بين دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو للحصول على المستلزمات الطبية كانت أمرًا لافتًا، فإن دول الخليج قدمت نموذجًا للعمل الجماعي الخليجي للتعامل مع الجائحة وهو ما عكسته الاجتماعات الوزارية ودون الوزارية التي استهدفت التنسيق والتشاور بشأن سبل التعامل مع تداعيات الأزمة في مجالات الصحة والتجارة والعمل والبيئة وغيرها من القطاعات الأخرى، وثانيها: دور القائد خلال الأزمات، وهي القضية التي حظيت باهتمام الباحثين وخاصة في الدول الغربية ففي دراسة أجراها أرين بوين وآخرون من جامعة ليدن الهولندية بعنوان «سياسة إدارة الأزمات في ظل الضغوط» وتضمنت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وإعصار كاترينا عام 2005 في الولايات المتحدة الأمريكية والتي نشرت جامعة كامبردج النسخة التاسعة منها عام 2011 أشارت إلى أن القائد يسعى لتوظيف كل ما لديه من موارد للتعامل مع الأزمة ويتأسس ذلك على ثقة المواطنين بالقائد الذي يقدم رؤية شاملة لإدارة الأزمات نجد أن خلاصة تلك الدراسة قد وجدت سبيلها نحو التطبيق في إدارة النخب الخليجية لأزمة كورونا والتي كان لديها رؤى متكاملة الجوانب بشكل متواز ابتداءً بالقرارات الاقتصادية التي تم اتخاذها واستهدفت تقديم دعم عاجل للمواطنين ومرورًا بالخطابات والكلمات التي حملت في طياتها بث الطمأنينة وفي الوقت ذاته حث الجميع على تحمل مسوؤلياتهم وانتهاء بتوجيه الأجهزة المعنية لبحث استراتيجيات مرحلة ما بعد كورونا، وثالثها: دور الأجهزة الأمنية في مواجهة الأزمة، وبرأيي أن تلك الأجهزة واجهت عبئًا مضاعفًا في دول الخليج حيث تحتم عليها العمل في مسارات متوازية سواء تطبيق قرارات فرض الحظر أو متابعة تجمعات العمالة الوافدة، أو تسهيل إجراءات العمالة الراغبة في العودة لبلادها عبر مطارات دول الخليج، بالإضافة إلى العمل الدؤوب لإنهاء إجراءات المواطنين العائدين من الخارج، ذلك الدور الذي يمكن تطويره مستقبلاً ضمن صياغة استراتيجية متكاملة بشأن دور الأجهزة الأمنية والدفاعية في مواجهة التهديدات غير التقليدية ورابعها: أداء الإعلام الخليجي خلال تلك الأزمة إذ برز دور وكالات الأنباء الرسمية الخليجية والتي تعاملت باحترافية ومهنية خلال الأزمة بعيدًا عن اعتبارات السبق والمنافسة، إذ كانت تلك الوكالات مصدرًا رئيسيًا للمواطنين والوافدين لمتابعة تطورات الأزمة، ولاشك أن ذلك الدور اكتسب أهميته لقطع الطريق أمام الأخبار الكاذبة ومروجي الشائعات والتي يفوق تأثيرها السلبي تداعيات الأزمة ذاتها، فضلاً عن دور القنوات الرسمية والتي لم تقتصر على بث أخبار الوباء بل اضطلعت بدور توعوي بالغ الأهمية سواء من خلال الفقرات الإعلانية المصورة، أو استضافة العديد من الأطباء المتخصصين في علوم الفيروسات لشرح كيفية تجنب الإصابة بالوباء بل وإيضاح مراحل التعامل معه حال الإصابة به، بالإضافة إلى اهتمام الصحف بتخصيص صفحات كاملة حول أبرز مستجدات وباء كورونا، وضمن الجهود الإعلامية فقد برز دور المتحدث الإعلامي الذي اضطلع به مسؤولو وزارة الصحة وكذلك فرق إدارة الأزمات في بعض دول الخليج والتي حرصت على إيضاح كافة التطورات أولاً بأول معززة بالأرقام والحقائق، فضلاً عن الإرشادات التوعوية الواجب اتباعها للحد من انتشار الفيروس، وجميعها جهود يمكن الاستفادة منها في صياغة استراتيجيات متكاملة لدور الإعلام إبان الأزمات والكوارث، وخامسها: دور العمل التطوعي فبالنظر إلى الطبيعة المفاجئة والحادة لأزمة كورونا والتي ارتبطت بصحة وحياة الإنسان وتجاوزت آثارها– برأيي- الحروب المدمرة فقد تطلبت ضرورة وجود جهود مجتمعية تطوعية تتكامل مع نظيرتها الحكومية وهو ما بدا واضحًا في دول الخليج من خلال نماذج عديدة كان المجال الصحي في طليعتها والذي شهد إقبالاً غير مسبوق وقد تأسس ذلك الأمر على خبرة دول الخليج بشأن العمل التطوعي من ناحية، واهتمام تلك الدول به عبر سنوات خلت من ناحية ثانية، وهو أمر بالإمكان استثماره خلال المستقبل من خلال تأسيس مجلس أعلى للتطوع تنتظم في إطاره الجهود التطوعية خلال أزمات أخرى مماثلة.  ومع أهمية ما سبق فقد لوحظ وجود مؤشرين لافتين الأول: تفاعل دول الخليج على المستوى الدولي سواء من خلال عرض مبادراتها في منتديات دولية أو دعم الجهود الدولية للحد من تداعيات كورونا، فضلاً عن مساعدة بعض دول الخليج للدول الأكثر تضررًا وهو الأمر الذي يؤكد مجددًا أن دول الخليج شريك إقليمي فاعل خلال الأزمات الدولية، والثاني: البعد الإنساني في التعامل مع الأزمة حيث إن كافة الإجراءات بما فيها الطبية قد شملت المواطنين والمقيمين على حد سواء وهو أمر ينبغي استثماره في سياق تعامل دول الخليج مع المنظمات الحقوقية الدولية. وبرأيي أن استراتيجيات دول الخليج في إدارة الأزمات قد عزز منها المقومات التي تمتلكها تلك الدول ابتداءً بتميز القطاع الطبي وديناميكية عمله خلال الأزمة, فقد لوحظ تسارع وتيرة الفحص الطبي بالتوازي مع تدريب متطوعين للعمل في مواجهة الوباء وإقامة مستشفيات ميدانية بإمكانها استيعاب المزيد من الحالات المصابة، ومرورًا بالحكومة الإلكترونية التي كانت مرتكزًا أساسيًا لدول الخليج سواء في تطبيق قرارات فرض الحظر أو حتى الريبوتات التي تم توظيفها داخل المستشفيات وانتهاء بدرجة الوعي المجتمعي الذي كان سمة بارزة في الدول الخليجية.  ومع أهمية ما سبق فإن أزمة كورونا قد أعادت موضوع إدارة الأزمات والكوارث إلى دائرة الضوء مجددًا والذي يتوقع أن يكون أولوية لدى العديد من دول العالم ومن بينها دول الخليج بل أنه يجب أن يكون ضمن استراتيجيات الأمن القومي للدول، بالإضافة إلى ضرورة تضمين ذلك الموضوع المناهج الدراسية في كافة المراحل التعليمية بما يعزز من ثقافة الأزمة ذاتها كمتطلب رئيسي للتكامل بين الجهود الحكومية والمجتمعية إبان أزمات مماثلة مستقبلاً. ‭{‬ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات».     

مشاركة :