هل الحب أعمى؟..سؤال المثقف ورجل الشارع

  • 9/17/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إذا صح القول إن الحب يتجاوز المنطق وحسابات العقل فهل يصح القول أيضا بأن "الحب اعمى"؟!..هذا هو سؤال المثقف ورجل الشارع معا..وفي الآونة الأخيرة سعى مثقفون للإجابة على هذا السؤال بصيغ متعددة.ففي قصته الجديدة "الحب أعمى" يتناول الكاتب ويليام بويد قصة حب مابين عازف بيانو اسكتلندي ومغنية اوبرا روسية ويحاول أن يجيب عن سؤال :"هل الحب اعمى؟!" عبر الخيال الإبداعي لهذا الكاتب الاسكتلندي الذي يبلغ من العمر نحو 66 عاما .واتخذ هذا العمل الإبداعي في القصة ال 15 لويليام بويد طابعا تاريخيا رومانسيا عبر رحلة مابين اسكتلندا وفرنسا وروسيا حيث يستدعي سيد القصة القصيرة في العالم أنطون تشيخوف ليدلي بدلوه في هذه القضية وهو الذي أحب بدوره مغنية اوبرا تدعى "لايكا" ولايغيب طيفها أبدا عن المبدع الكبير كما تثير قصة "الحب اعمى" أسئلة عن العلاقة بين الحياة والفن والعلاقة بين الصدق والأداء ومااذا كانت الحياة الدنيا في حقيقتها "لعبة حظ" ؟!.واذا كان ويليام بويد يذهب في قصته "الحب أعمى" الى أن "نبضات الحب في القلب قد تغير مسارات الحياة والتاريخ وبصور كثيرا ما تتناقض مع المنطق او العقل" فان رجل الشارع في كل مكان كثيرا ما يرى وقائع يردد معها مقولة "الحب اعمى" .وأحد الرموز التاريخية للثقافة العربية وهو الجاحظ قال منذ مئات الأعوام :" ان العاشق كثيرا ما يعشق غير النهاية في الجمال ولا الغاية في الكمال ولا الموصوف بالبراعة والرشاقة ثم اذا سئل عن حجته في ذلك لم تقم له حجة" !.ولعل سؤال :"هل الحب اعمى؟!" ينسحب بصورة او أخرى على الكاتب الأمريكي الراحل جون شتاينبيك صاحب رواية "عناقيد الغضب" والذي يعد من مبدعي القرن العشرين فيما حمل بقسوة على زوجته جوين كونجر بعد طلاقهما حتى انه كشف عن انه استوحى شخصيتها لتكون شخصية من الشخصيات الشريرة في روايته "شرق عدن" التي صدرت عام 1952 وفي المقابل وصفته زوجته جوين في مذكراتها بأنه كان "ساديا وزير نساء".والحقيقة ان جوين كونجر لم تنشر هذه المذكرات فظلت مجهولة لفترة طويلة الى ان اكتشفت مؤخرا في ويلز لتجد طريقها بسرعة في عالم النشر وتصدر ككتاب جديد يكشف اسرارا في حياة هذا الكاتب الأمريكي النوبلي الذي ولد في السابع والعشرين من فبراير عام 1902 وقضى في العشرين من ديسمبر عام 1968 وتزوج من قبل من كارول هينينج والتي عرفت بدعمها لزوجها وهو يكتب اعماله الروائية الولى مثل "شقة تورتيلا".وسؤال :"هل الحب اعمى" موجه بالضرورة لجوين كونجر الزوجة الثانية لصاحب "شتاء الأحزان" و"مراعي الفردوس" و"المهر الأحمر" و"شرق عدن" والتي قضت في عام 1975 ، فيما صدرت مذكراتها التي بقت طويلا طي الكتمان في كتاب جديد بعنوان :"حياتي مع جون شتاينبيك".فالقاريء لهذا الكتاب الجديد يجد اتهامات خطيرة لجون شتاينبيك ومن ثم فلابد ، وأن يتساءل عن السبب الذي دفع جوين كونجر للارتباط برجل وصفته بأنها جعلها عبدة من العبيد وان تستمر معه كزوجة فيما كان قد التقاها لأول مرة في عام 1938 وهي تعمل كمغنية في ناد ليلي لكنه سيجد الإجابة عندما قررت جوين الانفصال عن زوجها الكاتب الكبير وعرفت ان "الحب اعمى أحيانا".وتقول جوين كونجر ان جون شتاينبيك قلما كان يلتفت لها أو لابنيهما وفي حالة تعرضهم لأي متاعب تستدعي تدخله كان يتهمها بأنها "تعكر صفو تفكيره وعمله ككاتب بينما كان يدلل جرذا اطلق عليه اسم بورجيس" مضيفة أن تصرفاته أفضت "في لحظة من اللحظات لموت الحب ومن ثم كان قرارها بالانفصال والطلاق". وناشر الكتاب الجديد لم ير في هذه المذكرات نوعا من الإساءة العمدية لتاريخ وسمعة كاتب كبير بقدر ما اعتبرها "محاولة للبحث عن معنى العدالة في الحب" معيدا للأذهان ان جون شتاينبيك تزوج للمرة الثالثة من فتاة تدعى ايلين كانت قد نشرت أيضا كتابا عن حياتها مع صاحب "في مغيب القمر" و"كأس من ذهب".وليس كل المبدعين على أي حال مثل جون شتاينبيك فالفنان الأسباني الكبير سلفادور دالي الذي ولد في الحادي عشر من مايو عام 1904 وقضى في الثالث والعشرين من يناير عام 1989 ، قال عن زوجته وحبيبته جالا :"لولا جالا لما كنت شيئا" بل انه كان يوقع على بعض لوحاته باسمهما معا.