يتضح جليا أن المشهد الجيوستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي آخذ في التغير والتحول، وإعادة صياغة توازنات القوى. ويدخل الصراع بين إثيوبيا وإريتريا في عمق صراع المنطقة وتوتراتها، ويمتد إلى البحر الأحمر ووادي النيل، ولاشك أن خطوة المصالحة بين البلدين فتحت لتصالح مع جيبوتي بالنسبة لإريتريا وإثيوبيا من جهة وكذلك الصومال. ومعلوم أن الاستقرار في المنطقة يسهل مسألة إبعاد باب المندب عن التسييس والصراع وقضايا الأمن الإقليمي والدولي. وبدأت بوادر الانفراجة في العلاقات الإثيوبية - الإريترية بمبادرة إثيوبيا تسوية النزاع الحدودي المتأزم منذ 1998 بين البلدين، عبر تنشيط المحادثات. وفي 26 يونيو الماضي، بدأت المحادثات بزيارة وفد إريتري رفيع المستوى إلى أديس أبابا لبدء التفاوض حول الملفات والقضايا العالقة بين البلدين. وفي 8 يوليو توجت المحادثات بزيارة رئيس الوزراء آبي أحمد إلى إريتريا وتوقيع إعلان أسمرة للسلام. وتأتي الذروة في جدة برعاية الملك سلمان وحضور دولي يمثله الأمين العام للأمم المتحدة، وإقليمي يحضره رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، في إقرارٍ لافت بأن تشابك الصراع بين البلدين مع ملفات عدة في دول الجوار يستحق العناء والمباركة، فتعاون إثيوبيا وإريتريا سيخفف التوتر في ملف مياه النيل ويبعده عن التجاذبات السياسية، وكذلك الوضع في البحر الأحمر وباب المندب، فضلا عن الصراعات في مناطق مثل الصومال وجيبوتي. قصة الصراع في مايو/أيار عام 1991، نجحت قوات "الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا" بقيادة أفورقي، في دخول العاصمة الإريترية أسمرة، بعد 30 سنة من الكفاح المسلّح. وبعدها بأيام قليلة فقط، دخل تحالف فصائل الثوار بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لينهي حكم منغيستو هايلي ماريام. وبفضل التحالف الذي كان قائماً، برعاية دولية، بين قيادتي الثوار في إريتريا وإثيوبيا، جرى الاتفاق على إجراء استفتاء لاستقلال إريتريا بعد 3 سنوات من وصول الجبهتين للسلطة، وفيه اختار الناخبون الإريتريون الاستقلال في استفتاء جرى تنظيمه في أبريل 1993. وفى الثالث من شهر مايو من العام نفسه، اعترفت إثيوبيا بسيادة إريتريا واستقلالها. وتم تشكيل حكومة إريترية انتقالية لتسيير شؤون البلاد، وانتخب أفورقي رئيساً للدولة. إلا أن الرياح لم تأتِ بما تشتهي سفن الحلفاء القدامى، إذ سرعان ما اندلع خلاف بين "رفقاء السلاح" أفورقي وزيناوي، دفع أفورقي إلى طلب ترسيم الحدود، وأصدر العملة الوطنية "الناكفا" لتحل محل العملة الإثيوبية "البر"، لتتصاعد الخلافات التجارية بين البلدين. لذا، كان طبيعياً أن تتطور الأمور إلى صراع مسلح في 6 مايو عام 1998، على امتداد الحدود بين البلدين البالغ طولها ألف كيلومتر، فيما عرف باسم حرب "بادمي"، إشارة إلى المثلث الحدودي الذي يضم ثلاث مناطق. وفي مواجهة عسكرية دامية جرت في مايو 2000، سقط نحو 100 ألف قتيل من الجانبين وآلاف الجرحى والمعاقين والأسرى والنازحين، وأنفقت خلالها أكثر من 6 مليارات دولار، قبل أن يُبرم يوم 18 يونيو اتفاق مبدئي في الجزائر، تلاه في ديسمبر/كانون الأول عام 2000، توقيع اتفاقية سلام بين الجانبين لإنهاء الحرب.
مشاركة :