إنها الديمقراطية والعياذ بالله..!!

  • 9/18/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

نتكلم عن الديمقراطية.. اليوم الدولي للديمقراطية الذي مّر علينا قبل أيام، وتحديداً في 15 سبتمبر، أي يوم السبت الماضي يفرض هذا الحديث، أمين عام الأمم المتحدة قال بهذه المناسبة إن الديمقراطية تتعرض لضغوط أشد وطأة من أي وقت مضى، وحري بنا في هذا اليوم الدولي أن نبحث عن سبل لتعزيز الديمقراطية، وأن نوجد الحلول للتحديات الهيكلية التي تواجهها .. ما قاله أمين عام الأمم المتحدة ربما قاله غيره فهذه المناسبة ألفنا من يستثمرها من هيئات ومنظمات لاستعراض حالة الديمقراطية في العالم، والتأكيد على معاني واهداف وموجبات الديمقراطية كقيمة عالمية لجميع الشعوب، كما انها مناسبة وجدنا فيها دعوات تتكرر لتفعيل مبادئ الديمقراطية الحقة والدفاع عن حقوق الانسان، وتذكير الحكومات في كل مكان بان الديمقراطية تعنى المباشرة والفعالة من قبل المواطنين في صنع القرار.. ولكن المناسبة وجدناها في بعض بلداننا العربية مّرت مرور الكرام لا حس ولا خبر، ومّرت على استحياء في بعضها الآخر، من باب نحن ايضاً ديمقراطيون ونحتفي بالديمقراطية ونمارس الديمقراطية، ونؤكد على اهتمامنا بها، ولا بأس من الإعلان عن برامج وطنية هدفها توطيد وتعزيز الديمقراطية، ولكن نموذج الديمقراطية على صعيد الواقع العملي لازال هشاً للغاية رغم كل العناوين والشعارات، بل بات يتعذر القول إن لدينا في هذه الدول بيئة مناسبة لقيام ديمقراطية حقة بكل مقوماتها وأركانها ومتطلباتها ومقتضياتها، بل اننا لازلنا نسمع ونقرأ من يرفض الديمقراطية، ينبذها، ولا يرى فيها إلا نواقص وجالبة لكوارث، بل هناك من ربطها بالوثنية والإلحاد، وحذر من التعامل مع الديمقراطية ودعاة الديمقراطية، ولا نستغرب ان يستعيذ بالله ويستغفره حين يتحدث أحد عن الديمقراطية او يدعو لها.. نستحضر هنا كمثال، مثال ليس إلا، ما حدث في مصر قبل نحو 100 عام، وتحديداً في 1913 حين تقدم للانتخابات البرلمانية أحمد لطفي السيد وهو أحد أبرز الوجوه التنويرية وزعماء الحركة الوطنية المصرية، وأحد أبرز الداعين الى الديمقراطية، وكانت شهرته أطبقت الافاق وشعبيته قيل بأنها لاتجادل وكان نجاحه فى هذه الانتخابات أمر محسوم لا ريب، إلا ان منافسه من التيار الرجعي لم يعدم حيلة فدعا الفلاحين الى اجتماع شعبي وتحدث بما يشيع لديهم البلية والنفور من منافسه وفى هذا السياق وجه سؤالاً للحضور .. كيف تنتخبون رجلاً ديمقراطياً، أيعقل ان تنتخبوا رجلاً يُؤْمِن بالديمقراطية والعياذ بالله، أحمد لطفي السيد المعروف بالورع والطيبة والإيمان الديمقراطي، أثار اتهامه بأنه ديمقراطي البلية في أوساط الكثيرين، وراحوا يسألون بعضهم البعض عن معنى ديمقراطي، فقيل لهم: «ديمقراطي يا جماعة، معناها والعياذ بالله ملحد، كافر، لا يُؤْمِن بالله»، وجاءت مناسبة سُئل فيها أحمد لطفي السيد هل أنت ديمقراطي، ابتسم الرجل وقال مزهواً وبكل فخر، «نعم أنا ديمقراطي» .. الأمر الذي أصاب الحضور بالدهشة، وأصيبوا بالخيبة، وانفضوا من حوله، وأشيع عنه بأنه فاسق، وكافر، وديوث، وأسقط فى الانتخابات لأنه يُؤْمِن بالديمقراطية، وقيل عنه بأنه كان طيباً وخلوقاً، وابن عائلة كريمة إلا انه والعياذ بالله كان ديمقراطياً ..!! المشهد نفسه تكرر في أكثر من بلد عربي في أكثر من انتخابات ضد من وصفوا بأنهم ديمقراطيين او علمانيين تارة، او ليبراليين تارة أخرى، سوّق اصحاب الفبركات والمصالح والمآرب زيفاً وتزويراً وافتراء وكذباً وجهلاً بأن الديمقراطي والليبرالي كلاهما كافر، وكلاهما خطر على الاسلام والمسلمين، وكلاهما لا يريد خيراً لا للوطن ولا