وعثاء السفر!

  • 9/17/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

استعاذ رسولنا الكريم من وعثاء السفر، أي مشقته وجهده وتعبه. وأرشدنا عليه السلام إلى أن نستعيذ بالله من وعثائه فامتثل المسلمون لتوجيهه مستعيذين بالله من تلك المشقة في الجو والبر والبحر، سواء كانوا على ظهور الدواب أو في مقصورات البوينغ 787. وحين تطورت وسائل الترحال والسفر خفت المشقة فيما يتعلق بعامل الزمن، فبات المسافر يطوي الأرض بسيارته في بضع ساعات، بيد أن مفهوم المشقة المرتبط بالسفر وما زال يعرض للإنسان أحيانا في جوانب مختلفة من رحلته على الرغم من أن الدابة نجيبة والطريق سالك. ولتقنين مفهوم مشقة (السفر البري) تحديدا بالتعريف المعاصر فإنه يلزم أن نذكر أن عناصر السفر في الغالب ثلاثة: المركبة الجيدة، والطريق الآمن ،والخدمات المساندة المقنعة على جانب الطريق. ولو سلمنا أن مسافرا لديه سيارة جديدة ويسير في طريق ممهد وواسع فإن مفهوم المشقة قد يبرز له من خلال المكونات الأخرى للطريق، والتي لا تقل أهمية عن المركبة والطريق. فحينما يصل مسافر إلى محطة وقود ويفاجأ أنه لا يوجد وقود لأن قائد شاحنة الوقود بالمحطة لم يأت في الموعد المحدد فذلك قطعا من وعثاء السفر، كيف لا والمسافر ربما كان مضطرا لانتظاره لوقت طويل حتى يتزود بالوقود؟ وحينما يريد المسافر استخدام دورات المياه الملحقة بمحطة الوقود فيجدها منقطعة الماء متسخة الأرض بالية العمر فهذا من وعثاء السفر، وحينما يدلف إلى متجر أو بقالة المحطة ليأخذ ما يحتاجه ثم يهم للدفع ببطاقته لعدم وجود نقد لديه فلا يجد جهاز نقاط البيع فهذا قطعا من وعثاء السفر، وعندما يكون المطعم على جانب الطريق متهالكا والطعام قديما والعامل مكفهرا فهذا بلا شك شكل من أشكال وعثاء السفر، وزد على ذلك قلة اهتمام بعض أصحاب محطات الوقود بمساجد الطرق وعدم تخصيص أماكن للنساء وغياب عامل النظافة، وغيرها كثير. كل هذه المشاهد التي لا بد أن المسافر مر بواحدة منها على الأقل ذات سفر تعد جانبا شاقا ومتعبا في رحلة التنقل والترحال. ولما كانت وعثاء السفر أمرا ينفر منه الناس كان من الواجب على كل قطاع التصدي لهذه الممارسات التي تزيد منها، بشكل يضمن للمسافر الراحة والدعة والطمأنينة. ففي الجانب الديني والشأن الإسلامي فإن المعنيين به مطالبون بحملات دورية ودائمة لتفقد نظافة المساجد على طرق السفر والتأكد من توفر المياه ونظافة الفرش وتخصيص مصليات للنساء ودورات مياه لكبار السن وأصحاب الهمم، وحث المتطوعين للعمل الخيري لينفروا خفافا وثقالا للمساهمة في هذا النهر الجاري من الحسنات والسيل المتدفق من الأجور. وعلى صعيد التجارة ومراقبتها، فإن المعنيين بها مطالبون بشن ذات الحملات للتأكد من صلاحية الأغذية وسلامة التخزين وتوفر وسائل الدفع المختلفة نقدا أو بالبطاقة، ذلك أن سالكي الطرق يأتون من مشارب مختلفة وبقدرات وفهم متفاوت مما يلزم معه أخذ كل هذه الاحتياطات في البال والحسبان. التجارة أيضا مسؤولة عن حماية حقوق المستهلك خارج المدن، وذلك من حيث ثبات الأسعار ومنع الغش وتوفير أكثر من بديل وأقسام لأهل الحمية وأصحاب الاحتياجات الخاصة. ومثل ذلك يلزم وجود دور أكبر لقطاع البلديات لمراقبة المطاعم والمقاهي، ودور لهيئة السياحة لمتابعة النزل والشقق، ودور لقطاع البيئة لمحاسبة المتعدين على الحياة الفطرية خارج المدن وملوثيها بالمهملات والنفايات، وحين يتحقق هذا التكامل الجميل بين كل القطاعات المعنية فإن وعثاء السفر ستكون في أدنى مستوياتها، وسينعكس هذا بدوره على راحة المسافر وازدهار النشاط التجاري وتدفق الحركة التجارية والسياحية بين المدن، وستنشط الرحلات البرية وتزدهر دور التجارة، وسينعم كل مستخدمي الطرق بسفر سعيد وعود حميد وذكريات تخلد في الوجدان - بإذن الله - لعمر مديد. هذا ما جادت به المساحة من أفكار ولدينا مزيد!

مشاركة :