فعندما اختارت الحسناء الروسية جالا شابا اسبانيا معدما يجوب شوارع باريس في أواخر عشرينيات القرن العشرين واسمه "سلفادور دالي" همهم البعض :"الحب اعمى" وهم يتحدثون عن هذه الروسية الحسناء التي هام بها الشاعر الفرنسي الكبير بول ايلوار حبا وقال فيها :"احبك لأجل كل الأزمان التي لم اعشها..احبك لأجل رائحة البحر والخبز الساخن..احبك لأجل الثلوج التي تذوب والبراعم الأولى..احبك لأجل الحب".لكن جالا أجابت على الهمهمات والتساؤلات وهي تفضل شابا معدما على شاعر كبير قائلة "لا..ان هذا الشاب عبقري" وبعد سنوات سيتبين ان جالا كانت على حق فيما بات سلفادور دالي أحد أعظم وأشهر وأغنى الفنانين عبر التاريخ الإنساني.أما أمير شعراء فرنسا لويس اراجون الذي وقع في حب روسية جميلة أخرى تدعى "السا" وكان قد التقاها لأول مرة في مقهى باريسي ، فقد تحولت قصة حبهما الى واحدة من اشهر قصص الحب في النصف الأول من القرن العشرين ، فيما استوحى هذا الشاعر الكبير الذي ولد في الثالث من أكتوبر عام 1897 وقضى في نهاية عام 1982 عنوان أسطورة العشق العربي "مجنون ليلى" لديوانه الشهير في العشق الغربي"مجنون السا".ومن الذي ينسى ان أحد اشهر الكتاب والمفكرين في الثقافة الغربية وهو جان جاك روسو غير مذهبه بعد ان وقع في غرام الفاتنة "دو فارين" معتبرا أن "مذهبا تعتنقه حورية بهذا الجمال لابد وان يقوده الى الفردوس" ، فيما قد يقترن "الحب الأعمى" بطرائف.ومن طرائف الحب الأعمى مافعله الفيلسوف الألماني نيتشه الذي كان قد خرج من تجربة حب فاشلة مع فتاة تدعى سالومي عندما شعر بالحب الجارف لاحدى الجميلات دون ان يعلم أي شيء اخر عن معطيات حياتها ، فإذا به يكلف احد الأشخاص بان يبلغها برغبته في الزواج منها وكان هذا الشخص بالتحديد هو زوجها.والغريب أن سالومي التي أحبها نيتشه من قبل لم تكن جميلة بالمقاييس المتعارف عليها ، ومع ذلك فقد هام بها حبا وقد ذكرت أن هذا الفيلسوف الكبير والمفكر والشاعر المبدع طلب منها الزواج ثلاث مرات لكنها رفضت. وفي كتاب "رسائل حنة ارندت ومارتين هيدجر" ، يكشف النقاب عن أسرار الحب لأحد أكبر الفلاسفة في الغرب ، وهو هيدجر صاحب كتاب "الوجود والزمان" ، وقد يشعر البعض بالدهشة حيال فيلسوف مثل هيدجر عرف بشخصيته القوية وإرادته الحديدية بينما يقرأ في مثل هذا الكتاب انه "كان يبكي في حضرة الحب"..هل هو "الحب الأعمى" ؟!.وقد تبرز مقولة "الحب أعمى" على وقع ما قاله الكاتب المصري أنيس منصور الذي ولد في الثامن عشر من اغسطس عام 1924 وقضى في الحادي والعشرين من اكتوبر عام 2011 :"شىء غريب..كل معشوقات الفلاسفة دميمات أو لسن جميلات ابتداء من استاذ الجميع سقراط وأرسطو".ويضيف انيس منصور : "حتى سالومى التى أحبها وانهار امامها الفيلسوف نيتشه وعالم النفس فرويد والشاعر ريلكة لم تكن جميلة وان كانت جذابة" ..فهؤلاء الفلاسفة والمبدعون الكبار كما يقول عنهم أنيس منصور:"ليس لديهم وقت للتفكير..وفى لحظات الضعف يهيمون بهذا النوع من النساء".ومن الطريف أن يردد البعض :أهل الحب صحيح مجانين" على وزن "أهل الحب صحيح مساكين" التي غنتها كوكب الشرق أم كلثوم في رائعة "سيرة الحب" التي كتب كلماتها الشاعر مرسي جميل عزيز ، وهم يرون بعض ظواهر وتجليات الحب كقيام المحبين بحفر الحروف الأولى من أسمائهم على أقفال يلقون بمفاتيحها في أنهار كالنيل في القاهرة والسين في باريس والتيمز في لندن وبحيرة البندقية في إيطاليا. وإذ يذهب البعض الى أن المشاعر تتغير و"الحب يذبل بسرعة كالورود الجميلة ويتحول الى أطلال" فانالكاتب والأديب الراحل احسان عبد القدوس رأى أن "الحب الأول يبقى ولكن ومقفول عليه بالمفتاح" !.وهكذا فان هؤلاء المحبين الذين ابتدعوا ظاهرة "اقفال العشاق" على جسور الأنهار والبحيرات يسعون في المقابل لتخليد قصص حبهم مهما بدت أحيانا خارج حسابات العقل ودواعي المنطق وكأن لسان حالهم يردد :"عيون المها بين الرصافة والجسر..جلبن الهوى من حيث ادري ولا أدري".

مشاركة :