للمواطنين، وان الديمقراطية لم تكن أفضل العناوين المطلوبة ..! لسنا في وارد تفنيد ذلك الكلام، فهذا ليس مجاله الآن، خاصة وان الأمور باتت واضحة وجلية، وان هناك مسرحيات جرت باسم الديمقراطية الشعبية وجدناها هنا وهناك فيما هي محاولات انغماس المصالح الخاصة، وفي الولاءات الدينية والمذهبية والقبلية والمناطقية، وتوظيف أتباع وتحويلهم الى تنابلة وقوى كسيحة، ونعلم ان هناك جرائم ارتكبت ولاتزال ترتكب باسم الفضائل، ونعلم كيف تم شيطنة البعض باسم الديمقراطية، وكيف ان هناك أعداء حميمين لأي نزعة ديمقراطية، وكيف جعلها البعض مطية للفتك بالخصوم وتحقيق المآرب، وهذا ماقد يحدث في مسارات انتخاباتنا القريبة المقبلة، على غرار ما حدث في الانتخابات السابقة التي أوصلتنا الى برلمان أبسط ما يمكن ان يوصف بأنه برلمان ضعيف، وهو أول برلمان في العالم يتخلى طواعية عن جزء مهم ومعتبر من صلاحياته في الرقابة والمساءلة في مواقف لن ينساها المواطن البحريني مهما مرّ من زمن، ويمكن ان نستحضر بالتواريخ والأسماء الكثير من الحقائق والوقائع الدالة على ذلك عبر ممارسات غير ديمقراطية وعلى التعامل الخاطئ مع مفهوم الديمقراطية، بالرغم من إصرار بعض النواب على تبيان عكس ذلك، لذا قلنا في وقت سابق بأنه يلزمنا الكثير من السذاجة والبراءة في آنٍ واحدٍ لنصدق النائبة التي قالت «إن مجلس النواب ينقل الصورة الصحيحة للديمقراطية»، او ذلك النائب الذي قال «لا يمكن تكميم أفواه النواب لأنهم يمارسون الديمقراطية»..!! مسكينة حقاً هي الديمقراطية، كم من الجرائم ترتكب باسمها، وأمامنا شواهد كثيرة مغرقة في الرداءة، يكفي ان نتأمل وبقدر كبير من الأسى والحسرة في هؤلاء النواب الذين أبوا إلا ان يجعلوا من الديمقراطية حالة مستعصية، منهم من فهمها بصيغ محض سلبية الى الحد أصبح ينظر اليها بأنها غير مستساغة، او يراها في أحسن الأحوال بأنها محصورة في انتخابات، المواطنين فيها مجرد ناخبين وحسب، ليسوا سوى وسائل في خدمة غايات ليس من بينها الديمقراطية..!! أحد أركان هذه النظرة المقيتة للديمقراطية هم بعض النواب، يكفي نظرتهم تلك، علاوة على ممارساتهم المهترئة المشهودة التى يمكن ان تندرج تحت عنوان «شر البلية ما يضحك»، خاصة حين وجدنا نواباً يظنون، رغم ان بعض الظن إثم، بأنهم يمارسون الديمقراطية بأصولها وفروعها، فيما هم واقعاً ينكلون بمفهومها ويفرغونه من مضمونه، ولكنهم وللأمانة يتشاطرون عند الحديث على الديمقراطية وشرفها المصان...! من تابع ويتابع ما حدث على صعيد ساحة العمل البرلماني وأداء كثر من البرلمانيين، ومن تابع ويتابع الكثير من مجريات أمور واقعنا، يسهل عليه الاستنتاج بأننا نحتاج الى معجزة ترسي الديمقراطية بمختلف تلاوينها واستحقاقاتها، وليس الديمقراطية التي يستظل البعض بها والتي لا تثمر سوى الخيبة والاحباط والمرارة وجعلها في أحسن الأحوال ديمقراطية لا تخرج عن كونها شكلاً من أشكال التسبب يصعب إخفاء بصماته..!! بوسعنا أن نمضي في إضافة المزيد من الوقائع التي لا يمكن ان تؤدي الى غير تلك الخلاصة على صعيد النواب، وغير النواب، وهي وقائع لم تكن يوماً خافية على أي مواطن متابع، واللافت انها تتنوع وتتكاثر على نحو يبدو انه لا يتوقف عند حد معين، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات التي قد تكون أكثر فائدة من الأجوبة، خاصة انه ليس مضموناً الحصول على اجوبة لهذه التساؤلات ولا غيرها، وهي تساؤلات بسيطة، ولا أبسط منها، جلها تقريباً تدور حول ما اذا كنا جادين في السعي للديمقراطية الحقة، خارج إطار العبارات والشعارات المستهلكة التى يراد منها الإيحاء بأننا نمارس الديمقراطية التي لا يستعاد الله منها ..!

مشاركة :